01‏/11‏/2013

خيارات السلم والعنف في الثورة البحرينية

خيارات السلم والعنف في الثورة البحرينية

أحمد رضي - كاتب صحفي بحريني
لا يشك المتابع لتاريخ البحرين السياسي بأن ثورة 14 فبراير في البحرين لم تكن وليدة اللحظة التاريخية بدوافعها الاجتماعية والحقوقية المشروعة، فقد شهد تاريخ البحرين صفحات من النضال الوطني والصراع مع النظام الحاكم عبر حركات احتجاج عديدة، آخرها انتفاضة التسعينات التي قادت المعارضة السياسية لمصالحة تاريخية مع العائلة الحاكمة بالرغم من عدم التوافق حول نتائجها الايجابية وعدم تحقق إجماع وطني لكافة الأحزاب الدينية والسياسية المعارضة حول مسار المفاوضات ونتائج الحوار.. مما قاد بعد سنوات متعثرة من العمل السياسي لإخفاق الطرفين في معالجة الملفات الساخنة كالتجنيس والبطالة والفساد واحتكار الثروات والسلطة وبصورة أكثر ضراوة مما سبق!!

وبالتالي جاءت ثورة 14 فبراير 2011 ضمن مخاض الثورات العربية بقوة دفع معنوية خارجية، ومشحونة بدوافع سياسية وحقوقية قاد مسيرتها الشباب الطموح في مستقبل أفضل، وظهر واضحاً بأن ما حدث هو صفحة لن تنطوي بسهولة ولن تمحى من ذاكرة التاريخ بسبب مظاهر العنف والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب جرائم خطيرة من قبل رجال الأمن مع توفر دعم سعودي وأمريكي لا يخفى للعائلة الحاكمة.

والآن بعد مرور أكثر من عامين على بداية الثورة واستمرار الغليان الشعبي في ظل حصار إعلامي وعسكري وأمني للثورة البحرينية.. أطرح السؤال التالي: ما هي خيارات السلم في الثورة البحرينية على ضوء نتائجها الميدانية والإعلامية وما تبعه من تفتت النسيج الاجتماعي وغياب التوافق الوطني واستمرار نزيف الدم عبر تضحيات الشهداء والجرحى والمعتقلين في السجون؟
 
 بالنسبة للمعارضة السياسية فقد دعت إلى الحوار وطرحت مطالبها الحقوقية بشكل سلمي، ولكنها جوبهت بردة فعل حكومية أقرب إلى الانتقام والتشفي، فتم قمع المسيرات واعتقال الرموز السياسية وقام الإعلام الرسمي بتأجيج الأوضاع بصورة طائفية مقيتة، وتدخلت القوات السعودية بدعم أمريكي لحصار الثورة عسكرياً وإعلامياً، وسقط العديد من الشهداء وضحايا التعذيب مع مئات الجرحى والمعتقلين في السجون.

ورغم ذلك لم ينجح الحل الأمني في حسم مرحلة الثورة بخيار العنف وظلت الأبواب مفتوحة لجميع خيارات السلم من قبل المعارضة السياسية وقوى الثورة وبعض أطراف الحكم في عائلة آل خليفة. ولم يساعد تدويل ثورة البحرين إقليميا على حسم الخيارات مع اختلاف الرؤى المتباينة بين (أمريكا، روسيا، بريطانيا)، أو بين (إيران والسعودية).

محلياً رفضت العائلة الحاكمة الاستماع إلى أصوات وطنية مستقلة وتجاهلت دعوات أطياف المعارضة السياسية سواء بإعادة مبادرة ولي العهد أو مراجعة وثيقة المنامة كفاتحة خير وتوافق للخروج من دائرة العنف.. ولكن هذه المحاولات لم تنجح في ظل ترجيح العائلة الحاكمة لخيار العنف حتى هذه اللحظة.

من جانبي الشخصي كنت قريب الصلة من أوساط شبابية مؤمنة بالثورة وأهدافها وهي ترى بأن خيار السلم هو خيار استراتيجي يرجع لأسباب عديدة (اجتماعية ، قانونية)، وتحكمها موازين الشريعة الإسلامية وطبائع أهل الوطن الذين عاشوا في ظل تعددية دينية وسياسية وتنوع مذهبي وطائفي بين (الإسلام، المسيحية، اليهود) والملل الأخرى. ويبدو بأن النظام السياسي لم يحسن قراءة هذه الخارطة المتنوعة، واستغل نقاط الضعف بينها لتأجيج لغة الطائفية والتمييز المذهبي وهو خيار قصير المدى أثبت فشله.

وبالطبع لا يلغي خيار السلم حق الشعوب في الدفاع عن حريتها وكرامتها واستخدام كافة الوسائل المشروعة لدفع العدوان الخارجي أو التصدي لمقاومة العدوان الداخلي وفق شريعة الدفاع المقدس وقوانين حقوق الإنسان، وهو حق أصيل في الشريعة الإسلامية.

ثورة البحرين تمثل معضلة أخلاقية للدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا، لأنها جاءت في توقيت زمني حساس وفي نقطة جغرافيا استراتيجية خطيرة وسط الخليج العربي، فأي تغيير سياسي في البحرين فإنه بلا شك سيعصف بكل دول الخليج ويشجع شعوبها على مزيد من الحريات والديمقراطية، وهي مسألة وقت لحسم الخيارات وفق تسوية سياسية قد لا تكون مرضية للطرفين.

البحرين في المرحلة القادمة مقبلة على خيارات صعبة في السلم والعنف، وسيظل الخيار السلمي هو الخيار الأنسب والأبقى لديمومة الثورة مع تنوع أساليب الاحتجاج وطرق الدفاع الذاتي ومواجهة العدوان.  سيحتاج شعب البحرين لقراءة متأنية ودقيقة لجميع الخيارات المطروحة مستقبلا، وتجنب الأخطاء التاريخية السابقة، وضرورة تحقق الإجماع الوطني والقبول الشعبي لجميع النتائج المترقبة كأهداف مرحلية تمهد لتحقيق الإرادة الشعبية المؤمنة بالثورة وأهدافها.. وصولاً إلى مرحلة بناء وطن الإنسان والقانون.

صحيفة الانتقاد اللبنانية:
http://www.alahednews.com.lb/essaydetails.php?eid=86603&cid=78
 

ليست هناك تعليقات: