13‏/04‏/2011

حين تهز ثورة البحرين العالم

حين تهز ثورة البحرين العالم

صفحات من تاريخ المقاومة الشعبية في البحرين
13 أبريل 2011

أحمد رضي (*)
تمر الثورات في العالم بمنعطفات اجتماعية وسياسية واقتصادية قد تكون المسبب الرئيسي لظهور انتفاضات شعبية تحاول تغيير الواقع المحلي وصياغة مستقبل خارطة الوطن الإقليمية. وبالتالي فإن حركات النضال السياسي والاحتجاج الاجتماعي التي ظهرت في البحرين تحت مسمى "انتفاضة شعبية" مروراً بإنتفاضة الخمسينات والسبعينات والتسعينات.. يمكن النظر إليها نظرة خاصة مقارنة بحركات الشعوب الأخرى، نظراً لكون البحرين بلد صغير جغرافياً في وسط منظومة دول الخليج، وكعضو منتمي لجامعة الدول العربية والإسلامية، وكدولة معروفة في العالم العربي كونها تضم أغلبية شيعية تحكمها أقلية سنية، وكأرض تحوي قواعد أمريكية عسكرية وبين جارتين هما الجمهورية الإيرانية الإسلامية والسعودية.. مما يجعل عملية التغيير السياسي كإرادة شعبية داخلية ذات تماس بالوضع الإقليمي وموازين القوى العالمية.

وطوال مراحل التاريخ السياسي، مرت بالبحرين بمنعطفات تاريخية هامة لعب فيه أبناء الوطن (الشيعة والسنة) دوراً مميزاً في مسيرة النضال السياسي من أجل نيل الحقوق والحريات الأساسية. ومن تلك المحطات التاريخية نستقرأ كيف شارك أبناء الشعب في مقاومة الاحتلال البريطاني من أجل نيل استقلاله وحريته في في 14 آب/ أغسطس 1971م (1). كما شارك أبناؤه في دعم القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الصهيوني دون النظر للبعد الطائفي، من منطلق عدالة القضية دينياً وإنسانياً ومشروعية الجهاد المقدس، وقد استشهد بعض أبناء الوطن دفاعاً عن القدس وفلسطين حينذاك.

وكذلك شارك شعب البحرين في حركة الاحتجاجات والاضرابات ضد تقسيم فلسطين في العام 1948، وصولا إلى الحركة الاصلاحية التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني في أعوام 1945 ـ 1956، وبعد العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني خرج شعبنا بمسيرات غاضبة ضد ذلك العدوان، ولكن المستعمر البريطاني قمع تلك المسيرات وساق العشرات والمئات من أبناء البحرين إلى السجون والمنافي، وجاءت انتفاضة مارس/آذار الخالدة في العام 1965 في حياة الشعب لتشكل انطلاقة أخرى لشعبنا وقواه الوطنية والتقدمية ضد الاستعمار البريطاني. وفي أعوام 1968 ـ 1969حدثت اعتقالات كثيرة في صفوف مناضلي الحركة الوطنية والعمالية، فخرجت المسيرات والتظاهرات الطلابية، مطالبة باطلاق سراح مناضلي الحركة الوطنية المعتقلين، ومن 1971 حتى 1972 كانت هناك الكثير من المسيرات العمالية التي خرجت تطالب بتأسيس النقابات العمالية وكان معظمهم من الشباب والعاطلين عن العمل(2).

ولا ننسى أيضاً حركة القوميين العرب ذات الميول اليسارية ومناصرتهم لحركات التحرير والثورة العربية كما في جبهات المقاومة في اليمن الجنوبي وحركة ظفار الثورية بعمان أوائل السبعينات(3). وصولاً لمشاركة أبناء الوطن ذوي الانتماء الإسلامي مع قوى المعارضة السياسية في إنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية من ناحية التنظيم الحزبي السري والإعلام الخارجي والدعم الميداني، وقد قدم بعض أخوتنا (الطلبة ورجال الدين خصوصاً) أرواحهم في سبيل إنجاح الثورة الإسلامية مطلع الثمانيات (4). ولا يمكننا أن ننسى أيضاً التعاطف المعنوي والإعلامي الكبير لأبناء البحرين المخلصين واستعدادهم الكبير في دعم حركات المقاومة العربية والإسلامية، وتحديداً المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، عبر تقديم الدعم المعنوي والمالي والإعلامي لها رغم كل القيود الأمنية والجغرافية. وتلك أمثلة مما تطوف بذاكرتنا وما خفيّ من جهود آبائنا وأجدادنا من سيرة النضال السياسي والمقاومة الشعبية صفحات كثيرة لم تكشف بعد بالكامل للجيل الحاضر رغم أهميتها وخصوصيتها.

وفي مرحلة التسعينات (بدءاً من 1995 إلى 2001) سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى والمشردين وآلاف المعذبين والمعتقلين، وتحققت بعض المطالب عبر تضحيات الشعب بكل طوائفه واستطاعت المعارضة هز كأس النظام الحاكم دون أن تكسره أو تسقطه.. والآن بعد 10 سنوات وصولاً لثورة الغضب الشبابية (حركة 14 شباط/ فبراير) التي خرجت من رحم هذه الأمة التي عانت سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فبعد 10 سنوات من المشروع الإصلاحي وطرح ميثاق العمل الوطني لم تتحقق إرادة الشعب كاملة، ولم ينصف أبناء الوطن.. لأنهم يعانون من جهاز أمني وحشي مطعم بجنسيات غير وطنية من (عراقية، سورية، أردنية، باكستانية وغيرها).. شعب يعاني من اقتصاد مليْ بالفساد.. شعب يعاني من ضياع أمواله وأراضيه وممتلكاته وسواحله.. شعب يعاني منذ أكثر من 40 عاماً من حكومة يرأسها خليفة بن سلمان كأقدم رئيس وزراء في العالم حتى الآن.. شعب يعاني من وعود وأمنيات لم تحقق للشعب الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي.

ولكل تلك الانتفاضات الشعبية أسبابها ونتائجها الهامة على صعيد بلورة العقل البحراني والتوق للعدالة والحرية الإنسانية، وكانت خاتمتها الثورة الأخيرة (ثورة 14 فبراير في البحرين) التي تميزت بكونها انتفاضة شعبية وطنية وحركة شبابية معارضة أساليبها سلمية لا مركزية، وتعبر عن جميع شرائح المجتمع البحريني بكل تياراته السياسية والدينية، وقد استطاعت مواجهة قوة البطش والقمع والرصاص الغادر بكلمات الود والسلم ولغة الورود في تعبير رمزي حضري عن سلمية التحرك الشعبي.

ثورة 14 شباط/ فبراير هي لسان حال الشباب في البحرين والبعض أطلق عليها اسم (ثورة الغضب الشبابية).. وان سقفها مرتفع لأن الحرية لا تتجزأ بل تكتسب كحق، والثورة لديها احترام لكل الطوائف الدينية والسياسية ولجميع الأقليات الأجنبية، ومطالبها حقوقية وسياسية واقتصادية من أجل تغيير الواقع السيء إلى واقع إيجابي يعطي لكل أبناء الوطن حقوقهم وحرية اختيار حكومتهم الديمقراطية بهويتها العربية والإسلامية. وهي حركة وطنية لا تستهدف طائفة ولا تؤيد التدخل الخارجي ولا تلجأ للعنف أو الدمار، لأن هدفها النهائي صيانة الحقوق والحريات والتوزيع العادل للثروات وحفظ الأمن وحقوق المواطنية دون النظر للطائفة أو الهوية.

"ثورة الغضب" تؤكد بأنها ثورة سلمية سياسية حقوقية لم ترفع حجراً أو سلاحاً، ومطالبها مشروعة وفق إرادة الشعب وعلى الجميع إحترام هذه الإرادة ويفتخر بهؤلاء الشباب وبهذا الشعب المسالم. لأنها حركة احتجاج سلمي لا تريد زعزعة الأمن والاستقرار في منظومة دول الخليج وتحترم عادات وتقاليد الجميع، ولكنها تطالب بحق اختيار الحكومة التي تمثلها وتعبر عن إرادتها الحرة وحق صناعة الوطن بصورة عادلة لجميع أبناءه دون تمييز طائفي أو عرقي، مع إدراكها لحجم البحرين الجغرافي وعلاقتها بمنظومة الخليج وطبيعة علاقاتها الاستراتيجية بالمجتمع الدولي (5).

المعارضة البحرينية لا زالت تصر على أسلوبها السلمي ومستمرة في احتجاجها السياسي ولا تراجع للوراء أبداً.. وهي ترى بأن النظام البحريني سقط أخلاقياً وسياسياً، وأن السقف الأدنى للمطالب حسب ميثاق العمل الوطني كان ينص على ملكية دستورية منذ 10 سنوات وحتى هذا السقف لم يلتزم به الملك، والآن بعد هذه السنوات والدماء والجراح يؤمن جمهور الثورة بأن خيار الملكية الدستورية قد سقط، لأن النظام أصبح يفتقد للشرعية القانونية حتى مع وجود دعم عسكري سعودي بموافقة أمريكية (6).

وحتى الآن سقط عشرات الشهداء ومئات المعتقلين وآلاف الجرحى.. وشاركت للآسف بعض دول الخليج كالسعودية والامارات بقوات لسحق حركة الاحتجاج الشعبي بكل قسوة ودموية، وبدعم غير ظاهر من الولايات المتحدة الأمريكية. وتم توظيف المرتزقة والبلطجية في بث الرعب وإرهاب الناس، ويقوم الإعلام الرسمي بممارسة الكذب والتضليل الإعلامي يومياً، مع استمرار عمليات القتل والاعتقال يومياً.. ومع كل هذه الحرب الإعلامية والأمنية على "ثورة الغضب" (14 فبراير) ما زال الشعب يكافح سلمياً من أجل نيل حقوقه وحرياته بالصورة السلمية التي أصبحت محل إعجاب العالم كله، وسوف ينال مراده قريباً أن شاء الله تعالى.
(*) كاتب بحريني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1ـ كانت بريطانيا تعتبر الخليج بمثابة بحيرة بريطانية وحلقة اتصال مهمة في الطريق إلى ممتلكاتها في الهند. وحرصت بريطانيا على بقاء البحرين مستقلة عن الدول المحيطة كالسعوديين، فقامت بريطانيا سنة 1859م بإبلاغ فيصل بن تركي بأنها تعتبر البحرين "إمارة مستقلة،" وأرسلت أسطولاً بحريًا لحمايتها. وبعد عدة معاهدات بين بريطانيا وحكام البحرين وقع آل خليفة اتفاقية الحماية البريطانية سنة 1861م، ومنذ عام 1354هـ/1935م حتى 1378هـ/1958م صارت البحرين القاعدة الرئيسية للبحرية البريطانية في الخليج، وانتقل مقر المقيمية البريطانية في الخليج من بوشهر في إيران إليها سنة 1365هـ/1946م. وظلت البحرين محمية بريطانية حتى سنة 1971م. للمزيد راجع كتاب عبدالرحمن الباكر (من البحرين إلى المنفى قصة كفاح البحرين ضد الاستعمار البريطاني).
2ـ راجع مقال للكاتب فاضل الحليبي بعنوان: موجز عن تاريخ الحركة الشبابية وكفاحها في البحرين، نشر بصحيفة الوسط البحرينيةـ العدد 150ـ الإثنين 03 فبراير 2003م.
3ـ على ضوء مؤتمر حمرين 1968 تقرر تغيير اسم "جبهة تحرير ظفار" إلى "الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل". وقد تبنت حركة ظفار الكفاح المسلح في الخليج العربي بالرغم من التباين والاختلاف بين دول الخليج. وفي 1970 بدأ التنسيق بين الحركة الثورية والجبهة الشعبية، وكان مكتب الجبهة في عدن يمثل ملتقى المعارضة الثورية في الخليج. وعندما بدأ الإعلان عن الاحتياج لكوادر خليجية في تخصصات معينة كالتدريس والطبابة والزراعة والإعلام، وعليه بدأ البحرينيين في التحرك نحو ظفار في مهام مدنية لا عسكرية. كان أول من وطأ ظفار من البحرينيين هما الرفيق عبدالرحمن النعيمي في العام 1970 بحكم كونه الشخصية الأبرز في الصف البحريني، ومعه الرفيقة ليلى فخرو. للمزيد راجع ملف بروفايل بصحيفة الوقت، إعداد باسمة القصاب، العدد:661ـ الخميس 13 كانون الأول/ ديسمبر2007.
4ـ من شهداء البحرين الذين سقطوا دفاعاً عن الثورة الإسلامية في آيران على سبيل الذكر: الشيخ موسى بن محمد البابور، الشيخ خليفة بن علي الحداد، الشيخ ابراهيم بن حسن بن محمد على المادح، الشيخ محمد نعمة حسن العاشور، شاكر مهدي عبد الرسول الزهيري، محمد جعفر عبد المحسن السرو، الشيخ محمد العالي، السيد محمد ضياء السيد شبر السيد حسين علوي، حسن علي محمد بهلوان، اسماعيل بن عباس بن حسن الجعفري.. وآخرين.
5ـ نحن في البحرين نبارك لكل الشرفاء في العالم وقفتهم الإنسانية مع مظلومية شعب البحرين في سعيه لتحقيق مطالبه العادلة، وخصوصاً أخوتنا في الكويت وعمان والمنطقة الشرقية ولبنان والعراق وتركيا وآيران والعواصم الأوربية والأجنبية ممن أدانوا ممارسات النظام البحريني ووحشية الجيش السعودي المحتل.
6ـ هناك أكثر من 700 منظمة حقوقية تدين الجرائم الوحشية التي قام بها الجيش البحريني والسعودي كما رصدها المراقبون، والجهات الحقوقية ترى أن إعلان الأحكام العرفية لا يعني إسقاط إلتزامات مملكة البحرين بشأن إحترام حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي.


صحيفة الانتقاد اللبنانية:

http://www.alintiqad.com/essaydetails.php?eid=42628&cid=76&sms_ss=facebook&at_xt=4da54d97b2429119%2C0

ليست هناك تعليقات: