بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):
موقع إسلام أونلاين- 12/12/2001م
تشهد البحرين اليوم مرحلة جديدة لبناء وطن الحرية والعدالة الاجتماعية،
وسعياً نحو تحقيق المطالب الشرعية العادلة - التي نادت بها قوى المعارضة بمختلف
رموزها الفكرية والسياسية - بما يعني ذلك من تأسيس لكيان الدولة الشرعي الذي غاب
طوال 25 سنة خلال سيادة قانون أمن الدولة، وكذلك تأسيس قانوني للمجتمع المدني، بما
له من حقوق وحريات كفلها دستور البلاد.
لدى قناعة بأن قوى المعارضة البحرينية كافة واعية بضرورة توحيد جهودها من
أجل اجتياز المرحلة الحرجة، وإعادة النظر في الكثير من الأمور والقضايا العالقة،
على ضوء متغيرات الواقع السياسي والاجتماعي. وبالطبع، فإن هذه التطورات السياسية
والاجتماعية الهامة التي تشهدها البحرين، إنما جاءت بعد تضحيات كبيرة قدمها أبناء
الشعب، مع نشاط مكثف لقوى المعارضة ونضال التيارات السياسية والفكرية.
حركة إسلامية فريدة
والحركة الإسلامية في البحرين تكتسب طابعاً مميزاً عن بقية الحركات
الإسلامية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وإن كانت في صورها العامة تأخذ منحنى
الاستفادة من التجربة السياسية للحركات الإسلامية في إيران ولبنان والكويت.
فبالنسبة للوسط الشيعي، فإنه سيبقى المحيط الاجتماعي والسياسي الأكثر جدلاً، بفعل
قوة الضربات الأمنية التي واجهها على مدار سنوات طويلة، وهو ما يدفعه لتوحيد صفوفه
الجماهيرية وتنظيم طاقاته الحركية أكثر من أي وقت مضى. وفي نفس الوقت، نرى أنه من
السهل أن تحدث خلافات داخل الوسط الشيعي بفعل اختلاف المرجعيات الفكرية للقوى
الدينية والسياسية.
ملفات لا بد من فتحها
وحتى هذه اللحظة، ما زالت الحكومة تواجه عقبات في تنفيذ مشروعها الإصلاحي،
بانتظار غلق الملفات العالقة: كالملف الأمني ومحاسبة رموز التعذيب، ومراجعة مسألة
الوجود العسكري للقوات الأمريكية في البحرين ومنطقة الخليج، وملف البطالة والتجنيس
(خارج القانون)، في ظل غياب الأنظمة التشريعية لمراقبة السلطة التنفيذية، مع تراجع
دور الصحافة والإعلام المحلي.
يضاف إلى ذلك قضايا الشأن الداخلي، كشيوع الفقر والحرمان الاقتصادي الذي
تعاني منه الطبقة الاجتماعية، وهو عامل قد يسهم في حدوث اضطرابات أو مشاكل تهدد
الاستقرار السياسي للبلد. كما أنه أمرٌ يتطلب من الحكومة وضع الخطط والبرامج
والمشاريع الاقتصادية للنهوض بالبلاد، دون النظر للمسألة الطائفية أو العرقية…
فجميع المواطنين سواسية أمام القانون.
مصير المعارضة
ويراهن بعض المراقبين للأوضاع السياسية، بأن المعارضة البحرينية في طريقها
للذوبان داخل المشروع الحكومي الإصلاحي، وأن ذلك يعني ممارسة العمل السياسي من داخل
البحرين، والعمل على تصفية مراكز المعارضة أو احتوائها إعلامياً مع ضمانات مؤكدة.
والجميع يدرك بأن القاعدة الاجتماعية للوسط الشيعي سوف تكون مؤهلة لممارسة العمل
الميداني، وصولاً لتنظيم صفوفها الاجتماعية وقواعدها الحزبية تماشياً مع الحركة
الإصلاحية. في حين لا يخفي البعض قلقه من بطء مسيرة المشروع الإصلاحي، وبقاء الرموز
الأمنية في مراكز السلطة والقرار، مع غياب صيغة تنسيق مرحلي بين كافة قوى المعارضة
والحركات السياسية والدينية.
معوقات على
طريق الإصلاح
وبالرغم من طبيعة الاختلافات الأيدلوجية بين مختلف التيارات الدينية
والسياسية، فإنها سوف تشهد نكسة كبيرة عند قيام التجربة البرلمانية، حينما تواجه
تحديات الواقع في ظل غياب مشروع تنسيق وطني، أو إستراتيجية عمل موحدة لكافة القوى
السياسية. وقد يدفع كلا التيارين - الإسلامي والوطني - ضريبة باهظة في حال فشل
المشروع الإصلاحي، وهو ما يدفعهم لإعادة ترتيب أوراقهم باتجاه تشكيل تحالف سياسي
مواجه للخطوط الأخرى.
أما فيما يتعلق بعلاقة التيار الشيعي مع بقية التيارات الدينية، فإنها لم
تترجم لمشروع وحدة بالرغم من توافر الأرضية الممهدة لقيام تحالف إستراتيجي بينهم،
ووجود قواسم تاريخية وعوامل مشتركة تتيح لهم حرية العمل السياسي، مع أجواء الاعتدال
والتسامح الديني. كما أن كلا التيارين الإسلاميين يدرك بقناعة راسخة أهمية تثبيت
عوامل الاستقرار الأمني بالمنطقة، وتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول
المجاورة.
الاستفادة من الأخطاء التاريخية
ويمكن القول: إن الوسط الشيعي يتجه اليوم نحو تكثيف نشاطه الداخلي؛
استعداداً للتجربة البرلمانية القادمة، وما يترتب عليها من تحالفات؛ مع الإحاطة
بأهمية استيعاب طبيعة المرحلة القادمة، والاستفادة من دروس الماضي، وعدم تكرار
الأخطاء التاريخية، والعمل على صياغة خطاب إسلامي يتجاوز الخطاب الطائفي الضيّق.
لذا، فإني أرى أن وجود العديد من المدارس الإسلامية والمرجعيات السياسية
والدينية في الساحة الاجتماعية هو عاملٌ يثري المجتمع الإسلامي فكرياً وسياسياً،
ويتطلب التنسيق العملي لأولويات الحركة الإسلامية، وطرح الرؤى المستنيرة من قبل
المفكرين الإسلاميين.
وستظل الساحة الاجتماعية (في الوسط الشيعي) تحت سيطرة أقطاب الحركة
الإسلامية البارزين، وستكون لهم هيمنة على الشارع العام الذي بدأ يميل لتعدد
المرجعيات الدينية والسياسية ذات الخطاب الشعبي المفتوح، الذي يلامس طموحه وآماله
في الحياة الكريمة العادلة.
ومن قبيل الصواب، فنحن لا ننكر أن للحركة الإسلامية أخطاءها
التاريخية، بحكم مواجهتها لتحديات الواقع السياسي والاجتماعي، نظراً لحجم الضغوط
الأمنية التي تعرضت لها عبر سنوات طويلة. وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن الوقت قد حان
للتخلص من رموز المرحلة السابقة، ومحاولة الاستفادة من دروس الماضي ومعطيات الحاضر
لبناء خطاب إسلامي يراعي متطلبات الواقع المعاصر. وهذه بلا شك مهمة صعبة لدى جميع
التيارات الإسلامية التي تواجه تحديات الواقع السياسي والاجتماعي بكل معطياته
الجديدة على الصعيد المحلي والعالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق