05‏/05‏/2001

نحو عدالة اجتماعية وديمقراطية إسلامية

جريدة أخبار الخليج، 5 مايو 2001م

سارت حركات التحرر الوطني والشعوب المتطلعة لنيل استقلالها وحريتها القانونية.الديمقراطية كما عرفها الرئيس الأميركي الراحل (إبراهام لينكولن)  بإيجاز هي "حكم الشعب بالشعب للشعب"، وعليه
 

والدول المستقلة لا شك بأنها تسعى لنيل رضا شعوبها، على أساس الثقة المتبادلة والعقد القانوني بين الطرفين، فيما بين الحكومات وشعوبها علاقة تتجاوز حدود الطاعة والانقياد، بل هي جامعة من الروابط والحقوق المشتركة، يتمتع فيها المواطن بحقوقه وحرياته الأساسية كما بينّها فقهاء القانون.
 
فالحكومات الديمقراطية كسلطة سياسية مُنتخبة، تقوم وفق إرادة الأمة من أجل إدارة شئونها المشتركة. ويتحدد دورها بناءاً على صيغة القانون الذي يحدد اختصاصات السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وعليه تتحدد المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالقانون هنا -بالنسبة للحكومات الديمقراطية- هو الأساس الشرعي الذي يستمد منه النظام الحاكم شرعية بقاءه واستمراره، وهو كذلك المناخ الطبيعي -للأفراد والأحزاب- لممارسة العمل السياسي عبر قنوات المشاركة السياسية والتعددية الفكرية. فالديمقراطية تعبيرٌ عن إرادة الشعوب المستقلة، ورغبتها في التحرر والاستقلال، والعيش بأمن وسلام في ظل الحقوق المتبادلة والحريات الأساسية.
أن دور المواطن اتجاه وطنه يتحدد بناءاً على صيغة العقد القانوني والاجتماعي، وهي الكفالة الطبيعية لممارسة الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها القانون. ولعل -من وجهة نظري- أن دعائم الديمقراطية وركائزها القانونية لدى الدول الغربية كبريطانيا وأميركا هي أثبت أساساً عن غيرهما من الدول العربية، بحكم طبيعة الأنظمة السياسية والقبلية في المجتمع الشرقي. فالديمقراطية منهج واقعي وشعبي، له إيجابياته وسلبياته، وله خصائصه المميزة لتوزيع السلطات الثلاث.
ولعل مفهوم (الاستبداد) هو المفهوم المقابل للديمقراطية، وهي دلالة على فقدان الرابطة القانونية بين الحكومة والأمة، أو العقد النافذ والملزم للطرفين. والمستبد برأيه.. قد يستبد بأهله ومجتمعه ووطنه، بحكم أبوته أو مكانته أو سلطته. ولا شك بأن شخصية (المستبَّد) انطلاقاً من خصائصها النفسية والمنظور الاجتماعي لها، هي ذات خائفة ومستسلمة للظروف وأبعد عن مفهوم الحوار والتعايش السلمي. وعند الرجوع للقاموس السياسي لتوضيح حالة الاستبداد وسلطته المطلقة، فأنه يعرف "الحاكم المستبد" despote بأنه حاكم مطلق، له سلطة تعسفيّة، أو كيفية، بلا حدود، ولا مراقبة. والاستبدادية تصف حكومة متسلّطة (أو سلطوية)، يمكن أن تكون حكم جماعة، لا يحدّ منها شيء، ولا يوقفها في ممارسة حكمها "الكلياني!" وإذا حافظت على بقائها بالقوة، تصبح طغياناً. ويستخدم تعبير "الاستبدادية" في كثير من الأحيان بمعنى واسع لكي يصف، بصورة تحقيرية، كل سلطة يعترض على شرعيتها، أو على نمط ممارستها للحكم".
 
فالاستبداد يعني حضور لغة العنف والقوة وغياب لغة الحوار وسلطة القانون، بينما تعني الديمقراطية المساواة والحرية الفكرية والتعددية السياسية، وضمان العدالة الاجتماعية، والحوار السلمي. فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم تظل علاقة متوازية في إطار القانون الذي يحفظ لكلاهما واجباتهم، ويظل القانون هو السلطة الحاكمة والنافذة على الحاكم والمحكوم معاً. والمواطن هو صورة الوطن.. فبقدر تمتع المواطن بحقوقه وحرياته الأساسية، تتحقق عملية التوازن بين القوى والتفاعل البناء، والتي تبنى عليه العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
 
أين يقف العرب؟
أن تكون عربياً أيّ أن تكون مواطناً تعيش حلم العدالة والحرية والسلام.. تحلم بما لا تستطيع، وترغب فيما لا تريد!! ومن منطلق إدراكنا للحظة التاريخية الفريدة كعرب ومسلمين، نتساءل: ما طبيعة مواقفنا الجماعية من قضايانا ومشاكلنا؟

هل أدركنا حقيقة قوتنا وموقفنا من أنفسنا؟! وما هي نظرة الصديق والعدو إلينا؟ وما طبيعة التحالفات الإقليمية والاقتصادية المبلورة لعالم يعيش الصراعات الدامية والخلافات الغير متناهية.. اتجاهاً نحو عولمة اقتصادية وتقنية مركزية؟.




يتساءل أحد المواطنين: ماذا يعني أن تكون مواطن عربي بلا هوية؟! وما مقدار اعتزازنا بهويتنا الإسلامية وقيمنا الإنسانية ومبادئنا التي حلم بها المفكرون وناضل من أجلها الثوار؟ وهل نستمر في تعاطي الحياة بروح سلبية خانعة؟ وهل يحق للمواطن العربي أن يتعاطى السياسة كما يأكل الخبز، أم يظل متفرجاً في مقهى السياسة أمام صناع القرار؟
فهناك الكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية التي تحتاج لجهود الأفراد والمؤسسات لعلاجها.. وما يهمني هنا، هو النظر للقاعدة الشبابية لأنها أساس كل حركة تطور أو تغيير ننشدها.. ونحن الآن في مرحلة صعبة لا ينبغي الهروب من مشاكلنا أو مخاوفنا، فلا بد من علاج حاسم لكل القضايا العالقة وضرورة فتح الملفات السياسية والاجتماعية. وهذه مسئولية الدولة والمواطن.. لأننا ما لم نضمد جراح الوطن ونقاوم من أجل تحسين المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومعالجة القضايا الاجتماعية والأخلاقية، والعمل على وحدة المجتمع. والتغيير الاجتماعي هو الأساس العملي لأيّ محاولة نهوض أو تغيير سياسي منشود. فيكفينا نزاعات استنزفت كل قوانا وأموالنا وجهودنا، لذا يتعين أن يتوجه عملنا من أجل البقاء وبناء أحلامنا في الواقع الأفضل والأجمل والأكثر عدالة، فلا بد من تضحية والصبر والنضال لتحقيق الحياة الكريمة.
ونحن مقبلين على مرحلة جديدة.. علينا أن نثير كل الأسئلة الممنوعة ونكشف كل الأوراق المجهولة، بدءاً من أنفسنا ومؤسساتنا الدينية والاجتماعية والرسمية. وما دمنا ملتزمين بمبدأ الحوار الجاد وبقيم إنسانية ثابتة، دون خوف أو تراجع. فليقدم كل عالم نظريته؟ وليبدع العلماء والمفكرين في آرائهم وأطروحاتهم، ولينهض الشباب والأجيال الفتيّة بمسئولياتهم الوطنية.
 
شئنا أم أبينا.. فلا بد من الانفتاح على كل التيارات الفكرية والسياسية، وأن نتعاطى العمل الوطني من منطلق المشاركة والحوار والإيمان بالرأي الآخر، ونعمل على جمع الخبرات والطاقات وإنهاض المؤسسة الدينية المرجعية من أجل مواكبة تطورات العصر الحديث. وهي دعوة إلى كل المفكرين ورجال الدين أن يعيشوا روح العصر في حركتهم ومشاريعهم الخاصة بكافة مرجعياتهم الدينية والسياسية، وأن يتعاطعوا شؤون الساحة المحلية بروح علمية ونزيهة بعيدة عن الجدل والتنظير التقليديين.. لأن الساحة المحلية الآن أصبحت مهيئة لقبول مشروع وطني يتجاوز حدود المذهبية والعصبية السياسية. وهي دعوة للتعايش السلمي بين المواطن والدولة في إطار القانون، ودعوة لكل المؤسسات الدينية والرسمية أن تنفتح على كافة الطبقات الاجتماعية وتعمل على الارتقاء بها.
 
نحو ديمقراطية إسلامية:
ويستحضرني هنا سؤال هام.. هل لدينا ديمقراطية إسلامية ؟!
ألا يعتقد البعض منّا بأن النظام الإسلامي في أحكامه وتشريعاته، هو نظام للحياة وأساس للحكم وإدارة شئون المجتمع ؟
كعرب ومسلمين نحن اليوم بأمس الحاجة لممارسة التجربة الديمقراطية، ووضعها في الإطار الإسلامي بما يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا. لقد جربنا مختلف النظم كالخلافة ونظام الشورى والديكتاتورية.. ولم تنجح لأسباب عديدة. فلماذا لا نجرب الديمقراطية التي أثبتت فعاليتها في الحدّ من سلطة الحاكم الفرد، وفي إعطاء الأمم والشعوب قدراً أكبر من الحرية السياسية والدينية والاقتصادية، ولا نستطيع الحكّم على التجربة إلا بعد تطبيقها؟. والدول العربية والخليجية، تتمتع بقدر من الحرية النسبية في ظل أجواء التعددية، واحترام الدستور وصيانة حرية الإنسان وكرامته. لذلك فأن الشعوب مطالبة اليوم بتقرير مصيرها وفق أحكام القانون، وعلى ضوء امتلاكها لحريتها واستقلالها.. وقد نختلف في بعض النقاط الجوهرية المثارة حول النظرية الإسلامية (الشورى) ومدى فعاليتها، ولكننا لا نختلف بلا شك أننا نقبل ما فيه مصلحتنا العامة من الشرق والغرب، ونرفض كل ما يعرض الإنسان والأمة لانتقاص حريتها وكرامتها. فنحن نرفض الأساس الفكري لنظرية الديمقراطية الغربية، لتكون لنا نحن المسلمون ديمقراطيتنا الإسلامية التي تلائم طبيعة معتقداتنا وأوضاعنا السياسية والاجتماعية و الدينية.. أنها دعوة إلى التفكر والتأمل في أحوالنا كشعوب عربية إسلامية.. ودعوة إلى تقرير المصير.

 

ليست هناك تعليقات: