* صحيفة أخبار الخليج- العدد (8473) الاثنين 12 ربيع الأول 1422هـ، 4 يونيو 2001م.
الشباب.. أهم قضية
وطنية واجتماعية، وأكبر طاقة إنسانية مُهدرة وإمكانيات إبداعية ضائعة..!! هذه
الكتلة الشابة من يحمل قضيتها بأمانة، ويتبنى أحلامها وآرائها ؟ هؤلاء الشباب..
الجيل القادم.. جيل المحنة والغضب.. يريدون أن نفكر في مشاكلهم وقضاياهم الحيوية
قبل أي شيء. فماذا قدمنا إلى الشباب؟ ولماذا تأخرنا عن التطور والتقدم في أهم
المجالات الحيوية؟ ولماذا لا نعترف بشجاعة بأخطائنا، لنتبصر طريقنا للإمام؟ فأمامنا
مئات القضايا والمشاكل العالقة، ومن الصعب تجاهلها أو نسيانها بدءاً من المشاكل
السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لأننا نواجه مرحلة صعبة، تتطلب منّا جميعاً
كأفراد وحكومة أن نفكر بعين العقل والحكمة حول مصيرنا المشترك.
وشبابنا بعاطفته الجيّاشة شديد التعاطف مع
الهم الإنساني الذي يجمعنا معاً كأبناء لوطن واحد، لأن كل مشكلة يمر بها الشاب تعبر
عن معاناة إنسانية صادقة وتجربة مريرة. ومعظم الشباب يؤمن بحتمية التغيير السياسي
والاجتماعي، وضرورة العمل على كشف الأقنعة المزيفة.. يدفعهم الإيمان بإخلاص وصدق
فيما يعتقده البعض مغامرة غير محسوبة!! أذن فما هي الحركة المنظمة لطاقات الشباب؟
وما هي حدود معرفتنا بآليات العمل وأدواته؟ وما هي حدود طاقتنا وقدرتنا على الصمود
أمام التحديات؟ هذه أسئلة هامة يطرحها كثير من الشباب، وتحتاج لإجابة واضحة وصريحة
من العلماء والمفكرين. فرجل الشارع البسيط.. والعامل في مصنعه.. والطالب في مدرسته
وجامعته.. والمرأة الفاضلة مربية الأجيال.. كل أولئك معنيون بإجابة لمختلف
تساؤلاتهم وحاجاتهم. وكما قال الشاعر:
نحن نمشي، وحولنا هذه
الأكوان تمشي، لكن لأية غـاية ؟
نحن نتلو روايـة الموت للكـون ولكن ماذا ختام الرواية
؟
فالعديد من شبابنا يعيش
الأمل الموعود والقلق المعرفي، ويبحث عن الحقيقة الضائعة منذ لحظة وجوده، فيقدمون
أحياناً على خطوات يحسبها المجتمع تهور وجرأة على المقدس الديني والعادات
الاجتماعية التقليدية. ومعظمهم قد وقع في معاناة نفسية نتيجة عدم ثباته على قناعة
فكرية محددة أو نتيجة مقبولة لعقله وعاطفته. فشبابنا معنيٌ بالبحث عن جوهر الحقائق
وباطن الأشياء.. يهتم بالعقائد الدينية والأفكار المثالية عن الوجود الإنساني
والكوني !! فهو يهتم بالبحث عن إجابة لتساؤلاته المعرفية العميقة.. ويطالب بحقوقه
وحرياته الأساسية، لذلك من المهم أن نسلط الضوء على ما يعانيه شبابنا من مشاكل
تربوية وأخلاقية، وقضايا اجتماعية ونفسية.
أتساءل: عن مدى حصانة
شبابنا من الانجرار للأفكار المنحرفة والتيارات السياسية والدينية المتطرفة ؟ وهل
استطاعت المؤسسات الدينية والرياضية والأهلية تعزيز الحصانة النفسية والمناعة
الأخلاقية في نفوس الناشئة من شبابنا من خلال البرامج الثقافية والمنتديات
الاجتماعية ؟ وما هو مستوى الوعي لدى رواد المساجد والمنابر الحسينية أو زوار
المقاهي الليلية والنوادي الرياضية ؟!
فقد ينطلق كثيرٌ من
الشباب في تفسير الحوادث والوقائع بناءاً على دوافع ذاتية منطلقة من صميم تجاربهم
ومعاناتهم الإنسانية ومن خلال الدروس المستقاة من التاريخ. فجميع الشباب يحمل عقلاً
ليفكر وروحاً ينبض بالمشاعر والمعاني الإنسانية، من أجل رؤية مشتركة للوجود والذات
والحياة. فالتواصل مع شبابنا من خلال المنابر العامة والصحافة الحرة، وإعطاءهم
الفرصة لطرح آرائهم ومناقشتها علناً، والاهتمام أكثر بقضاياهم الجوهرية ومشاكلهم
التربوية والأخلاقية والنفسية، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية وتعميق مجالات
الحوار المفتوح وإبداء الرأي بحرية، والعمل على وضع الخطط والبرامج الثقافية
والرياضية التي تسهم في بنائهم الجسدي والنفسي يعتبر أولوية مهمة لدى الدول
المتقدمة. وبالشكل الذي يحقق تقدم الوطن في مختلف الأصعدة السياسية
والاجتماعية.
لذلك أصبح من الصعب
لشبابنا في ظل هذه الظروف الصعبة أن يتعلق بقدوة مثالية، لأننا وسط عالم يعيش
الصراع والمتناقضات. فبعد سقوط كل الرموز الدينية والسياسية، ما زال شبابنا يبحث عن
نظرية يطمئن لها قلبه وعقله، بعيداً عن متاريس الأحزاب الدينية والسياسية أو
الأنظمة السرية، وحفاظاً على قدر من تحرره المعرفي واستقلاليته الفكرية. فشبابنا
مرهف الإحساس بوطنه ومجتمعه، وهو مدرك لأبعاد الهم الإنساني، ولطبيعة التغيرات
الطفيفة التي يمر بها مجتمعنا خلال الفترة الحالية. وقد أصبح اليوم يتعاطى الشأن
السياسي باهتمام بالغ، ومن الصعب استبعاده من مسرح الأحداث والقوى المحركة في صنع
القرار المحلي.
إن شبابنا اليوم يتطلع إلى صحف
وصفحات يكتب فيها بحرية، ويعلن آرائه في الحياة.. ولا يستغرب الوالدين من أفعال
أبنائهم، لأنهم يتكلمون بلغة يعجز العلماء والمفكرين عن فهمها، ولأنهم يفكرون
بقلوبهم قبل عقولهم، ومن الجهل أن نتعامل معهم بالقوة أو العنف. فهؤلاء الشباب
ليسوا بحاجة لوصفة سحرية تعالج مشاكلهم الاجتماعية والنفسية، أو لواسطة نحو
السماء.. بل هم أحوج لواسطة نحو الأرض تلبي مطالبهم. فإلي أي مدى نجحت المؤسسات
الاجتماعية والرياضية والدينية في احتواء طاقات الشباب من خلال البرامج والفعاليات
الرياضية والثقافية الهادفة. فهم بحاجة لحلول سريعة لمشاكلهم، فلم تعد المناهج
المدرسية أو الخطب الدينية أو الوعود السياسية تلبي رغباتهم أو تحقق آمالهم. وليست
المشكلة عند الشباب هي الفراغ أو البحث عن عمل أو لقمة العيش.. بل المشكلة في أنهم
يفتقدون اتساع نطاق العدالة الاجتماعية، عدالة توفر لهم الأمن والحرية والخبز!!
وعندما نصل لحل لقضايانا العالقة فإن كل المشاكل الصغيرة سوف تختفي!! فشبابنا يعيش
محنة العصر بكل همومه، فهو قد عاصر وما زال أهم مرحلة تاريخية سياسية مرت بها
البلاد.
لذلك أصبح لزاماً على كل شاب وشابة
أن يقرروا كيف تكون حياتهم لأنهم من يملكون إرادتهم وحريتهم الشخصية. وليس أمامهم
من خيار إلا أن يصمدوا أمام الأحداث الصعبة، وأن يوزنوا الأمور بعقل وصبر، وأن
يواجهوا كل محنة بالصبر والعمل والإرادة، فلدى كل إنسان قوة داخلية وإرادة للتغلب
على الصعاب والمحن الأليمة. فهؤلاء الشباب على استعداد تام لأن يقولوا الكلمة التي
عجز آبائهم عن قولها، وأن يفعلوا ما لم يفعله أجدادهم.. فلا تحطموا آمالهم
وأحلامهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق