1 أبريل 2002
بقلم-
أحمد رضي (كاتب صحفي):
الموكب الحسيني هو عبارة عن التحرك الجماهيري للأمة بقيادة الإمام المعصوم أو نائبه في عصر الغيبة الكبرى من أجل تحقيق أهداف ثورة الإمام الحسين (ع). وللموكب الحسيني ثلاثة محاور رئيسية هي المأتم (المنبر)، والزيارة، والمواكب العزائية. وعادة ما تتنوع الشعائر الحسينية، حسب طبيعة المجتمع الشيعي وظروفه السياسية.
مجلة
النبأ- العدد 66- محرم الحرام 1423هـ.
الموكب الحسيني هو عبارة عن التحرك الجماهيري للأمة بقيادة الإمام المعصوم أو نائبه في عصر الغيبة الكبرى من أجل تحقيق أهداف ثورة الإمام الحسين (ع). وللموكب الحسيني ثلاثة محاور رئيسية هي المأتم (المنبر)، والزيارة، والمواكب العزائية. وعادة ما تتنوع الشعائر الحسينية، حسب طبيعة المجتمع الشيعي وظروفه السياسية.
ويمكن اعتبار الدافع الأول
لحركة الموكب الحسيني، هو عاطفة الحب والولاء لأهل البيت (ع). ويمثل الجمهور الحاضر
في الموكب القاعدة الشعبية التي تتجاوب مع المفاهيم الإسلامية الحركيّة التي تتناول
أهداف النهضة الحسينية، كخط إسلامي وكتجربة إنسانية فريدة، بالإضافة إلى تناول
القضايا المحلية والعالمية، وصياغة الوعي الاجتماعي وفق منظومة القيم والأخلاق
الإسلامية. وقد يقفز أحياناً لطرح قضايا اجتماعية، واتخاذ مواقف سياسية لشحن وتعبئة
الجمهور.
والمادة التي يتناولها الرادود
أو الخطيب الحسيني تنطلق حسب حرية الرأي وممارسة الشعائر الدينية التي يكفلها
القانون. والرادود يعتبر محور حركة الموكب الحسيني، والقطب الرئيسي في تشكيل عواطف
الجمهور، وشحنها بالحماس الممزوج بعاطفة الحزن والبكاء على مقتل الإمام الحسين (ع)
وأهل بيته الأطهار. وعادةٍ ما يتفاوت الرواديد حسب أعمارهم وخبراتهم، ومن الضروري
أن يكون الرادود الحسيني قدوة أخلاقية في المجتمع، وعنصراً اجتماعياً نشطاً في
المجال الثقافي أو السياسي.
وقد لعبت المواكب الحسينية، عبر
مختلف عصور التاريخ، أدواراً بارزة في تشكيل العقل الجمعي، وتعبئة الجماهير
بالحماس. وتترافق مع هذه الشعائر بعض الأعمال الإيجابية، كحملات التبرع بالدم أو
فتح مراسم فنية أو عرض فنون تمثيلية ومسرحية، بالإضافة إلى النشاط الإعلامي (بالصوت
والصورة) المرافق للمواكب الحسينية. وأصبحت هذه الشعائر ممارسة تتوارثها الأجيال،
ورسالة إعلامية لجماهير متعطشة للحرية والعدل والتضحية من أجل الأهداف النبيلة التي
وظفها الإمام الحسين (ع) في نهضته الخالدة.
وتذكر بعض الروايات أن
الرسول(ص) هو أول من زرع بذرة إحياء الشعائر الحسينية، من حزن وبكاء على ما يجري
لأبنه الحسين بن علي عليهما السلام؛ فقد استقبله بعد ولادته مباشرة بدموعه
المباركة، وكان يبكي عليه صباحاً ومساءً لمدة طويلة، ويشاركه في ذلك أهل بيته
الأطهار(ع).
والمشهور تاريخياً أن المواكب
الحسينية قد جرى تأسيسها بعد استشهاد الإمام الحسين(ع)، فكان أول مأتم أقيم بكربلاء
في الليلة الحادية عشرة من محرم، مباشرة بعد مقتل الإمام الحسين (ع)، برعاية ابنه
الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع)، وبحضور أهل بيته ونساء أصحابه بكربلاء.
وقام الإمام علي بن الحسين (ع) بإلقاء أول خطبة في جماهير الكوفة التي ازدحمت حوله
حينذاك، وتبعته السيدة زينب وأم كلثوم وفاطمة الصغرى عليهن السلام. وبعد ذلك أقيم
مأتم بالشام في قصر يزيد بن معاوية عندما جيء بالسبايا إلى مجلس يزيد، فقامت هند
بنت عبد الله بن عامر بن كريس، بإقامة المأتم، رغم معارضة زوجها يزيد. وكذلك أقيم
مأتم في المدينة المنورة، بمجرد وصول خبر مقتل الحسين(ع). وأخذت المآتم تتسع برعاية
أئمة أهل البيت(ع) الذين حثوا شيعتهم على إحياء الشعائر بمختلف الوسائل المتعارف
عليها.
ومن
تلك اللحظة بدأ مسلسل الندب والبكاء والحزن الذي لم ينقطع على مقتل الإمام الحسين
وأهل بيته الأطهار عليهم السلام؛ فقد كانت واقعة كربلاء بدرجة من الهول والفظاعة
بحيث لا تمحى من ذاكرة أئمة أهل البيت(ع) الذين توارثوها جيلاً بعد جيل، فاتخذت
أشكالاً عديدة، ومظاهر دينية واجتماعية، من قبيل الحث على الزيارة والعزاء والبكاء
وإنشاء الشعر وغير ذلك.. وبحكم الظروف التاريخية، خصوصاً في عهد الدولتين الأموية
والعباسية، كادت مظاهر الندب والعزاء أن تختفي، وأضحت تمارس بسرية وخفيّة من عيون
الحكام.
ونلاحظ - مثلاً - أن الرثاء في
عصر الأئمة عليهم السلام، كان يشتمل على مدح لأهل البيت(ع)، كباب واسع لنشر فضائلهم
ومناقبهم الحميدة، وبعد الرثاء الذي تعقبه حالة البكاء، يوجه ذم لممارسات السلطة
الأموية الحاكمة. وبعد ذلك برز العزاء على مصاب سيد الشهداء كظاهرة اجتماعية، وبدأت
أساليب الشعائر الحسينية تتسع بالرغم من معارضة حكام الجور لها، وقيامهم بمنع زيارة
قبر الحسين(ع)، أو رفع الأعلام السود. ويمكن ملاحظة مدى التأثير البالغ للنهضة
الحسينية على معظم الثورات التي خرجت ضد السلطات الحاكمة حينذاك، حيث كانت تنادي
بثارات الحسين(ع)، كثورة المختار الثقفي، وثورة التوابين، وثورة الشهيد زيد،
وغيرها.
وقد برزت مظاهر الحزن والعزاء
أكثر وضوحاً في عهد البويهيين ببغداد، والفاطميين بالقاهرة، والصفويين بإيران، وفي
شمال سوريا وحلب، وأيام الدولة الحمدانية، وعصر دول آل سيف. وامتدت لعصرنا الحاضر
لتنتشر المآتم والحسينيات في كافة بقاع العالم، بأساليب مختلفة ومظاهر اجتماعية
متعددة. وفي عصر الدولة الحمدانية (تأسست سنة 338هـ) التي كانت بمثابة الثقل الشيعي
الأكبر حينذاك، وتمركزت قواعدها في الموصل وسوريا، خرجت المواكب العزائية كاحتفال
عام تعطل فيه الأسواق حداداً على مقتل الإمام الحسين (ع)، وكذلك في عهد الدولة
البويهية في إيران والعراق، ثم في عهد الدولة الفاطمية في مصر والمغرب. ويذكر بعض
المؤرخين أن المآتم الحسينية لم تنقطع حتى بعد وصول السيدة زينب(ع) لمصر، أيّ قبل
قيام الدولة الفاطمية.
وتاريخياً نجد أن بعض مراجع
الدين والفقهاء قد لعبوا دوراً مميزاً في تطوير الموكب الحسيني، كالعلامة المجلسي
والشيخ الأنصاري والسيد مهدي بحر العلوم والشيخ زين الدين المازندراني(1)، بالإضافة إلى فقهاء
ومفكرين إسلاميين في عصرنا الحاضر، كالسيد محسن الأمين ومرتضى المطهري والسيد محمد
التيجاني السماوي وغيرهم.
وقد مر الموكب الحسيني بمراحل
تاريخية واجتماعية متعددة، حتى وصل للحالة التي نشاهدها اليوم. وهو بالطبع بحاجة
للتطوير بما يناسب طبيعة الظروف الموضوعية، وبما يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا
وهويتنا الإسلامية، ومن الضروري أن يكون التغيير والإصلاح شعاراً للتحرك الإيجابي
في صفوف المجتمع، على ضوء فهمنا لأهداف النهضة الحسينية ووعينا بطبيعة المتغيرات
المحلية والعالمية. ويمكن تلخيص أهداف الموكب الحسيني كمعطيات حضارية وغايات
إنسانية أفرزتها النهضة الحسينية، بما لها من آثار إيجابية للإنسان والمجتمع،
بالأهداف التالية:
1- صياغة وعي الإنسان، كشخصية
إسلامية رسالية، وأنموذج أخلاقي قادر على التوفيق بين رؤيته العقائدية الإيمانية
وبين ضرورات العصر الحديث.
2- الموكب الحسيني يعتبر مظهراً
إعلامياً شعبياً لتكوين رأي عام، ورسالة عالمية لنشر أهداف النهضة الحسينية الخالدة
كالعدل والحرية والسلام، وهو أحد صور الخطاب الإعلامي الإسلامي، ولسان صادق للتعبير
عن الحالة الاجتماعية والسياسية للأمة.
3- الموكب الحسيني وسيلة لشحن
عواطف الأمة وتغذيتها بإرادة المقاومة والتحديّ أمام الصعوبات، عبر خطاب تبليغي ذي
تأثير معنوي على وجدان وعاطفة الأمة، من خلال إذكاء مشاعر الغضب ضد الظلم والطغيان
والفساد، وإلهاب عواطف الجماهير وبث روح الوعي والحماس فيها.
4- طرح المفاهيم الإسلامية
وتوعية الأمة بحقوقها وحرياتها الأساسية، عن طريق الوسائل الإعلامية كالمنبر
والرثاء الشعري واللطم بالإضافة إلى طبع الكتب والمجلات وغيرها.
5- تحقيق وحدة الكلمة والصفوف
بين مختلف الحركات الدينية والتيارات السياسية؛ فرسالة الموكب قائمة على الوحدة
الإسلامية والوطنية، بما يحقق الغايات الإنسانية والأهداف النبيلة للفرد
والأمة.
6- العمل على إعلاء كلمة الله،
من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة للعدالة الاجتماعية والسياسية،
ولبث روح العدل والمساواة والحرية العالمية.
7- تجسيد مفهوم التضحية والعطاء
والبذل من أجل بقاء الدين، وحفظ رسالة الإسلام، وضمان بقاء خطوط المقاومة في حالة
استنفار معنوي يوماً بعد يوم، حتى ظهور القائم بالأمر الإمام
المنتظر(عج).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق