عبد الأمير العرب… في ذاكرة الوطن السليب
9 سبتمبر 2007
بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):
* كلمة ألقيت بمناسبة تأبين المرحوم عبد الأمير العرب - بمأتم القصاب، 9-9-2007م.
في لحظة من لحظات القدر الإلهي اختطف الموت المجاهد عبد الأمير محمد حكيم العرب إلى جوار رحمة البارئ، ولسان حالنا يدعو له بالرحمة عند ملك الملوك الذي صيرنا له عباداً منقادين بالطاعة والاختيار واللطف الإلهي.وقد امتاز المرحوم بشخصية فريدة فهو ذو أخلاق رفيعة وانضباط عملي، يستشعر القريب منه الهدوء والسكينة والطمأنينة. ودائماً ما أرى ابتسامته تسبق تحياته وسلامه، يبادلك الشعور بالمحبة فتخال نفسك قريب كأخ لك لم تلده أمك. كان متواضعاً بدرجة كبيرة فتحسبه غنيٌ من التعفف، تراه فتحسب أنك تعرفه من الزمن السابق، فلا تملك ألا أن تحبه في الله سبحانه وتعالى.
ولمن لا يعرف المرحوم فهو أحد المجاهدين الأوائل الذين قاسوا معاناة السجون الرهيبة في عهد آل خليفة، ومن الذين قضوا جزء من حياتهم في الغربة وهاجروا الوطن الصغير بحثاً عن الحرية ومناصرة قضايا حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المعتقلين السياسيين والمعذبين مع مطلع الثمانيات وحتى فترة الانفراج السياسي عام 2002م. وقد عانى المرحوم مثل غيره من المهجرين من الفقر وصعوبة العيش في المهجر، بالرغم من المسئولية الملقاة على عاتقه في متابعة قضايا الوطن ومصير المعتقلين والمعذبين دون النظر لتياراتهم السياسية أو طوائفهم الدينية.
وترجع بداية معرفتي بالمرحوم خلال إحدى الزيارات إلى مقام السيدة زينب (ع) بسوريا، التي استقبلت رموز المعارضة البحرينية والعربية، حيث تعرفت عن كثب على نشاط الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وأطلعت على أدبياتها الفكرية وحاورت بعض رموزها الأجلاء، واقتربت لأخوة ذو أخلاق رفيعة وهمة عالية في العمل الميداني.. فكانت الحسينية الزينبية ساحة مفتوحة لجميع التيارات الدينية والسياسية، وكانت معركة كربلاء الخالدة وذكرى مصاب الإمام الحسين (ع) عزاءهم الوحيد في الغربة القاسية، يتغنون بذكره فتهيج عواطفهم حباً تخاله شعراً وكلمات لا تكتب بالحبر.
وكان المرحوم كبقية المجاهدين الأوائل الذين فضلوا عدم الظهور الإعلامي أثناء مرحلة ما بعد الميثاق الوطني، واختاروا التمهل في خطواتهم المستقبلية والتركيز على وحدة الجماعة وبناء الصف الداخلي، والعمل على بناء كوادر واعية على المستوى الثقافي والسياسي، شعارها فهم وإدراك (الرسالة) وصولاً للهدف الأسمى.
ومع بداية الانفراج السياسي كان المرحوم حذراً جداً اتجاه تعجل المعارضة الداخلية بالموافقة على المشروع الإصلاحي لملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى، وكان له رأي مختلف عن الآخرين الذين رغبوا بشدة في المصالحة التاريخية مع السلطة الحاكمة ودون إعطاء المعارضة الفرصة الكافية لمراجعة قراراتها أو تقييم الموقف بعناية قبل الرضوخ لمنطق السلطة عبر خيارات صعبة لم تشفع لها خبرة السياسيين وفقاهة رجال الدين من الوقوع في الخطأ التاريخي.
وقد عانى المرحوم مثلما عانى أخوةٌ لنا في الداخل من ضعاف النفوس والمنشقين على تيار الجبهة الإسلامية الذين سقطوا أمام اغراءات السلطة الحاكمة، وكان أكثر ما يؤلمه هو الهجوم الغير مبرر من قبل تيارات دينية وفكرية مغايرة للخط الرسالي، الأمر الذي ساعد السلطة الحاكمة في إحكام الخناق على أتباع الجبهة الإسلامية ومطاردة المنتمين لمرجعية السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) أو المؤيدين للسيد هادي المدرسي لدرجة وصلت إلى قيام السلطة الحاكمة بتهجير أفراد ونفي عوائل بأجمعها للخارج، أو القيام بتعذيب الناشطين منهم نفسياً وبدنياً بصورة وحشية مختلفة عن الآخرين.
وقد ساهمت بعض الرموز الدينية والسياسية داخل التيار الشيعي عن عمد في حملة إقصاء تيار الجبهة الإسلامية عن الساحة الميدانية أو المشاركة في بعض الأنشطة الاجتماعية والوطنية، ولا يشفع لهؤلاء تغيير خطابهم بعد وفاة المرجع الديني السيد محمد الشيرازي.. لأن أفعالهم بقت رهينة تصورات حزبية مسبقة تدفعهم إلى إقصاء تيار الجبهة عن قيادة الساحة البحرانية وعدم الانفتاح على رموزه الدينية والاجتماعية، بينما نرى الخطاب الديني لكلاٌ من المرحوم الشيخ سليمان المدني والشيخ عبد الأمير الجمري كان أكثر انفتاحاً وقبولاً للتيار الشيرازي مهما اختلفنا على أطروحاته.
ولا يسع أيّ عاقل متابع لتطور المجتمع البحراني أن ينكر جهود تيار الجبهة الإسلامية وتضحيات أفرادها من أجل قضية البحرين، وفي ذلك سقط الكثير من الشهداء والمعذبين والمهجرين للمنفى ضحية للنظام الخليفي.. ولا تزال هناك حقبة تاريخية لم يسلط الضوء عليها بدقة وأمانة في تاريخ حركات المعارضة السياسية، والنضال التاريخي للحركة الإسلامية في البحرين.
المرحوم مثل أخوة آخرين فضلوا الغياب وعدم الظهور المباشر فوق الساحة البحرانية التي تموج بها الأهواء والفتن يميناً ويساراً، ويتحمل قادة العمل السياسي والديني المسئولية التاريخية في تضليل الشعب وضياع أولوياته الوطنية، نتيجة اختلاف المرجعيات الدينية والاجتهادات الحزبية المتضاربة داخل البيت الشيعي تحديداً.
رحل المرحوم إلى جوار ربه وهو يحمل ظلامة أمة ثائرة على الظلم والظالمين، رحل وهو يحمل قضية شعب عانق الحرية والعدالة والسلام… رحل وهو يحمل تاريخ البحرين الذي لم يكتب بعد، وبقى رهين السجون وفي قلوب الأحرار والمعذبين في الأرض.. رحل المرحوم بذاكرة أمة عظيمة ما زالت تجاهد عدوها وتعتز بهويتها الإسلامية.. وهي أمانة الجيل القادم الذي سيكتب تاريخ هذا الوطن السليب قبل فوات الآوان.. وقبل طلوع الشمس من مغربها.
لمزيد من المعلومات حول حياة المرحوم يرجى زيارة الموقع التالي:
http://www.amal-islami.net/ameer/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق