12 مارس 2009
كيف يتم
التلاعب بعقولنا وتخترق أمريكا المنظمات السرية
؟!
الخديعة الكبرى…
تفكيك الخطاب الرمزي وفضح لهوية تنظيم السفارة البحريني
بقلم- أحمد رضي (كاتب
بحريني):
في أحد الإصدارات الجديدة للمكتبة
العربية، قامت دار الإبداع بنشر الطبعة الأولى (2007) لكتاب (الخديعة الكبرى)
للكاتبة البحرينية نرجس طريف. الكتاب عبارة عن ملف توثيقي كبير (في 511 صفحة) يكشف
ما تسميه الكاتبة بمؤامرة خفيّة متصلة بتنظيم ديني (جماعة السفارة أو الأمر) تعمل
وفق عقيدتها السريّة على تمهيد أرض مملكة البحرين (فدك الصغرى) لتكون بمثابة قاعدة
مناصرة لدول الإمام المهدي (الإمام الغائب حسب عقيدة الشيعة الأثنا عشرية) على غرار
الجمهورية الإسلامية الإيرانية (فدك الكبرى). وقد عاشت الكاتبة بعض فصول تجربتها
عندما كانت عضو سابق في تنظيم ديني سريّ، اقترب من قيادة التنظيم وخرج بعد إكتشافه
لإنحراف القيادة الروحية دينياً وأخلاقياً وسياسياً.
الكتاب يعتبر جهد توثيقي كبير لصاحبة تجربة سابقة في
تنظيم دينيّ سريّ في البحرين، تصف فيه تعرضها للكثير من المعاناة والتشهير والقذف
(1) بعد خروجها وشهادتها على التنظيم في عام 1999. وقد سبق للكاتبة أن دخلت العديد
من الحوارات مع شخصيات بحرينية مثل (الناقد علي الديري، الشيخ الراحل سليمان
المدني، والكاتب أحمد الكاتب)، ولها العديد من الحوارات والمقالات المنشورة في
المنتديات، ولم يعرف عنها أي اهتمام سياسي أو ديني. وقد سبق لزوج المؤلفة أيضاً
(فرقان الوائلي-باحث عراقي وعضو الرابطة القصدية بدولة العراق) أن أصدر كتاب بعنوان
(انتحالات الأدعياء ‘جمعية التجديد الثقافية أنموذجاً’) استعرض فيه نماذج التحريف
للمفاهيم القرآنية التي تتبناها جماعة السفارة، وسرقتها لمناهج فكرية وتحريفها بما
يخدم أغراضها المشبوهة (2).
ويحوي الكتاب (الخديعة الكبرى) تفاصيل تجربة عاشتها
المؤلفة داخل تنظيم السفارة قبل سنوات مضت، وما زالت فصولها متتابعة. وهي تعكس
بتفاصيلها طبيعة التنظيم الديني السريّ المغلق من الداخل بهويته الغير معلنة وخطابه
المضمر بالإشارات والرموز. ومن خلاله يستقرأ القارئ ذلك التاريخ المشبوه لزعيم
التنظيم (عبدالوهاب البصري) الذي يسمى بباب المولى وسفير الإمام الغائب، الذي أحكم
سيطرته على أتباعه عبر نصوص مدسوسة تتلاعب بعواطف المنتسبين لهذا الحزب وتضمن
الإحكام التام على أعضاءه وتسليمهم "للأمر" من الأعلى مهما كان غريباً أو غير شرعي
كما تكشفه سطور الكتاب.
والكتاب يحوي ثلاثة فصول، يتناول الفصل الأول تجربة
الكاتبة داخل التنظيم الديني السريّ عبر حوار منشور مع الناقد البحريني "علي
الديري" بعنوان "سيرة الذات والجماعة.. تعاقبات العمى والبصيرة"، وقد نشر الحوار
عبر شبكة الإنترنت عام 1999م.
ويتطرق الفصل الثاني إلى إكتمال خيوط الخديعة عبر
استعراض وتحليل لأهم التقارير التي تتناول الأوضاع السياسية والأمنية لمملكة
البحرين مثل تقرير البندر وتقرير مركز أوال، وتعرضت المؤلفة في هذا الفصل إلى نتائج
الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية 2006 على ضوء تقرير البندر (صلاح البندر-
مستشار حكومي سابق)، وسيناريو (مركز أوال) المكمل للتقرير
الأول.
وفي الفصل الثالث وهو الوثيقة الأهم في مشروع الكتاب
التوثيقي، تكشف الكاتبة تفاصيل ما تسميه بـ "الخديعة الكبرى" والمتصلة بالمؤامرة
الأمريكية الهادفة إلى خلق نظام سياسي جديد في البحرين يتفق مع خططها المعلنة عن
"الشرق الأوسط الجديد" الذي يتحقق عبر افتعال "الفوضى الخلاقة" التي تمتد من
البحرين إلى الدول المجاورة وتتخذ إشعال الفتن المذهبية وإشغال الساحة البحرينية
بالملفات الساخنة الممهدة لبروز وظهور أفراد ومؤسسات غير
متوقعة!!
وينطلق الكتاب في تحليله لأبعاد اللعبة السياسية
القائمة على نظرية (الفوضى الخلاقة) الممهدة لظهور كانتونات شيعية في البحرين
والمنطقة الشرقية للجزيرة العربية تحظى بدعم ورعاية الأنظمة والمؤسسات الأمريكية
الصهيونية في الخفاء وينسب اختلاقه للهلال الشيعي في العلن لزيادة تأجيج الفتن في
كل المنطقة. وفيه تكشف الكاتبة بتحليل جدير بالتأمل كيف تقوم الولايات المتحدة
الأمريكية بخلق نبؤاتها "السياسية" عبر تزييف نبؤات الآخرين الدينية!! الكاتبة
تستبق الكشف التفصيلي بالتعبير بأنها لا تهدف من خلال كشف الخديعة مجرد التوثيق
والسرد التاريخي، بل ترجو الله أن يمنحها فرصة إستباق الزمن للتحذير من المخطط بكشف
خيوط الخديعة الأمريكية التي امتدت لجزيرة "أوال" كبداية لتنفيذ مشروع طويل الأجل
(مشروع الشرق الأوسط الجديد) لعل ذلك يصل لمن بإمكانه الوقوف بوجه المخطط لافساده
قبل أن يصل إلى أي من مراميه الشريرة على حد قولها.
كما تطرقت الكاتبة إلى التقارير السرية في صياغة اللعبة
السياسية عبر تحليل للحالة الدينية والسياسية، وهي تجارب وحقائق قابلة للنقاش
والتأمل في واقع التحولات السريعة التي شهدتها البحرين منذ بداية مرحلة الإصلاحات
السياسية عام 2002م. والتجربة تعكس أيضاً طبيعة المتناقضات والقضايا الساخنة التي
يختلط فيها البعد الديني/الإجتماعي والأمني/السياسي في بلد صغير مثل البحرين مليء
بالطوائف الدينية والمرجعيات السياسية، وتتناوشه قوى ذات مصالح مختلفة في طبيعة
علاقتها التوافقية مع السلطة السياسية.
وما لا ينبغي إغفاله أن الكاتبة (نرجس طريف) تتحدث من
منظور تجربة ذاتية منذ بداية إلتحاقها بالتنظيم الديني (السفارة) وهو تيار عقائدي
"مهدوي" سريّ للغاية، ويحظى بدعم الجهات الرسمية في البحرين، وله إمتدادات خارجية
ذات صلة بالمخابرات الأمريكية كما تدعيّ الكاتبة، وهو في ظاهره لا يختلف عن
المدعيّات البابية والبهائية التي تحظى برعاية المنظمات السرية التي تشرف عليها
أجهزة المخابرات أو وزارة الخارجية الأمريكية (3). ولذلك ليس من المستغرب أو قبيل
الصدفة أن يربط البعض بين جماعة السفارة في البحرين وبين الجماعات المهدوية الناشئة
في العراق بعد احتلالها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. بل أن اتفاق الأهداف
والوسائل في بقية الجماعات الدينية السرية في باقي الدول الاسلامية وحتى غير
الاسلامية يوحي بأن ارتباط الشبكات أوسع بكثير مما هو معلن كما توحي بذلك إشارات
الكاتبة وتدلل عليها بالوقائع والأحداث المتصلة بتجربتها الممتدة لأكثر من عشر
سنوات متصلة.
فالكتاب بالنسبة للمهتمين برصد تاريخ الحركات الإسلامية
وكيفية بروز التنظيمات السرية في المجتمع العربي والإسلامي، يعتبر خطوة جريئة
وشجاعة لكاتبة بحرينية رصدت وعاشت محنة طويلة مكنتها من كشف زيف التنظيم السريّ
وانحرافه العقائدي والأخلاقي وخطورته على الفكر والعقيدة وهوية المجتمع الإسلامية
(4) وخاصة عند تسخيره للمخططات السياسية لأكبر قوى الاستكبار التي عرفها
التاريخ.
وسوف يدرك القارئ للكتاب إيمان الكاتبة بأهمية المعرفة
الحقيقية لدور القيادة والإمامة كحل لإشكالية تاريخية وسياسية في المذهب الشيعي
الجعفري ظهرت بعد غياب الإمام الثاني عشر من أئمة الشيعة الأثنا عشرية، وتحليلها
للعوامل التي تخص الطائفة الشيعية والمرجعية الدينية المستقلة عن الأنظمة السياسية
طوال مراحل التاريخ الطويل من الصراع على المجتمع والسلطة وأثرها على مجمل اللعبة
الأمريكية الصهيونية. كما سيدرك بوضوح عمق الأزمة والخلاف التاريخي داخل الطائفة
الشيعية، وعلاقتها بصراع الأحزاب الدينية والسياسية وعدم توافقها مع السلطة
السياسية في مملكة البحرين وهي حالة تتطلب الدراسة والتحليل وفق آليات النقد
والتحليل المعاصر (5).
ومن الملاحظ بأن مسمى الكتاب (الخديعة الكبرى) هو اسم
مرادف لعدة كتب تحمل ذات العنوان أولها لكاتب شهير هو (تيري ميسان- صحفي فرنسي)
الذي شكك في التصريحات الرسمية الأمريكية لأحداث 11 سبتمبر، حيث أعتبر أن كل ما حدث
ما هو ألا مسرحية كوميدية وتراجيدية في نفس الوقت من إخراج أمريكا. والكتاب الثاني
لصاحبه (روبرت كيل تسلر- محام وباحث في الدين والأخلاق) الذي يتحدث عن التناقضات في
الدين المسيحي، وأن معظم التعاليم الموجودة في الدين المسيحي هي تعاليم بولس وليست
تعالم سيدنا عيسى عليه السلام. والكتاب الثالث لمؤلف عربي هو (محمد جمال الطحان)
الذي يفند إدعاءات الصهاينة التاريخية والسياسية، وخطر تغلل اليهود في مؤسسات
الدولة وأساليبهم القذرة لتنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم.
الرسالة الأهم التي يروجها الكتاب "بعيداً عن الاستغراق
في الشخصيات وتفاصيل الحوادث" مفادها أن نتعلم كيف يتم التلاعب بعقولنا ونحن
مستسلمين بدعوى العقيدة والإيمان والتقديس الأعمى للفكر أو الإنسان الغير معصوم،
بالإضافة إلى إيمان المؤلفة بنظرية المؤامرة والإختراق الأمريكي للخطاب والفكر
الديني عوضا عن التنظيمات والمجتمعات والحكومات… لنكتشف بعد حين بأننا كنّا –
أفرادا وجماعات ومجتمعات وأنظمة حكم - مجرد أدوات يحركها القادة والزعماء، وأن
حركاتنا السياسية وتنظيماتنا الدينية هي "صناعة أمريكية" من حيث لا نحتسب!!
· الهوامش:
(1)حكمت المحكمة البحرينية لصالح نرجس طريف عبر إلزام
جمعية التجديد «جماعة السفارة» بدفع تعويض مالي بسبب القذف والتشهير، راجع صحيفة
الوقت- العدد 772 الاربعاء 25 ربيع الأول 1429 هـ - 2 أبريل 2008م). رابط
الخبر : http://www.alwaqt.com/art.php?aid=106630
(2) راجع كتاب (انتحالات الأدعياء ‘جمعية التجديد
الثقافية أنموذجاً’) لمؤلفه فرقان الوائلي، إصدار: دار المحجة البيضاء للطباعة
والنشروالتوزيع، 2007م. والكتاب يكشف السرقات الأدبية
والفكرية التي قامت بها جمعية التجديد الثقافية في مملكة البحرين، وذلك عبر انتحال
وسرقة الأسس الفكرية للمرحوم عالم سبيط النيلي وتحريفها بصورة مشوهة لخدمة أغراض
خفيّة. ولمزيد من المعلومات حول الكتاب راجع…
موقع عابرون :
وموقع ملتقى البحرين:
http://208.100.39.36/showthread.php?t=185067
وموقع مكتبة النيل والفرات:
http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb158443-120221&search=books
(3)راجع تقرير نشرته صحيفة الوطن البحرينية للصحفي
(محمد الغسرة)، العدد (00192) الثلاثاء, 20 يونيو 2006 - العدد (00192)، حيث كشف عن
تلقي جمعية البحرين النسائية (إحدى الجمعيات التابعة لتنظيم السفارة) لأموال من قبل
المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية. وأشار التقرير إلى أن "مؤسسة الوقف
الوطني الأمريكي لدعم الديمقراطية (إن إي دي) تقاريرها المالية أنها قدمت مساعدات
ومنحاً مالية لمؤسسات المجتمع المدني البحريني بلغت ما يقارب الـ 210 آلاف دولار.
وأشارت إلى أنها منحت جمعية البحرين النسائية نحو 30 ألف دولار العام الماضي من أجل
دعم برامج المرأة السياسية ونيل حقوقها ووجودها لمكافحة التمييز وخلق عناصر فاعلة
من القيادات النسائية. كما ساعدت المؤسسة الأمريكية المذكورة جمعية البحرين
النسائية بمبلغ 28 ألف دولار لتطوير البرامج المتعلقة بتطوير البيئة القانونية
وتعريف النساء في البحرين والخليج بحقوقهن السياسية، إذ نظمت 12 ورشة عمل حضرتها
120 امرأة من البحرين ودول مجلس التعاون للخليج".
وحسب تعريف موسوعة ويكيبيديا، "إنّ المعهدَ الديمقراطيَ
الوطنيَ للشؤون الدولية منظمة غير حكومية أنشأتها الحكومة الأمريكية عن طريق الهبةِ
الوطنيةِ للديمقراطيةِ (نيد) لتَحويل المنحِ لتَعجيل الديمقراطيةِ في الدول
الناميةِ. تمول عن طريق دافعِ الضرائب في الحكومة الإتّحاديةِ وبَعْض الأموالِ خلال
التبرّعاتِ الطوعيةِ مِنْ وكالاتِ تنمية البلدانِ الدوليةِ المتنوّعةِ والمؤسساتِ
الخاصّةِ".
(4)تعامل التيار الديني السائد في مملكة البحرين مع
جماعة السفارة بحزم وشدة عبر إستخدام سلاح الفتاوى، ولم تتدخل السلطة السياسية منذ
بداية نشؤء التنظيم داخل السجن السياسي بصورة تبعث على الشك والريبة. وقد دعا نائب
رئيس المجلس العلمائي السابق السيد عبد الله الغريفي إلى التصدي لجمعية التجديد،
وجاء في إحدى خطبه على أن "جمعية التجديد وأعضاءها تقع ضمن فئة مفترية وكاذبة
وملعونة"، مذكّراً بأنّ "علماء البلد قاموا بالتصدّي لأعضاء الجمعية، وأنّ الفقهاء
قبل عقديْن أصدروا فتاوى التكفير والتفسيق ضد أعضائها". وأضاف أن "الحجّتية الذين
حاربهم الإمام الخميني.. وانكشفت أضاليلُهم وأكاذيبُهم، واندحروا وتمّ محاصرتهم
وإنهاؤهم.. إلى "جند السماء" بالعراق، ومخطّطاتهم الرهيبة بتصفية مرجعيّة النجف
واغتيال الفقهاء، فافتضحوا وتمّ تصفيتهم وإفشال مخطّطهم المدمّر، إلى دعوى
"السفارة" بالبحرين، تصدّى لها علماء البلد".
وتابع "صدرت فتاوى الفقهاء ضدّهم، وتمّت محاصرتهم
بأوساط المؤمنين، وبعد اختفاء طويل برزوا مجدّداً تحت عناوين جديدة، فأتاحت لهم
الأوضاع المتغيّرة أن ينشطوا بدعاوى جديدة تحمل عنوان "التجديد"، وروحُ التجديد
عندهم طرحُ الدين بطريقة تخالف فقهاء الأمة الصالحين.. وبقراءة تاريخية للحركات
التي ادّعت زوراً وكذباً السفارة فقد انتهت إلى حركات متحرّرة تماماً من الدين
وقيَمه، وإلى حركات إلحادية وإباحية".
(5)أدرك العقلاء في البحرين خطورة إدعاء النيابة عن
الإمام الغائب والاتصال به، وفضلوا مناقشة القضايا الدينية الخلافية عبر الحوزات
وجلسات الحوار بين رجال الدين والمثقفين بعيداً عن أسلوب التكفير والإقصاء، ومناصحة
المعارضة بعدم الخوض في مثل هذه الصراعات الإعلامية التي يستغلها النظام الحاكم
إعلامياً، وإعطاء الجميع مساحة من الاختلاف لبيان الصح والخطأ بحرية ودون إجبار أو
إكراه.
صحيفة الوقت البحرينية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق