26 مارس 2009
بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي- البحرين):
* جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3259 - التاريخ
4/4/2009
بعد أن طرح ملك البحرين الشيخ حمد بن
عيسى آل خليفة مسودة الدستور المعدل بتاريخ 14 فبراير (بعد عام من التصويت على
الميثاق الوطني)، تكون البحرين قد دخلت مرحلة جديدة من العمل السياسي. ومن خلال
تلمسنا لمختلف ردود الفعل الشعبية حول مسألة التعديلات الدستورية في البحرين،
نستطيع القول بثقة بأن هناك معارضة جديدة ولدت يوم 14 فبراير 2002م، وهي معارضة
سياسية ديمقراطية لها رموزها الوطنية والإسلامية المعروفة. وحتى هذه اللحظة لا يزال
التيار الإسلامي يلاقي حملات من الهجوم الإعلامي والسياسي من قبل تيارات متباينة في
فهم طبيعة المتغيرات السياسية، ومتناقضة في إدراك مصالحها الاجتماعية وأولويات
خطابها الوطني.
وبالتالي تعتبر خطوة الحكومة البحرينية بإلغاء دستور 1973م انتهاكاً خطيراً لموازين القوى، لأنه خلق تداعيات
اجتماعية وسياسية خطيرة، وبداية لجدل طويل حول مساحة الحقوق والحريات الأساسية
الممنوحة للشعب. كما أنها تثير إشكاليات دينية وسياسية عديدة حول حاكمية الملك على
القانون ومدى الصلاحيات الممنوحة له ولبعض المسؤولين بموجب العقد
القانوني، ويبرز لدينا السؤال الأهم: حول مصير المعارضة السياسية، وما هو مستقبل البلاد في ظل هذه
التطورات الهامة ؟!
فجميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية يتساءلون عن مغزى
ما حدث، وما أسباب انقلاب الحاكم على دستور عام 1973م في مبادرة صادرت حق الشعب في
تقرير مصيره وفق المادة (104) من دستور البلاد. وهو أمر أحرج بلا شك جميع الشخصيات
الدينية والسياسية التي دفعت شعبها للتصويت لصالح مشروع الميثاق الوطني.
ونحن بدورنا كمواطنين نتساءل.. حول
مغزى ما
حدث وما سيحدث مستقبلاً من
نتائج.. من يتحمل مسئوليته
الشرعية والوطنية،
الحكومة أم المعارضة أم الشعب
بكل طوائفه وأحزابه؟؟
للوهلة الأولى يلاحظ المواطن البحريني أن مسلسل التغيرات السياسية
المتلاحقة بدأ سريعاً جداً، بدرجة يُخفى حوله بعض الحقائق التي تتطلب الكشف
والمصارحة، من أجل إعطاء المواطن حرية التفكير واتخاذ القرار المناسب. وبلا شك أن
التجارب التي مر بها الشعب البحراني عبر تاريخه الطويل، خلقت لديه معارضة متميزة
ذات تاريخ عريق، تنطلق من إثبات الوجه الحضاري للوطن بالرغم من الإخفاقات
التاريخية، ألا أنه لا بد من فتح ملف المعارضة مجدداً، وإعادة رسم استراتيجية جديدة
لكافة قوى المعارضة البحرانية، وإعادة النظر في مجمل الممارسات الميدانية والخطاب
العام للمعارضة، وصولاً إلى مرحلة تستطيع المعارضة من خلالها بناء قاعدة إسلامية/
وطنية لتكون ممثل حقيقي لكل فئات الشعب البحراني. ولعل قوى المعارضة الحالية قد
تكشف عن بعض أوراقها خلال المرحلة القادمة، وتحاول طرح كافة الخيارات الممكنة
للتعامل مع الواقع السياسي الجديد بآلية عمل جديدة.
وجراء الوعي المتزايد عالميا والإنفتاح الرهيب إعلاميا والحراك الدولي
الممانع كل ذلك يضغط على
البلدان العربية لعمل إنفتاح نسبي في مجال حقوق الإنسان
وإشاعة الحريات الأساسية للمواطن، وفي إطار هذا السياق حافظت بعض القوى السياسية
والدينية في البحرين على وجودها الميداني كقوة شعبية معارضة أو كيان تنظيمي (سريّ)
يبرز من حين لآخر. وبما أن مختلف قوى المعارضة البحرانية قد دخلت مرحلة مختلفة في
منظور علم السياسة والاجتماع، وهو ما دفع حتماً قوى المعارضة إلى تبديل خطابها
وأساليب تعاطيها مع الواقع الاجتماعي والسياسي الجديد. وكان الحوار الغير معلن هو
بخصوص طرح رؤية جديدة تمهد لخلق جبهة معارضة وطنية جماهيرية لضمان استمرار العمل
السياسي، من أجل الحفاظ على مكتسبات الشعب وتضحيات الشهداء وأبناء الوطن المخلصين.
وإزاء هذا
الوضع لا يمكن ألا أن أقول بأن المصير المشترك لهذا الوطن السليب لن يكون ألا عبر
قناعة صادقة بضرورة تخطي الأزمة الداخلية للمعارضة البحرانية، مع حفاظ كل تيار
برؤيته لمسار اللعبة السياسية، وأن تحقيق مصلحة المواطنين دون النظر لأحزابهم
السياسية أو مرجعياتهم الدينية هو السبيل لبناء قاعدة اجتماعية تكون أساس للمعارضة
المدنية الناهضة. فالمعارضة وهي في طور صياغة أهدافها وجدول عملها العام مع محاولة
ادراك الاختلاف في الأهداف والأساليب المتبعة مع النظام الحاكم، لديها آليات
ميدانية ممكنة للدفع بكافة القوى السياسية والدينية (الأحزاب والجمعيات والمعارضة
الخارجية) تحت قبة واحدة لمناقشة إمكانية تشكيل جبهة معارضة داخلية وخارجية لحماية
مكتسبات الشعب التاريخية، وصيانة الحقوق والحريات العامة عبر مراجعة لكافة القوانين
والدساتير السابقة وتخطي دستور 1973م، والعمل السلمي على إزاحة رموز الفساد
والتعذيب، والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للشعب البحراني. ولتكون انطلاقة
نحو بداية لخلق جبهة معارضة سياسية شعبية، تعتمد على آلية الحوار الوطني الجاد
وتبادل الآراء والأفكار البناءة التي تمثل كافة شرائح المجتمع البحراني، وتمهد
لمعارضة مدنية تحقق أهدافها برؤية استراتيجية واضحة.
وقد
تسعفنا الذاكرة عبر استحضار تجربة (الهيئة الوطنية العليا) وتجربة (أصحاب المبادرة)
كنماذج واقعية تستحق التأمل والدراسة لضمان عدم تكرار الأخطاء التاريخية الفادحة،
خصوصاً ونحن نواجه مرحلة سياسية صعبة. لذلك نحن بحاجة لصياغة خطاب جديد للمعارضة
السياسية (داخل وخارج البحرين)، وإمكانية رسم خطة عمل جديدة للمعارضة وفق خطاب وطني
موحدّ. مما يعني خلق فرصة حقيقية للمعارضة السياسية لطرح برامجها علناً، وتمثيل
مختلف شرائح المجتمع، وبالتالي ضمان بقاء خطوط المعارضة السياسية على الساحة
الاجتماعية، وضمان تواصلها مع الخطوط الشعبية (الجمهور).
ما نشهده مؤخرا من صيرورة جديدة في جسم المعارضة، تبرز لنا تغيرا في
بنية الحراك المعارض، والذي يبدو أنه متجه نحو تغيير استراتيجية الإعتماد على الشخص
القائد كفرد له صلاحيات ونفوذ كبيرين، وتعتمد الصيرورة الجديدة كما
يبدو على فهم متطلبات الشارع وإعمال آلية الحوار المتبادل بين جميع الأطراف، من أجل
بناء معارضة ذات هوية إسلامية وطنية، ولا بد أن تمر بعملية تقييم ومحاسبة ونقد ذاتي
لأخطاء قادتها ومسيرتها السياسية السابقة.. والأيام القادمة حبلى بمشهدية جدية كما
يذهب بعض المراقبين في تكون المعارضة سواء في تكتيكها وفي حراك عملها.
وختاماً.. لا ننكر بأن ما حققته قوى المعارضة البحرانية بمختلف تياراتها
الفكرية وأحزابها الدينية والسياسية، هو تطورٌ كبير من أجل سيادة الشرعية الدستورية
وتحقيق مطالب الشعب العادلة. فهذا الشعب ضحى بدمه وماله وأبناءه من أجل نيل حريته
واستقلاله، وكل هذا جاء نتيجة التضحيات الكبيرة التي قدمها الشهداء وأبناء الوطن
المخلصين، وسطروا بأقلامهم الحرة فصول من النضال الوطني، وحفروا بدماءهم الطاهرة
تاريخ البحرين السياسي. لذلك فإن كل الشخصيات الدينية والسياسية المخلصة مسؤولة
أمام الله وأمام الناس.. بمراعاة آلام ومعاناة هذا الشعب، والعمل على الخروج من
الأزمة قبل فوات الآوان.