15‏/10‏/2007

الاعتراف بالخطأ… بداية لتصحيح المعارضة البحرانية

15 أكتوبر 2007

بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):
15/10/2007م.
 
يستحضرني سؤال هام على ضوء الأحداث الساخنة التي تعيشها الساحة البحرانية كل يوم وهو: ما مدى قدرة المعارضة السياسية على البقاء في ساحة الصراع ومواجهة سلطة أمنية لها أدواتها النافذة بقوة المال والإعلام والسلاح ؟ وما هو مستقبل المعارضة في ضوء المتغيرات الإقليمية والتحولات العالمية ؟ وما هو دور الحركة الإسلامية تحديداً في هذه المعارضة ؟
• الأولويات المفقودة للمعارضة :
كانت أولويات الحركة الإسلامية والوطنية مع بداية الانتفاضة الشعبية 1994م تتركز حول الملف السياسي كبداية لتأسيس القواعد الصحيحة للمجتمع المدني القائم على معرفة حقوقه وحرياته الأساسية. ولكننا الآن -للآسف- نشهد تفتيت وتجزئة متعمدة للقضايا الكبرى التي كانت محل إجماع شعبي سابقاً، حيث كان الملف السياسي يسير في موازة الملف الحقوقي والإجتماعي والاقتصادي، وبشكل غير مسبق حيث أجمعت عليه سابقاً جميع طوائف الشيعة والسنة.
فكانت أولويات المعارضة السياسية قبل رحيل الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله) واضحة حينذاك، وكانت محل إجماع وطني تقريباً. ولكننا الآن بعد ذهاب سكرة المشروع الإصلاحي ولعبة الميثاق الوطني، لم تشفع حينذاك لرجال الدين وقادة المعارضة خبرتهم السياسية ونضالهم التاريخي الطويل للوصول إلى لحظة تفكير وتمحيص قبل إقرار أكبر خطأ تاريخي رسم الخارطة السياسية الحالية بالصورة التي جعلت السلطة النافذة تنشب أضافرها بقوة غير شرعية في قلب الشعب الأعزل.. وتلك جريمة أخرى لن يغفرها الجيل القادم لآبائنا وأخوتنا وعلمائنا الذين قادوا الوطن إلى الطريق المجهول !!
• تفكك المجتمع البحراني :
المجتمع البحراني ما زال يعاني من تبعات أكثر من 25 سنة من قانون أمن الدولة، والملفات الساخنة لم تغلق بعد لأنها أصبحت محل جدل طويل بين التيارات الإسلامية والوطنية بعد ضياع بوصلة الطريق… ويتحمل السبب بالدرجة الأولى القوى السياسية والدينية التي لم تقدم اعتذارها للشعب أو تعترف بتواضع -على الأقل- بخطأ القرار وتبعاته في النهاية (قبول المشروع الإصلاحي دون ضمانات كافية)، وبالتالي قضت على مسيرة طويلة للمعارضة البحرانية.
 
وعند مراجعتنا للوسط الاجتماعي خلال فترة ما قبل الميثاق الوطني.. نلاحظ بأنه أصبح مفكك تنظيمياً بفعل الضربات الأمنية المتلاحقة وعمليات الاختراق المعلوماتي وتوظيف العملاء والمرتزقة لمحاربة الشعب، وفقدان حلقة الوصل بين المعارضة الداخلية والخارجية حينذاك، بالإضافة إلى تخاذل قادة المعارضة في الوفاء بوعودهم للشعب، وانضمام بعضهم لصفوف البلاط الحاكم. ولا يمنعنا ذلك من القول بأن الوسط الاجتماعي (الشيعي تحديداً) يملك خلفية دينية وفكرية ناهضة، ولكنها تنظيمياً -للآسف- هشة جداً ولا تصمد أمام الأزمات الصعبة، بسبب افتقادها لعناصر الترابط والوحدة الداخلية، واختلاف رموزها الدينية والاجتهادات السياسية المتضاربة في العديد من القضايا الرئيسية.. الأمر الذي سهل للنظام الحاكم صياغة مشروع الميثاق الوطني (وبالتعاون الخفيّ مع بعض الشخصيات المعارضة) كأمر واقع لا خيار آخر أمام المعارضة السياسية من قبوله.
- قضايا وطنية مهملة.. وشعارات إعلامية !!
وفي قضية وطنية مثل ملف صلاح البندر الذي كشف بالأدلة المادية وثائق ومستندات تثبت فساد بعض الشخصيات ومخططها الطائفي بالأدلة والأرقام، وقام بعض العلماء الكرام بزيارة سابقة للملك حمد بن عيسى آل خليفة، ولكنهم للآسف لم يكشفوا نتائج هذه الزيارة للرأي العام التي يبدو بأن نتائجها كانت سلبية. من جانب آخر لعلنا نتذكر السيد عبدالله الغريفي مثلاً.. عندما قام الملك حمد بتوقيع العهد أمامه من أجل تحقيق مطالب محددة ولكن الملك لم يوفي بعهده، وعجز الغريفي حتى الآن من أن يقول بأن الملك قد أخطئ ولابد من تصحيح الخطأ بدلاً من غض النظر والتهاون مع جرائم أمنية ودستورية وديموغرافية ارتكبها النظام الحاكم بحق الشعب الأعزل.
وكذلك سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم عندما ينادي مثلاً بتشكيل جمعية وحدوية بين الشيعة والسنة، ولكن الواقع يشهد بأن العلماء على مستوى الطائفة الشيعية قد فشلوا في إنجاح تجربة المجلس العلمائي أو تكوين جبهة علمائية موحدة لكل الاجتهادات والخلافات التي فرقت مجتمعنا الصغير يميناً ويساراً، وظل شعار الوحدة حلم يداعب مخيلة الشباب والمعذبين والمحترقين بنار سعرها النظام الحاكم لتفتيتنا قطعة قطعة !!.
ولذلك لا نستطيع كمواطنين نعتز بهويتنا الإسلامية أن نغمض عيوننا وننسى مشاكلنا الحقيقية، لتكون الدعوة أولاً لتوحيد كلمة العلماء في جبهة واحدة، حتى يتوحد مسار الأمة في نفس الطريق، لأن ضريبة هذا الضياع والتشتت السياسي ستكون كبيرة جداً بالنظر لمستقبل الجيل الحالي، لأن مثل هذه الحزبيات والخلافات داخل البيت الشيعي تجعل الشعب من الصعب أن يثق مرة أخرى في شخصيات الحركة الإسلامية الذين وقعوا في حرب كلامية غير خفيّة مع بعضهم البعض، وأخفقوا أكثر من مرة تنظيمياً وميدانياً في توحيد صفوف الشعب لتحقيق مطالبه العادلة خلال السنوات السابقة.. وليعلم الجميع بأن إغفال معالجة هذه العصبيات الحزبية السياسية تهدد أي مشروع وطني لإعادة شمل المعارضة الضائعة عن معرفة أهدافها الاستراتيجية.
- معارك وهمية.. ونسيان العدو الأول!!
والطامة الكبرى هو فتح معركة جانبية مع التيار العلماني وكأن ديننا الإسلامي في خطر، وننسى الجرح النازف للوطن الذي تسببت به العائلة الحاكمة. نقول ذلك على مضض لأعز أحبتنا وعلمائنا لأن انتقادنا لهم هو رسالة محبة لهم، ولأنهم بشهادة العقلاء.. قد أخطأوا الطريق أكثر من مرة، وقادوا أفراد وجماعات لمستقبل غامض ومصير مجهول، لا يعلم ألا الله تعالى عواقبه. فمن الخطأ (بالمعنى السياسي) أن نقوم بفتح معارك جانبية ضد أخوة ناضلوا معنا بأرواحهم وأقلامهم طوال مسيرة النضال الوطني، ومن الخطأ فتح معركة جانبية مع التيار الوطني أو العلماني، وننسى كل الملفات الساخنة كالفساد والتمييز الطائفي والتجنيس السياسي والبطالة والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان وسرقة الأراضي وضياع حقوق الشعب التي قامت بها القلة الفاسدة التي تحكم هذا الوطن الصغير.
والسؤال هل تخفي هذه المعارك الوهمية ورائها أجندة حزبية بائدة أم هي صراعات نفسية قديمة يعيشها الكبار وتدفع الصغار لمصارعة الهواء ؟! أم هي حملة للتغطية على عيوبنا الاجتماعية تشغلنا عن ملاحقة القضايا الوطنية التي تهدد ديننا وتحرق وطننا الصغير ؟!
- الاعتراف بالخطأ فضيلة.. قبل فوات الآوان:
وهذا ما يؤكد بأن البداية كانت خاطئة، وما بنيّ على باطل فهو باطل. وجميع علمائنا المخلصين وقوى المعارضة السياسية مطالبة أمام الأمة بكشف الحقائق والاعتراف الصريح بالأخطاء السياسية وتحمل المسئولية الكاملة، بدءاً من لحظة رفع العريضة الشعبية، واللقاء مع المعارضة الخارجية، ووصولاً لتشكيل ما يسمى بأصحاب المبادرة وتفككها، وحتى لحظة الانفراج السياسي والاتفاقيات المجهولة بين السلطة والمعارضة الداخلية حينذاك، وإقصاء حركات إسلامية معارضة كالجبهة الإسلامية لتحرير البحرين مثلاً، والسكوت السلبي (الغير مبرر شرعاً) لعلماء المهجر، وتواطؤ من بالداخل مع السلطة الحاكمة، وسفر بعض قادة المعارضة بأنفسهم للخارج من أجل لقاءات غير معلنة في العاصمة اللندنية، تمهيداً لطرح مشروع الميثاق الوطني، ومن ثم انقلاب السلطة على مشروع الميثاق الوطني وطرح دستور جديد.. وصولاً لمرحلة تشكيل الجمعيات السياسية وفوز أكبر جميعة سياسية بمقاعد البرلمان الحالي.. وانفراط ميثاق الشرف مع الجمعيات السياسية الوطنية. وما زال السؤال يلح بقوة: إلى أيّ طريق تقودون الشعب... يا عقلاء البلد ؟!
وأمام هذا الواقع السلبي.. اذا كنّا نطمح لحدوث تغيير سياسي كبير، فلا ننسى أولاً أننا بحاجة لحدوث تغيير اجتماعي في طريقة تفكيرنا وآلية العمل السياسي، وفي أسلوب الحوار والتعاطي مع الأحداث الصعبة. نحتاج أن نوسع صدورنا لكل من يخالفنا في الرأي، ودون تجاوز للخطوط العقيدية أو الأخلاقية لهذا الشعب المسلم. لذلك نحن بحاجة لرسم طريقنا على مبدأ الأولويات التي تؤسس لقاعدة الحقوق والواجبات المتبادلة بين الشعب بجميع طوائفه وبين الحكومة كجهة تنفيذية، ودون أن يعني ذلك اعترافاً بمبدأ شرعيتها لأنها سلطة قائمة على القوة والقهر لا الحق والعدل.
http://www.annabaa.org/nbanews/67/014.htm

09‏/09‏/2007

عبد الأمير العرب… في ذاكرة الوطن السليب

عبد الأمير العرب… في ذاكرة الوطن السليب 


 9 سبتمبر 2007

بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):
* كلمة ألقيت بمناسبة تأبين المرحوم عبد الأمير العرب - بمأتم القصاب، 9-9-2007م.


في لحظة من لحظات القدر الإلهي اختطف الموت المجاهد عبد الأمير محمد حكيم العرب إلى جوار رحمة البارئ، ولسان حالنا يدعو له بالرحمة عند ملك الملوك الذي صيرنا له عباداً منقادين بالطاعة والاختيار واللطف الإلهي.وقد امتاز المرحوم بشخصية فريدة فهو ذو أخلاق رفيعة وانضباط عملي، يستشعر القريب منه الهدوء والسكينة والطمأنينة. ودائماً ما أرى ابتسامته تسبق تحياته وسلامه، يبادلك الشعور بالمحبة فتخال نفسك قريب كأخ لك لم تلده أمك. كان متواضعاً بدرجة كبيرة فتحسبه غنيٌ من التعفف، تراه فتحسب أنك تعرفه من الزمن السابق، فلا تملك ألا أن تحبه في الله سبحانه وتعالى.

ولمن لا يعرف المرحوم فهو أحد المجاهدين الأوائل الذين قاسوا معاناة السجون الرهيبة في عهد آل خليفة، ومن الذين قضوا جزء من حياتهم في الغربة وهاجروا الوطن الصغير بحثاً عن الحرية ومناصرة قضايا حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المعتقلين السياسيين والمعذبين مع مطلع الثمانيات وحتى فترة الانفراج السياسي عام 2002م. وقد عانى المرحوم مثل غيره من المهجرين من الفقر وصعوبة العيش في المهجر، بالرغم من المسئولية الملقاة على عاتقه في متابعة قضايا الوطن ومصير المعتقلين والمعذبين دون النظر لتياراتهم السياسية أو طوائفهم الدينية.

وترجع بداية معرفتي بالمرحوم خلال إحدى الزيارات إلى مقام السيدة زينب (ع) بسوريا، التي استقبلت رموز المعارضة البحرينية والعربية، حيث تعرفت عن كثب على نشاط الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وأطلعت على أدبياتها الفكرية وحاورت بعض رموزها الأجلاء، واقتربت لأخوة ذو أخلاق رفيعة وهمة عالية في العمل الميداني.. فكانت الحسينية الزينبية ساحة مفتوحة لجميع التيارات الدينية والسياسية، وكانت معركة كربلاء الخالدة وذكرى مصاب الإمام الحسين (ع) عزاءهم الوحيد في الغربة القاسية، يتغنون بذكره فتهيج عواطفهم حباً تخاله شعراً وكلمات لا تكتب بالحبر.

وكان المرحوم كبقية المجاهدين الأوائل الذين فضلوا عدم الظهور الإعلامي أثناء مرحلة ما بعد الميثاق الوطني، واختاروا التمهل في خطواتهم المستقبلية والتركيز على وحدة الجماعة وبناء الصف الداخلي، والعمل على بناء كوادر واعية على المستوى الثقافي والسياسي، شعارها فهم وإدراك (الرسالة) وصولاً للهدف الأسمى.

ومع بداية الانفراج السياسي كان المرحوم حذراً جداً اتجاه تعجل المعارضة الداخلية بالموافقة على المشروع الإصلاحي لملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى، وكان له رأي مختلف عن الآخرين الذين رغبوا بشدة في المصالحة التاريخية مع السلطة الحاكمة ودون إعطاء المعارضة الفرصة الكافية لمراجعة قراراتها أو تقييم الموقف بعناية قبل الرضوخ لمنطق السلطة عبر خيارات صعبة لم تشفع لها خبرة السياسيين وفقاهة رجال الدين من الوقوع في الخطأ التاريخي.

وقد عانى المرحوم مثلما عانى أخوةٌ لنا في الداخل من ضعاف النفوس والمنشقين على تيار الجبهة الإسلامية الذين سقطوا أمام اغراءات السلطة الحاكمة، وكان أكثر ما يؤلمه هو الهجوم الغير مبرر من قبل تيارات دينية وفكرية مغايرة للخط الرسالي، الأمر الذي ساعد السلطة الحاكمة في إحكام الخناق على أتباع الجبهة الإسلامية ومطاردة المنتمين لمرجعية السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) أو المؤيدين للسيد هادي المدرسي لدرجة وصلت إلى قيام السلطة الحاكمة بتهجير أفراد ونفي عوائل بأجمعها للخارج، أو القيام بتعذيب الناشطين منهم نفسياً وبدنياً بصورة وحشية مختلفة عن الآخرين.

وقد ساهمت بعض الرموز الدينية والسياسية داخل التيار الشيعي عن عمد في حملة إقصاء تيار الجبهة الإسلامية عن الساحة الميدانية أو المشاركة في بعض الأنشطة الاجتماعية والوطنية، ولا يشفع لهؤلاء تغيير خطابهم بعد وفاة المرجع الديني السيد محمد الشيرازي.. لأن أفعالهم بقت رهينة تصورات حزبية مسبقة تدفعهم إلى إقصاء تيار الجبهة عن قيادة الساحة البحرانية وعدم الانفتاح على رموزه الدينية والاجتماعية، بينما نرى الخطاب الديني لكلاٌ من المرحوم الشيخ سليمان المدني والشيخ عبد الأمير الجمري كان أكثر انفتاحاً وقبولاً للتيار الشيرازي مهما اختلفنا على أطروحاته.

ولا يسع أيّ عاقل متابع لتطور المجتمع البحراني أن ينكر جهود تيار الجبهة الإسلامية وتضحيات أفرادها من أجل قضية البحرين، وفي ذلك سقط الكثير من الشهداء والمعذبين والمهجرين للمنفى ضحية للنظام الخليفي.. ولا تزال هناك حقبة تاريخية لم يسلط الضوء عليها بدقة وأمانة في تاريخ حركات المعارضة السياسية، والنضال التاريخي للحركة الإسلامية في البحرين.

المرحوم مثل أخوة آخرين فضلوا الغياب وعدم الظهور المباشر فوق الساحة البحرانية التي تموج بها الأهواء والفتن يميناً ويساراً، ويتحمل قادة العمل السياسي والديني المسئولية التاريخية في تضليل الشعب وضياع أولوياته الوطنية، نتيجة اختلاف المرجعيات الدينية والاجتهادات الحزبية المتضاربة داخل البيت الشيعي تحديداً.

رحل المرحوم إلى جوار ربه وهو يحمل ظلامة أمة ثائرة على الظلم والظالمين، رحل وهو يحمل قضية شعب عانق الحرية والعدالة والسلام… رحل وهو يحمل تاريخ البحرين الذي لم يكتب بعد، وبقى رهين السجون وفي قلوب الأحرار والمعذبين في الأرض.. رحل المرحوم بذاكرة أمة عظيمة ما زالت تجاهد عدوها وتعتز بهويتها الإسلامية.. وهي أمانة الجيل القادم الذي سيكتب تاريخ هذا الوطن السليب قبل فوات الآوان.. وقبل طلوع الشمس من مغربها.

لمزيد من المعلومات حول حياة المرحوم يرجى زيارة الموقع التالي:
http://www.amal-islami.net/ameer/

30‏/08‏/2007

علي شريعتي.. غريب في زمن الغربة

بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):

صحيفة الوقت البحرينية- العدد 556 - 30 أغسطس 2007م.
 
يقف المفكر المرحوم علي شريعتي (1933-1977) في طليعة المفكرين الإسلاميين البارزين بقوة داخل مجتمع الثورة الإسلامية في إيران، وقد امتد تأثيره الفكري والثقافي ليصل لمنطقة الخليج العربي وبالتحديد «البحرين» مع بداية الثورة الإسلامية في إيران.

موقف أشعل الضوء!
وفي موقف لا أنساه حتى هذه اللحظة حدث لي قبل سنوات أثناء احتفال تأبيني بذكرى رحيل الإمام روح الله الموسوي الخميني «قدس سره» بمأتم السنابس، وأثناء إلقاءي لكلمة تبين كيف لعب رجال الدين والمثقفين دوراً كبيراً في توعية الجماهير بالثورة الإسلامية في إيران.. كالأستاذ الشهيد مرتضى المطهري، الدكتور مفتح، الدكتور باهز، المهندس بازركان، بالإضافة إلى الدكتور علي شريعتي.. وكانت المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية محطاتهم الأساسية. وفجأة قاطعني أحد رجال الدين بحدة غير متوقعة للجميع، وقال: شريعتي ليس منهم، ليس من رجال الثورة الإسلامية!!
وبالطبع لم أرد عليه تأدباً فلم أرى أية حكمة في مناقشة رجل دين أثناء احتفال علني... وواصلت إلقاء كلمتي حتى النهاية، وحينها أدركت حجم التأثير الفكري الذي خلفه المرحوم علي شريعتي في قلوب وعقول الشباب الذي نهض بالثورة إلى جانب الإمام الخميني مع بقية العلماء والمفكرين الإسلاميين، وحساسية بعض رجال الدين وسوء فهمهم لنظريات المفكر الإسلامي علي شريعتي الذي اثرى المجتمع الإيراني بنظرياته حول علم الاجتماع والسياسة والدين.
 
وربما غاب عن رجل الدين البحراني القادم من قم الحديث الذي صرح به الإمام الخميني بحق شريعتي عندما قال: « لقد اثارت أفكار الدكتور شريعتي -الشهيد- الخلاف والجدل احيانا بين العلماء لكنه في نفس الوقت لعب دورا كبيرا في هداية الشباب والمتعلمين الى الاسلام». هذا إلى جانب إشادة السيد علي الخامنئي بشريعتي بقوله: «ان الاطار التأسيسي الذي يجعل الدكتور شريعتي في اطار الرواد الاوائل يتمثل في قدرته البيانية الفائقة في اعادة طرح الاسلام بلغة حديثة تتناسب مع ثقافة الجيل يومذاك. واذا كان الكثيرون ولجوا قبله هذا المجال، فان النجاح الذي حققه شريعتي لم يحققه سواه».
شريعتي.. في صفوف الانتفاضة البحرانية:
وكأيّ طالب سابق قضى سنين دراسته الدينية برعاية المآتم الحسينية، أذكر بأنني قد استفدت كثيراً من مكتبة مأتم السنابس التي كانت تشجع على استعارة الكتب والمشاركة في البرامج المفتوحة والمسابقات الثقافية.. وكل ذلك حدث قبل عشر سنوات تقريباً، ومع بداية اشتعال أحداث الانتفاضة الشعبية عام 1995م، كانت مؤلفات شريعتي حاضرة بقوة ويتلهف عليها الشباب لقراءتها ومناقشة أفكارها التي تدفعنا دوماً للسؤال والبحث عن الإجابة، وكنت شخصياً أستعين بها لفهم بعض الظواهر الاجتماعية أو تفسير بعض المواقف السلوكية في مجتمعنا البحراني.. هذا بالرغم من أنني لم أكن أحد أولئك الذين رفعوا اسم شريعتي بل رأيته كأيّ مفكر إسلامي من حقنا مناقشته واستلهام العبرة والفائدة من أفكاره ونظرياته دون تقديس للشخصية أو إعطاءها أبعاد رمزية غير حقيقية.
لذلك كان اسم المفكر علي شريعتي حاضراً بقوة في المكتبات الإسلامية، إلى جانب العديد من المفكرين الإسلاميين مثل الفقيه اللبناني الشيخ محمد جواد مغنيه والسيد محمد حسين فضل الله ومرتضى المطهري والسيد دستغيب.. وشخصيات أخرى لعبت مؤلفاتهم وكتاباتهم دوراً كبيراً في صياغة عقولنا الباحثة عن الحقيقة والعدالة والقيم السماوية. وكنت أشهد بمعارض الكتب الثقافية بالبحرين اهتمام الشباب المتزايد بهذه المؤلفات القيمة وحضورها الثوري في الوعي الإسلامي، وحسناً فعلت دار الأمير اللبنانية بطباعة ونشر وترجمة جميع مؤلفات المرحوم علي شريعتي منذ سنوات مضت.
الحج.. الفريضة الخامسة:
ولعل أهم كتاب بنظري أثر في روحي ووجداني من مؤلفات علي شريعتي يمكن القول بأنه كتاب «الحج.. الفريضة الخامسة» وهو عبارة عن تصوير أدبي بليغ لرحلة الحج بجميع مراحلها الرئيسية، مع استحضار للفقه والتاريخ والعلوم الإنسانية وربطها بواقع الشخصية الإسلامية وأحوال المسلمين عموماً. فكان كتاب الحج رفيقي في السفر برحلة الحج الأولى إلى بيت الله الحرام إلى جانب القرآن الكريم وكتب الأدعية الشريفة، الأمر الذي عمق فهمي بمعاني الحج الأكبر منذ لحظة الانطلاق قبل الحج وحتى لحظة النهاية والاحتفال بعيد الأضحى.
 
إشكاليات نتاج مرحلة صعبة:
والقارئ لعلي شريعتي يلاحظ بوضوح الإشكاليات العديدة التي طرحها في نقد أحوال المجتمع والفكر الديني، وهي إشكاليات جاءت في مرحلة صعبة فرضها المشهد الإيراني في طور تحوله إلى مرحلة الثورة الإسلامية حيث شهد المجتمع الإيراني حينها حركة نشطة للتيارات الفكرية والأيدلوجيات الحزبية. فكانت حقبة الخمسينات والستينات الفترة الذهبية لمعظم حركات التحرر الوطني، حيث نشط التيار اليساري والشيوعي في تحريك الشارع العام، وظهر في مواجهته التيار الإسلامي الذي بدأ يحاول صياغة هويته على أيدي مفكرين عظام أمثال شريعتي ومطهري وبهشتي ودستغيب وآخرين.
 
ومن الملاحظ أيضاً أن نتاج تلك المرحلة الحساسة «بعد إنتصار الثورة الإسلامية» عمد البعض إلى تغييب فكر شريعتي ونقده الصريح لبنية المجتمع وعاداته وتقاليده مما جعل رجال الثورة ينظرون بتردد واضح عند ذكره أو الإشادة بمؤلفاته. ولم يشفع له أيضاً تأسيسه لحسينية الإرشاد التي كان يحضرها آلاف الطلبة الجامعيين، وساهمت فكرياً في دفع الشباب نحو الإلتزام العميق بالتشيع وتعزيز الهوية الإسلامية لديهم بإعتراف رجال الثورة الإسلامية أنفسهم.
 
التوفيق بين التراث والمعاصرة:
ولعل أهم ما يميز مدرسة شريعتي الفكرية هو محاولة طرحه لفكر إسلامي توفيقي مستفيداً من دراساته بجامعة السوربون في مجال العلوم الإنسانية وتاريخ الأديان، وملاحظ بأنه يأخذ موقفاً سلبياً من الحضارة الغربية ويراها مادية بحتة بعيداً عن نتاجها الفكري والثقافي. كما تميز بطرح مصطلحات قدمها بصورة قرآنية مبتكرة مثل مفهوم المستضعفين والمظلومين، الإمامة والولاية.. وكما يقول الكاتب أحمد زين الدين (جريدة السفير، 31/1/2003): « اقتبس شريعتي، الذي تعمق في فهم تاريخ الأديان، من أطروحة هنري برغسون تفريقَه بين «الدين المنغلق» و«الدين المنفتح»، ليستخدم هذا التفريق نفسه لبناء ثنائيته الشهيرة التي تميز بين «دين السلاطين» و«دين العامة»، وبين التشيع العلوي (الحق) والتشيع الصفوي (المنحرف)».
 
ويضيف زين الدين: «في هذا المقام التأويلي التوفيقي نزع شريعتي، بخطوة متقدمة ودراية اجتماعية، مفهوم «الإمامة» من مباحث علم الكلام الإسلامي الكلاسي، باتجاهاته الفلسفية التجريدية التي أبقت هذا المفهوم داخل نطاق المقولات والدلالات النظرية والافتراضية، وأدخَلَه في صيرورة الواقع المأزوم وأروقة الاجتماع السياسي، «فاتحًا بذلك كثيرًا من الأبواب المغلقة في المعرفة الإسلامية»، حسب عبارة عبد الرازق جبران في كتابه عن علي شريعتي، مضيفًا بذلك إشكالية الإنسان الاجتماعي وحاجته إلى القيادة الرشيدة ومعتبِرًا الدورَ الاجتماعي معيارًا لجدوى الأفكار أو لتفاهتها. وبهذه النظرة الاجتماعية الواقعية للإمامة تملَّص شريعتي من ذيول المنازعات التي اشتجرت بين المسلمين الأوائل وأراقت الكثير من المداد والدماء، رافضًا الشورى والنص كليهما، ليجعل الخلافة قائمة، لا بالعوامل الخارجية، مثل الانتخاب أو التعيين أو النص الإلهي، غير مقتصرة على سلالة أو قبيلة أو فئة، بقدر ما هي حصيلة حقٍّ ذاتي ناشئ من ماهية الشخص، ومن تشخيص الجماهير له، وتقبُّل إطاعته، والاقتداء به عن قناعة لا يرقى إليها الشك. 
وعلى ضوء هذا الاتجاه الاجتماعي وضرورة التصدِّي لمسائل العصر وقضاياه، ينتقد الكاتب أولئك الفقهاء التقليديين الذين ينكبُّون على ألف مسألة شرعية في آداب التخلِّي «الدخول إلى بيت الخلاء» دون أن يقدموا مسألة واحدة أو حكمًا شرعيًّا واحدًا يتعلق بالمصير المشؤوم الذي ينتظر الأمة والبلاد. وإذ يعتِّمون على حقوق الشعب، يستفيضون في الحديث عن حقوق السيد على عبده (!)، ويتجاهلون كل اللغط حول الرأسمالية والبرجوازية، والاقتصاد الاستعماري والعلاقات الطبقية، وحقوق العامل والمستثمر والفلاح، وصاحب الأرض، والمنتج والمستهلك، وفوائد رؤوس الأموال، إلى ما هنالك».
 
غريب.. مع كل الغرباء:
عموماً.. وبغض النظر عن الإشكاليات المثارة حول أفكار شريعتي، ألا أننا لا يمكن إنكار تأثيره الفكري والروحي الكبير الذي مهد للثورة الإسلامية في إيران مع «آية الله طالقاني» «وآية الله مطهري» وآخرين. كما نجح في إبراز قضايا الإسلام بأسلوبه الواضح من خلال مؤلفاته التي جاوزت المائة وعشرين.
 
 

30‏/01‏/2007

الإمام الحسين (ع) حاضرٌ في القلوب وغائب عن السينما العالمية

الإمام الحسين (ع) حاضرٌ في القلوب وغائب عن السينما العالمية
هل تنقصنا الكفاءة والقدرة المالية لصناعة فيلم سينمائي ؟!
تحقيق: أحمد رضي
من الملاحظ في مجتمعنا العربي والإسلامي غياب الرؤية الإستراتيجية لتجسيد التاريخ الماضي عبر الشاشة السينمائية، وذلك خلاف للقصص التاريخية والحكايات الشعبية، في الوقت الذي تقدمت فيها وسائل التكنولوجيا كمرحلة متقدمة لصناعة الصوت والصورة فنياً وتقنياً، الأمر الذي يجعلنا كعرب ومسلمين نتساءل حول سبب إخفاقنا في إبراز الصورة الحضارية لديننا الإسلامية واستعراض أهم مراحل التاريخ وشخصياته العظيمة لهذا الجيل والجيل القادم.
أحاول في هذا التحقيق الموجز مناقشة فكرة تقديم تجربة النهضة الحسينية بأبعادها المأساوية والإنسانية عبر شاشة السينما العالمية، ومحاولة التعرف على إمكانية تقديم نص إسلامي برؤية معتدلة، واستعراض أهم المعوقات التي تعيق تنفيذ هذه التجربة من خلال اللقاء مع أصحاب الشأن.
قضية كربلاء في السينما:
يحدثنا الباحث الإعلامي (جعفر حمزة) حول بروز قضية كربلاء في السينما فيقول: "كانت قضية الإمام الحسين (ع) من أهم المواضيع التي تم طرحها في السينما العربية والإسلامية على أكثر من صعيد. فهناك بعض التجارب العربية المتمثلة عند بعض المخرجين المصريين، فضلاً عن استعداد للمخرج العراقي (قاسم حول) الذي لم تسعفه المادة والدعم لعمل ذلك الفيلم، حيث كان من المقرر إخراجه في العراق وخصوصاً في كربلاء.
وأما التجربة الإيرانية فقضية الإمام الحسين (ع) فقد كانت "موتورة" بمعنى وقوفها عند تجربة فيلم "الواقعة" بصورة مباشرة، وفيلم عبدالله الأنصاري بصورة غير مباشرة. بالرغم من تجربتي مسلسل "غريب طوس" و"مريم المقدسة" الذي تم إجادة الإخراج والتمثيل فيهما على حد سواء، وبصورة عامة فإن الإمكانيات الإيرانية لإخراج فيلم عن الإمام الحسين ممكنة وقوية".
الفيلم ممكن.. والمعوقات كثيرة:
ويعتقد حمزة بأن أبرز المعوقات التي تمنع ظهور الفيلم الحسيني تتمثل في عدم تركيز الجهود على الرؤية التاريخية والإخراجية الكفيلة بإخراج الفيلم أو المسلسل بسبيل يوصل الرسالة بطريقة إبداعية ومؤثرة، فإذا كانت قصة كربلاء تثير الشجن عند قرائتها فما عساك تتخيل عند مشاهدتها. بالإضافة إلى نقص الدعم المالي، إذ أن عقلية الدعم للأفلام الرسالية لم تترسخ بعد، وهذا يستدعي توجهاً مدروساً من أصحاب الخطاب الديني الملتزم من جهة، وتقديم دراسات اجتماعية واقتصادية متخصصة من جهة أخرى.
ويرى حمزة بأن تجربة فيلم "الرسالة" للمخرج الراحل مصطفى العقاد، أثبتت قدرة الوصول إلى مساحة "مشتركة" يمكن من خلالها الإنطلاق لإنتاج فيلم تاريخي يتفق على مصادره ورؤيته التوثيقية علماء الفريقين، نظراً لمصادر الطرفين المعتبرة ولن يكون ذلك مانعاً أو حاجزاً عن الدخول في مشروع مشترك لإنتاج الفيلم.
موقف التجار والحوزات الدينية:

أما بخصوص الموقف المطلوب من قبل التجار أو الحوزات الدينية يشير حمزة إلى أن الموقف المطلوب من التجار هو توضيح الجدوى الاقتصادية في حال تبني المشروع والقيام به، وتبيان الأهمية الدينية كمصداق لدعم القضية الحسينية وإحياء الشعائر.
أما بالنسبة لموقف الحوزات الدينية، فالمطلوب هو العمل على البحث من النواحي الشرعية للأمور المتعلقة بشؤون السينما والفن، ونشره للمهتمين، وإقامة ندوات مفتوحة لمناقشة مثل هذه المشاريع أو إقامة ندوات متخصصة تجمع بين التجار وعلماء الدين وأولي الاختصاص تحت مظلة واحدة.
بين آيران.. وهوليوود الأمريكية:
ويؤكد حمزة بأن إيران قد قطعت في المجال السينمائي عموماً وفي الأفلام الدينية خصوصاً مسافة مميزة على المستويين الإقليمي والعالمي، ويعتقد بأن التفكير في القيام بفيلم أو مسلسل عن الإمام الحسين ينبغي علينا الاستعانة أيضاً بالسوريين، لوجود الخبرة الكافية في مثل هذه الأعمال التاريخية، فضلاً عن لغتهم العربية المميزة، والتي ستعطي رصيداً للفيلم عوضاً عن دبلجته إلى العربية.
وحول إمكانية التعاون مع الدول الأجنبية أو شركة هوليوود مثلاً لصناعة فيلم إسلامي يرى حمزة أن إمكانية التعاون واردة ولكن بتوفر السيولة المادية "الضخمة" والتي لا تتوفر حالياً، وإن الإنطلاقة الفعلية ستكون من خلال التجار والممولين، الذين ينبغي عليهم الإقتناع أولاً بجدوى المشروع، فضلاً عن الاستحقاق "الشرعي" للنص والإخراج والتمثيل "الممثلين".
عدم تفاعل الطائفة الشيعية:
ومن جانب آخر يشاركنا الرأي الممثل (جابر حسن) قائلاً: "يمكن إيجاد نصوص متفق عليها بعد جمع المصادر الموثقة والمتفق على مصداقيتها، ومحاولة البعد عن التعرض للمسائل التي تثير الحساسيات الطائفية ومحاولة سد الثغرات التي يمكن أن يستغلها العدو في الخدش أو التعرض للقضية الحسينية".
ويضيف حسن بأن أهم معوقات تنفيذ فكرة صناعة فيلم كربلاء الحسين يتمثل في: "عدم وجود تفاعل أو تحمس لطرح القضية الحسينية عبر السينما من قبل أهل الطائفة الشيعية، نتيجة عدم وجود النظرة المستثمرة والمقتنعة بأهمية السينما في طرح القضية الحسينية. بالإضافة إلى عدم تفاعل السينما العالمية والمهتمين بها بالقضايا الدينية المسلمة، مع تزايد الشعور بالنقص والتحجيم عند المسلمين في الجانب الفني والسينما بالذات، ووجود كثير من المحظورات المبالغ فيه والتي تمنع من طرح القضية على السينما".
أهمية خلق كوادر فنية:
وحول كيفية خلق كوادر فنية مؤهلة للعب أدوار في الفيلم الإسلامي يقول حسن: "يمكن خلق تلك الكوادر بالتدريب وزرع الثقة وخلق روح التنافس ودراسة كل النقاط المهمة والممكنة لتأهيل الممثلين بل كل طاقم العمل السينمائي و المشارك في القضايا الدينية والقضية الحسينية بالذات".
وحول مسألة التعاون مع دول أجنبية أو شركة هوليوود يقول حسن: "يمكن التعاون معهم في تأهيل الكوادر والاستفادة من الإمكانيات الفنية الموجودة لديهم وهي ليس متوفرة في الدول العربية أو الدول الإسلامية، فقضية الحسين يجب إبرازها بقوة حتى لو لجأنا الى الأجنبي، ولكن بحيث لا يترك الأجنبي بصمته على العمل ويكون النتاج من صنع الأيادي المسلمة الشيعية الملتزمة".
ضرورة اتفاق أهل الطوائف والمؤرخين:
ويشاركنا الشاعر حبيب حيدر (ناقد وكاتب مسرحي) الحوار قائلاً: "لم أتتبع بشكل دقيق حضور قضية الإمام الحسين (ع) في الساحة السينمائية، ولكن هناك بعض الأعمال التي جسدت القضية بشكل مباشر أو غير مباشر مثلاً كفيلم تسجيلي أو توثيقي أو كفيلم يستلهم الظاهرة بشكل إبداعي، وتحضرني هنا بعض التجارب كالآفلام الإيرانية التي شاعت في الفترة الأخيرة. وأهم المعوقات برأيي تتمثل في تخوف البعض من المساس بالحالة المقدسة لبعض الشخصيات كالنبي (ص) والأئمة (ع)، وأيضاً العائق المالي، والخوف من الدخول في التفاصيل التاريخية لفترة من الفترات الحاسمة التي بطبيعتها تفجر الكثير من القضايا".
اختلاف الرؤى في قراءة التاريخ:
وبخصوص إمكانية وجود نصوص إسلامية متفق عليها أدبياً وتاريخياً لتقديم مأساة كربلاء بصورة ترضيّ جميع الطوائف الإسلامية يجيب حيدر: "هذا السؤال يفترض حالة مثالية نأمل الوصول إليها، بينما دونها الكثير من التفاصيل التاريخية التي يعتمدها أهل الطوائف والمؤرخين على اختلاف مشاربهم. وأن كنت لا أبحث أبداً عن نص واحد للحادثة، فلكل حدث تاريخي الزاوية التي يمكن للمؤرخ أن يرصدها برؤية خاصة. كما أنه لكل عدسة مخرج يسلط عدسته على الحدث الذي يريد تقديمه وصياغة رؤيته من خلاله، فاختلاف الرؤى في الأحداث التاريخية كفيل بتوليد أفلام ونصوص متعددة للحدث الواحد".
ويختم حيدر قوله بخصوص التعاون مع الدول الأجنبية أو شركة هوليوود لصناعة فيلم إسلامي قائلاً: "ليس هذا صعباً إذا توفرت إرادة قوية بهذا الاتجاه، فسوف تتيح السينما العالمية لنا نقل صورة من صور كربلاء، بحيث يستلهم الناس من خلالها أداة عالمية حديثة قادرة على التواصل فيما بينهم وإيصال رؤية واضحة بخصوص واقعة كربلاء. ويضيف توجد مشاريع صغيرة ينبغي نقدها وتشجيعها حتى تستطيع أن تثبت أقدامها، وتمتلك أدوات الفعل الفني والإبداعي لترتقي في مجال تقديم الصورة الفنية والإبداعية لشخصية الإمام الحسين (ع)".
السينما العربية عاجزة..!!
ومن جهة أخرى يطرح المخرج والمصور (عبدالله يوسف) رؤية مغايرة لما سبق بالقول: "لم تتمكن التجربة السينمائية العربية بكل ما قدمته في تاريخها من تحقيق وتكريس الجدارة الصناعية المأمولة والجودة التقنية الباهرة في فن السينما، بحيث تكون مؤهلة لإنتاج فيلم مرموق عن قضية الإمام الحسين (ع)، بينما السينما العالمية المتقدمة، تستحوذ على كل جدارة إنجاز ذلك بحرفية منقطعة النظير ومستويات بالغة الإتقان والتفوق. ولعل معوقات تحقيق ذلك -في نظري- لا تكمن في وجود المقدرة من عدمها، بل في مدى درجة الإقتناع السينمائي العربي أو العالمي، بوجاهة تلك القضية وأهميتها التاريخية، وبأهدافها الثورية وأبعادها الإستشهادية ونتائجها، وما أفرزته في التاريخ اللاحق المستمر حتى اليوم من تداعيات أدت إلى نشوء فريقين –أرادت لهما القوى المتفننة في إبتكار المكائد وتأليف المؤمرات وصياغة الضغائن- أن يكونا متضادين ضمن نسيج قطيفة إسلامية واحدة، باتت هدفاً للإختراق والتمزيق كل يوم!!
أين الأمة الحضارية لقراءة رسالة الفيلم ؟!
ويضيف يوسف إذا كان الهدف من إنجاز الفيلم إعادة الحادثة الكربلائية دون محاولة إسقاط الماضي ودحر الحاضر وإبتكار المستقبل، فإن نتيجة ذلك ستكون في تقديري بمثابة (إضرام نار في الهشيم)، وتلك هي معضلة كل (المعوقات) التي تجعل عدم بزوغ بادرة تفكير في إنتاج ذلك الفيلم تذهب أدراج رياحها. لأن الفيلم السينمائي الحقيقي، غالباً ما ينطوي على رسالة إلى الأمة التي أُنتج من أجلها، لكن في مثل حالنا أين هي الأمة الحضارية الواعية القادرة أو المؤهلة فكرياً لقراءة الرسالة، وهي متجردة كل التجرد من أدران الأورام الطائفية؟؟؟
أهمية وجود العقلاء.. القضية خطيرة:
وبخصوص توفر نصوص أدبية تاريخية لتقديم الفيلم يجيب يوسف قائلاً: حتى إن توفرت أو وجدت نصوص متفق عليها أدبياً وتاريخياً تتناول مأساة كربلاء بصورة ترضي جميع الطوائف الإسلامية، وإعتمدت لإنجاز مثل ذلك الفيلم، كيف يمكن ضمان توفر عدد وافر جداً جداً من العقلاء المتفكرين في الفريقين المتضادين يقبلون التعاطي والتوافق والتعاضد والإختلاف الحضاري المبدع مع كل مخرجات فيلم سينمائي جريء يرصد في مشاهده المتعددة ما سبق قضية كربلاء ثم الواقعة ذاتها وبعدها النتائج التي إنتهت إليها وصولاً إلى الأوضاع والأحوال التاريخية المستجدة التي بدأت منها، في يوم غابر من تاريخ العرب والمسلمين، ولم تنتهي بعدها (إلى يومنا هذا)".
ويختم يوسف قوله بإن حادثة (كربلاء) باتت من بدأت، قضية تاريخية مفصلية في تاريخ هذه الأمة، ووفق ما إنتهت إليه من نتائج، قد شكلت النسيج العربي والإسلامي في مدى أربعة عشر قرناً،، والطموح في إستثمارها مادة لأخطر وأهم الفنون الحضارية الإنسانية المتمثلة في الفن السينمائي، لهو طموح بالغ الإثارة، ولتحقيقه وفق بلاغة موضوعية رصينة لا بد -في رأيي- من تطهير العقول والنفوس من الأفيون الطائفي المقيت.. وحتى يتيسر لنا تحقيق ذلك، يصبح بمقدورنا مخاطبة الفن السينمائي العربي أو العالمي لإنجاز الفيلم/القضية !!

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1607 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ
http://www.alwasatnews.com/1607/news/read/213345/1.html?issue=1607&plugin=news&act=read&id=213345&page=1

http://annabaa.org/ashura/1428/77.htm