15 أكتوبر 2007
بقلم- أحمد رضي (كاتب
صحفي):
15/10/2007م.
يستحضرني سؤال هام على ضوء الأحداث
الساخنة التي تعيشها الساحة البحرانية كل يوم وهو: ما مدى قدرة المعارضة السياسية
على البقاء في ساحة الصراع ومواجهة سلطة أمنية لها أدواتها النافذة بقوة المال
والإعلام والسلاح ؟ وما هو مستقبل المعارضة في ضوء المتغيرات الإقليمية والتحولات
العالمية ؟ وما هو دور الحركة الإسلامية تحديداً في هذه المعارضة ؟
• الأولويات المفقودة للمعارضة
:
كانت أولويات الحركة الإسلامية والوطنية مع بداية الانتفاضة الشعبية 1994م تتركز حول الملف السياسي كبداية لتأسيس القواعد الصحيحة للمجتمع المدني القائم على معرفة حقوقه وحرياته الأساسية. ولكننا الآن -للآسف- نشهد تفتيت وتجزئة متعمدة للقضايا الكبرى التي كانت محل إجماع شعبي سابقاً، حيث كان الملف السياسي يسير في موازة الملف الحقوقي والإجتماعي والاقتصادي، وبشكل غير مسبق حيث أجمعت عليه سابقاً جميع طوائف الشيعة والسنة.
كانت أولويات الحركة الإسلامية والوطنية مع بداية الانتفاضة الشعبية 1994م تتركز حول الملف السياسي كبداية لتأسيس القواعد الصحيحة للمجتمع المدني القائم على معرفة حقوقه وحرياته الأساسية. ولكننا الآن -للآسف- نشهد تفتيت وتجزئة متعمدة للقضايا الكبرى التي كانت محل إجماع شعبي سابقاً، حيث كان الملف السياسي يسير في موازة الملف الحقوقي والإجتماعي والاقتصادي، وبشكل غير مسبق حيث أجمعت عليه سابقاً جميع طوائف الشيعة والسنة.
فكانت أولويات المعارضة السياسية قبل
رحيل الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله) واضحة حينذاك، وكانت محل إجماع وطني
تقريباً. ولكننا الآن بعد ذهاب سكرة المشروع الإصلاحي ولعبة الميثاق الوطني، لم
تشفع حينذاك لرجال الدين وقادة المعارضة خبرتهم السياسية ونضالهم التاريخي الطويل
للوصول إلى لحظة تفكير وتمحيص قبل إقرار أكبر خطأ تاريخي رسم الخارطة السياسية
الحالية بالصورة التي جعلت السلطة النافذة تنشب أضافرها بقوة غير شرعية في قلب
الشعب الأعزل.. وتلك جريمة أخرى لن يغفرها الجيل القادم لآبائنا وأخوتنا وعلمائنا
الذين قادوا الوطن إلى الطريق المجهول !!
• تفكك المجتمع البحراني
:
المجتمع البحراني ما زال يعاني من تبعات أكثر من 25 سنة من قانون أمن الدولة، والملفات الساخنة لم تغلق بعد لأنها أصبحت محل جدل طويل بين التيارات الإسلامية والوطنية بعد ضياع بوصلة الطريق… ويتحمل السبب بالدرجة الأولى القوى السياسية والدينية التي لم تقدم اعتذارها للشعب أو تعترف بتواضع -على الأقل- بخطأ القرار وتبعاته في النهاية (قبول المشروع الإصلاحي دون ضمانات كافية)، وبالتالي قضت على مسيرة طويلة للمعارضة البحرانية.
المجتمع البحراني ما زال يعاني من تبعات أكثر من 25 سنة من قانون أمن الدولة، والملفات الساخنة لم تغلق بعد لأنها أصبحت محل جدل طويل بين التيارات الإسلامية والوطنية بعد ضياع بوصلة الطريق… ويتحمل السبب بالدرجة الأولى القوى السياسية والدينية التي لم تقدم اعتذارها للشعب أو تعترف بتواضع -على الأقل- بخطأ القرار وتبعاته في النهاية (قبول المشروع الإصلاحي دون ضمانات كافية)، وبالتالي قضت على مسيرة طويلة للمعارضة البحرانية.
وعند مراجعتنا للوسط الاجتماعي خلال فترة ما قبل الميثاق الوطني.. نلاحظ
بأنه أصبح مفكك تنظيمياً بفعل الضربات الأمنية المتلاحقة وعمليات الاختراق
المعلوماتي وتوظيف العملاء والمرتزقة لمحاربة الشعب، وفقدان حلقة الوصل بين
المعارضة الداخلية والخارجية حينذاك، بالإضافة إلى تخاذل قادة المعارضة في الوفاء
بوعودهم للشعب، وانضمام بعضهم لصفوف البلاط الحاكم. ولا يمنعنا ذلك من القول بأن
الوسط الاجتماعي (الشيعي تحديداً) يملك خلفية دينية وفكرية ناهضة، ولكنها تنظيمياً
-للآسف- هشة جداً ولا تصمد أمام الأزمات الصعبة، بسبب افتقادها لعناصر الترابط
والوحدة الداخلية، واختلاف رموزها الدينية والاجتهادات السياسية المتضاربة في
العديد من القضايا الرئيسية.. الأمر الذي سهل للنظام الحاكم صياغة مشروع الميثاق
الوطني (وبالتعاون الخفيّ مع بعض الشخصيات المعارضة) كأمر واقع لا خيار آخر أمام
المعارضة السياسية من قبوله.
- قضايا وطنية مهملة.. وشعارات إعلامية
!!
وفي قضية وطنية مثل ملف صلاح البندر الذي كشف بالأدلة المادية وثائق
ومستندات تثبت فساد بعض الشخصيات ومخططها الطائفي بالأدلة والأرقام، وقام بعض
العلماء الكرام بزيارة سابقة للملك حمد بن عيسى آل خليفة، ولكنهم للآسف لم يكشفوا
نتائج هذه الزيارة للرأي العام التي يبدو بأن نتائجها كانت سلبية. من جانب آخر
لعلنا نتذكر السيد عبدالله الغريفي مثلاً.. عندما قام الملك حمد بتوقيع العهد أمامه
من أجل تحقيق مطالب محددة ولكن الملك لم يوفي بعهده، وعجز الغريفي حتى الآن من أن
يقول بأن الملك قد أخطئ ولابد من تصحيح الخطأ بدلاً من غض النظر والتهاون مع جرائم
أمنية ودستورية وديموغرافية ارتكبها النظام الحاكم بحق الشعب الأعزل.
وكذلك سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم عندما ينادي مثلاً بتشكيل جمعية
وحدوية بين الشيعة والسنة، ولكن الواقع يشهد بأن العلماء على مستوى الطائفة الشيعية
قد فشلوا في إنجاح تجربة المجلس العلمائي أو تكوين جبهة علمائية موحدة لكل
الاجتهادات والخلافات التي فرقت مجتمعنا الصغير يميناً ويساراً، وظل شعار الوحدة
حلم يداعب مخيلة الشباب والمعذبين والمحترقين بنار سعرها النظام الحاكم لتفتيتنا
قطعة قطعة !!.
ولذلك لا نستطيع كمواطنين نعتز بهويتنا الإسلامية أن نغمض عيوننا وننسى
مشاكلنا الحقيقية، لتكون الدعوة أولاً لتوحيد كلمة العلماء في جبهة واحدة، حتى
يتوحد مسار الأمة في نفس الطريق، لأن ضريبة هذا الضياع والتشتت السياسي ستكون كبيرة
جداً بالنظر لمستقبل الجيل الحالي، لأن مثل هذه الحزبيات والخلافات داخل البيت
الشيعي تجعل الشعب من الصعب أن يثق مرة أخرى في شخصيات الحركة الإسلامية الذين
وقعوا في حرب كلامية غير خفيّة مع بعضهم البعض، وأخفقوا أكثر من مرة تنظيمياً
وميدانياً في توحيد صفوف الشعب لتحقيق مطالبه العادلة خلال السنوات السابقة..
وليعلم الجميع بأن إغفال معالجة هذه العصبيات الحزبية السياسية تهدد أي مشروع وطني
لإعادة شمل المعارضة الضائعة عن معرفة أهدافها الاستراتيجية.
- معارك وهمية.. ونسيان العدو
الأول!!
والطامة الكبرى هو فتح معركة جانبية مع التيار العلماني وكأن ديننا
الإسلامي في خطر، وننسى الجرح النازف للوطن الذي تسببت به العائلة الحاكمة. نقول
ذلك على مضض لأعز أحبتنا وعلمائنا لأن انتقادنا لهم هو رسالة محبة لهم، ولأنهم
بشهادة العقلاء.. قد أخطأوا الطريق أكثر من مرة، وقادوا أفراد وجماعات لمستقبل غامض
ومصير مجهول، لا يعلم ألا الله تعالى عواقبه. فمن الخطأ (بالمعنى السياسي) أن نقوم
بفتح معارك جانبية ضد أخوة ناضلوا معنا بأرواحهم وأقلامهم طوال مسيرة النضال
الوطني، ومن الخطأ فتح معركة جانبية مع التيار الوطني أو العلماني، وننسى كل
الملفات الساخنة كالفساد والتمييز الطائفي والتجنيس السياسي والبطالة والتعذيب
وانتهاك حقوق الإنسان وسرقة الأراضي وضياع حقوق الشعب التي قامت بها القلة الفاسدة
التي تحكم هذا الوطن الصغير.
والسؤال هل تخفي هذه المعارك الوهمية ورائها أجندة حزبية بائدة أم هي
صراعات نفسية قديمة يعيشها الكبار وتدفع الصغار لمصارعة الهواء ؟! أم هي حملة
للتغطية على عيوبنا الاجتماعية تشغلنا عن ملاحقة القضايا الوطنية التي تهدد ديننا
وتحرق وطننا الصغير ؟!
- الاعتراف بالخطأ فضيلة.. قبل فوات
الآوان:
وهذا ما يؤكد بأن البداية كانت خاطئة، وما بنيّ على باطل فهو باطل.
وجميع علمائنا المخلصين وقوى المعارضة السياسية مطالبة أمام الأمة بكشف الحقائق
والاعتراف الصريح بالأخطاء السياسية وتحمل المسئولية الكاملة، بدءاً من لحظة رفع
العريضة الشعبية، واللقاء مع المعارضة الخارجية، ووصولاً لتشكيل ما يسمى بأصحاب
المبادرة وتفككها، وحتى لحظة الانفراج السياسي والاتفاقيات المجهولة بين السلطة
والمعارضة الداخلية حينذاك، وإقصاء حركات إسلامية معارضة كالجبهة الإسلامية لتحرير
البحرين مثلاً، والسكوت السلبي (الغير مبرر شرعاً) لعلماء المهجر، وتواطؤ من
بالداخل مع السلطة الحاكمة، وسفر بعض قادة المعارضة بأنفسهم للخارج من أجل لقاءات
غير معلنة في العاصمة اللندنية، تمهيداً لطرح مشروع الميثاق الوطني، ومن ثم انقلاب
السلطة على مشروع الميثاق الوطني وطرح دستور جديد.. وصولاً لمرحلة تشكيل الجمعيات
السياسية وفوز أكبر جميعة سياسية بمقاعد البرلمان الحالي.. وانفراط ميثاق الشرف مع
الجمعيات السياسية الوطنية. وما زال السؤال يلح بقوة: إلى أيّ طريق تقودون الشعب...
يا عقلاء البلد ؟!
وأمام هذا الواقع السلبي.. اذا كنّا نطمح لحدوث تغيير سياسي كبير، فلا
ننسى أولاً أننا بحاجة لحدوث تغيير اجتماعي في طريقة تفكيرنا وآلية العمل السياسي،
وفي أسلوب الحوار والتعاطي مع الأحداث الصعبة. نحتاج أن نوسع صدورنا لكل من يخالفنا
في الرأي، ودون تجاوز للخطوط العقيدية أو الأخلاقية لهذا الشعب المسلم. لذلك نحن
بحاجة لرسم طريقنا على مبدأ الأولويات التي تؤسس لقاعدة الحقوق والواجبات المتبادلة
بين الشعب بجميع طوائفه وبين الحكومة كجهة تنفيذية، ودون أن يعني ذلك اعترافاً
بمبدأ شرعيتها لأنها سلطة قائمة على القوة والقهر لا الحق والعدل.
http://www.annabaa.org/nbanews/67/014.htm
http://www.annabaa.org/nbanews/67/014.htm