29 مايو 2011
أحمد رضي (*)
يعتبر أغلب علماء المسلمين الإمامية
أن علاقتهم مع أي نظام سياسي في محل كراهة تنتقص من مكانة العالم بأحكام الشريعة
الإسلامية، وعنصر يقيّد حركة المؤسسة الدينية والقضائية المستقلة. ولذلك فإنهم يرون
أن الحاكم للدولة ملزم بمشورة العلماء والفقهاء لأن القيادة الدينية هي التي تملك
منح صك الشرعية للقيادة السياسية، ولذلك لا ترى رجال الدين عند الامامية في بلاط
الحكام أو موائد الوزراء ألا ما ندر…!!
ولكن في مقابل هذه النظرة التقليدية ترى علماء وفقهاء كسروا القاعدة، لأنهم يرون
أن من واجب عالم الدين أن يقوم بتلبية الواجب الديني وتبنّي المطالب الشعبية
الداعية لتطبيق الشريعة الإسلامية ومحاربة رموز المنكر والفساد في الأرض، وأضرب لك
مثلاً بما فعله السيد موسى الصدر عندما أتى إلى لبنان، فقد كسر هذه القاعدة، وكان
يرى أن من واجبه أن يخلع باب الحاكم إذا اقفل دونه ليقول رأيه، وينقل أمانته إلى
الناس والمسؤولين. ولقد نجح السيد في اقتحام هذه الأبواب حتى بات التسليم له أمراً
مفروغاً منه، وجعله محل خلاف بين علماء الشيعة أنفسهم.
الشيوعي… أخي وابني
ولهذه المسألة واقعة تروى: فقبل الحرب الأهلية، اعتقلت السلطات المحلية في مدينة صور شاباً وطنياً بتهمة الاخلال بالأمن، وتدخل الكثيرون من رجال السياسة والوجهاء لإطلاقه.. دون جدوى. اتصل السيد بقائمقام (عمدة) صور، بعد ان توسط عنده أهالي المعتقلين، فطالب بإطلاق سراحه على كفالته، فخاطبه قائمقام صور مدهوشاً: لكنه شيوعي يا سماحة الإمام، فكان رد السيد موسى الصدر: هذا أخي وابني.. فأُطلق سراح الشيوعي، والسبب موسى الصدر.
ولهذه المسألة واقعة تروى: فقبل الحرب الأهلية، اعتقلت السلطات المحلية في مدينة صور شاباً وطنياً بتهمة الاخلال بالأمن، وتدخل الكثيرون من رجال السياسة والوجهاء لإطلاقه.. دون جدوى. اتصل السيد بقائمقام (عمدة) صور، بعد ان توسط عنده أهالي المعتقلين، فطالب بإطلاق سراحه على كفالته، فخاطبه قائمقام صور مدهوشاً: لكنه شيوعي يا سماحة الإمام، فكان رد السيد موسى الصدر: هذا أخي وابني.. فأُطلق سراح الشيوعي، والسبب موسى الصدر.
موسى الصدر.. صوت الجنوب الثائر
من جانب آخر.. شاء العلي القدير أن أطلع على عدد قديم من مجلة الحوادث اللبنانية لعام 1975م، وهو يضم في غلافه صورة كبيرة للسيد موسى الصدر وهو يُدخن سيجارة !! وقرأت ما جاء في هذه المقابلة المثيرة مع هذه الشخصية ذات (الكاريزما الثورية)، والصوت الصارخ المدّوي.. وكأنه ردٌ صريح ومباشر للطرف المعارض لنهج عمليات الدفاع عن الأرض والنفس والمال والعرض بالقوة، ولو أدى ذلك لحمل السلاح، بل يُوجب ذلك وأكثر!!
من جانب آخر.. شاء العلي القدير أن أطلع على عدد قديم من مجلة الحوادث اللبنانية لعام 1975م، وهو يضم في غلافه صورة كبيرة للسيد موسى الصدر وهو يُدخن سيجارة !! وقرأت ما جاء في هذه المقابلة المثيرة مع هذه الشخصية ذات (الكاريزما الثورية)، والصوت الصارخ المدّوي.. وكأنه ردٌ صريح ومباشر للطرف المعارض لنهج عمليات الدفاع عن الأرض والنفس والمال والعرض بالقوة، ولو أدى ذلك لحمل السلاح، بل يُوجب ذلك وأكثر!!
سأله الصحفي عن مشروعية الدفاع عن أراضي الجنوب اللبناني، وأنه نظراً للإمكانيات
المتواضعة حينذاك للأفراد في الجنوب اللبناني، وغلبة العوائل والأطفال.. التي تقف
حاجزاً أمام مسألة التفكير في حمل السلاح في وجه العدو الصهيوني الغاصب للأرض! أجاب
سماحته (مضموناً): إن مسألة الدفاع عن المواطن هي كالدفاع عن الوطن، لا تتطلب
تفكيراً.. فالدفاع أولاً، ثم التفكير في كيفية تنفيذ الهجوم وإعداد الوسائل والخطط
العسكرية اللازمة!!
وضرب مثالاً على هذه الحالة، وهي حالة الشعب الفلسطيني قبل عام 1948م، حيث كانوا
يناشدون العرب بضرورة الاجتماع وعقد مؤتمرات السلام دون فائدة تذكر. إلى أن تغيرت
المعادلة كلياً، حين انطلقت الرصاصة الأولى لتحدث تغييراً إستراتيجياً في ميزان
القوى في منطقة الشرق الأوسط، فكان هذا الخيار الوحيد للفلسطينيين الذي أثبت جدواه،
ما دفع بالمقاومة الفلسطينية نحو الإمام.. مُضيفاً، لأنه عندما تستولي إسرائيل على
منطقة الجنوب اللبناني بجباله وبحيراته ومعادنه الوفيرة، فكأنما استولت على 30% من
أراضي العرب، ولزاد رصيدها المالي واحتياطها العسكري.
مشروع وطني لرمز غائب
وينتهي حديث السيد موسى الصدر، ولكن تبقى علامة تعجب كبيرة في ذهني، وكأن حديثه إشارة واضحة للوضع الفلسطيني واللبناني الحاضر.. من أن الخيار السلمي مع إسرائيل أصبح غير مُجدٍ، ولا يمكن حلّ الأمور إلا من خلال الطرق التي من شأنها رد الاعتبار للعرب والمسلمين في المناطق المحتلة. لقد كانت حياة السيد الصدر مليئة بالمشاق والآلام نتيجة الدعوة الصريحة والمناوئة لإسرائيل وللدول العربية التي تقف موقفاً سلبياً إزاء مسألة الشرف والكرامة والوطن.
وينتهي حديث السيد موسى الصدر، ولكن تبقى علامة تعجب كبيرة في ذهني، وكأن حديثه إشارة واضحة للوضع الفلسطيني واللبناني الحاضر.. من أن الخيار السلمي مع إسرائيل أصبح غير مُجدٍ، ولا يمكن حلّ الأمور إلا من خلال الطرق التي من شأنها رد الاعتبار للعرب والمسلمين في المناطق المحتلة. لقد كانت حياة السيد الصدر مليئة بالمشاق والآلام نتيجة الدعوة الصريحة والمناوئة لإسرائيل وللدول العربية التي تقف موقفاً سلبياً إزاء مسألة الشرف والكرامة والوطن.
ولذلك فقد نجحت حركة السيد الصدر في نطاقها الإسلامي الوطني بعيداً عن النطاق
الطائفي والمذهبي الضيّق. فقد حمل السيد الصدر آمال الشعب بأكمله، رافعاً شعار
الدفاع عن قضية المستضعفين في كل مكان، مجسداً قضيته المشرّفة من خلال مواقفه
وخطاباته. ومن المؤسف أن يستمر مسلسل غيابه دون حسم، ويمكن الجزم بأن من مصلحة
إسرائيل وبعض الأطراف العربية تغييب السيد أو تصفيته وإخفاء معالمه.
عناية خاصة لسيد المقاومة
هذه البذرة التي حملها المغيّب السيد موسى الصدر بذرة (حفظ المقاومة الإسلامية)، يرعاها اليوم قائد المقاومة الإسلامية السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، وقد أشار سماحته إلى مدى حضور شخصية الصدر في ذكرياته بقوله: "كانت لدينا صورة للإمام موسى الصدر معلقة على الحائط في المحل. وكنت أجلس على كرسي أمام تلك الصورة وأحملق فيها. ولطالما تمنيت لو أصبح مثله يوما". وكانت الساحة اللبنانية حينذاك مليئة بحركات التحرر والمنظمات الثورية، وانضم نصر الله لحركة أمل بحكم إعجابه الشديد بالإمام موسى الصدر، وهو ما زال في الخامسة عشرة من عمره.
هذه البذرة التي حملها المغيّب السيد موسى الصدر بذرة (حفظ المقاومة الإسلامية)، يرعاها اليوم قائد المقاومة الإسلامية السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، وقد أشار سماحته إلى مدى حضور شخصية الصدر في ذكرياته بقوله: "كانت لدينا صورة للإمام موسى الصدر معلقة على الحائط في المحل. وكنت أجلس على كرسي أمام تلك الصورة وأحملق فيها. ولطالما تمنيت لو أصبح مثله يوما". وكانت الساحة اللبنانية حينذاك مليئة بحركات التحرر والمنظمات الثورية، وانضم نصر الله لحركة أمل بحكم إعجابه الشديد بالإمام موسى الصدر، وهو ما زال في الخامسة عشرة من عمره.
وقد روى سماحته في لقاءات إعلامية بأنه تلقى مساعدة من قبل السيد محمد الغروي
المقرب جداً من السيد موسى الصدر أثناء سفره إلى النجف الأشرف لتلقي العلم، فأعطاه
رسالة توصية للالتحاق بفصول آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر الذي كان يرى
فيه ملامح القيادة المستقبلية. وأثناء دراسة نصرالله بالنجف الأشرف تعرف الى الشهيد
السيد عباس الموسوي، وكانت تلك بداية لصداقة وثيقة بينهم ارتبطت بقضية حفظ المقاومة
والدفاع عن الأرض والكرامة والحقوق المسلوبة امتدت حتى لحظات شهادة شيخ
الشهداء.
وها هو السيد نصر الله يطل علينا من جديد بنصر موعود، ليترجم أمنيّات صديقه عباس
الموسوي ويطمئن محبيه بوصية حفظ المقاومة التي زرعها السيد موسى الصدر.. إنها وصية
الغائب للحاضر، ولا نملك نحن البشر ألا أن نبذر بذور الحب والولاء للشعب اللبناني
المقاوم للكيان الصهيوني والمشروع الأميركي، ونحمل بطاقة زهور لشهداء المقاومة
اللبنانية وشبابها وشيوخها ونسائها.. ولكل إنسان يعيش إنسانيته في معنى وجوده…
وقوّته في إيمانه بعدالة قضيته المشروعة.
فتحية شكر وعرفان للسيد موسى الصدر الصوت الغائب، ورسالة حب وامتنان للرمز
الحاضر سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، فكلاهما اتفقا على حفظ المقاومة
والعناية بميراث الشهداء، وكل المودة والتقدير للشعب اللبناني الذي أثبت أنه دولة
لصناعة الإنسان.
(*) كاتب بحريني
*
صحيفة الانتقاد اللبنانية: