"آلام الحسين" قصة أول فيلم سينمائي لم
يرَ النور
بقلم- أحمد
رضي:
صحيفة الوقت-
العدد (1449) الاثنين 24 صفر 1431 هـ - 8فبراير
2010
بالرغم من الحملة الإعلامية
الكبيرة التي قادها الكيان الصهيوني من أجل منع فيلم (آلام المسيح- العام 2004)
للممثل والمخرج ميل جيبسون بسبب دعوى ‘’معاداة السامية’’، مما تسبب بتأخر ظهوره
بسبب النفوذ القويّ للوبي اليهودي في هوليود. ورغم كل الدعاية المضادة استطاع
الفيلم النجاح بشكل كبير، الأمر الذي يشير إلى تعطش الجمهور الأميركي لمشاهدة
الأشرطة الروحية، مع أن أغلب فقرات الفيلم عبارة عن صور لمشاهد تعذيب نبي الله عيسى
في ساعاته الأخيرة، مع أصوات بكاء ونواح ينفطر لها القلب بحسرة وألم
شديد.
يصف خالد محمد فرح
(صحيفة الصحافة- العدد رقم: 5297) الفيلم بقوله ‘’وكان أشدّ ما لفت انتباهي فيه،
سوى عناصره وميزاته الفنية التي تكاد تبلغ حد الكمال من حيث الإخراج والسيناريو
والتمثيل والموسيقى التصويرية وما إلى ذلك، هو أنني توهمت، لفرط تعلقي الشخصي
بموضوع فقه اللغة (الفيلولوجيا)، والمقابلة بين اللغات وخصوصاً اللغات العروبية، أو
ما تشيع تسميتها باللغات الساميّة، توهمت أنني أستطيع فهم الحوار الذي كان يدور
معظمه باللغة الآرامية التي كانت هي اللغة السائدة في فلسطين في عهد السيد
المسيح’’.
كما أبدى الطاهر
الأسود (باحث تونسي يقيم في أميركا الشمالية) ملاحظاته حول الفيلم بموقع ميدل إست
أونلاين بأنها ‘’حالة لا يعرفها بدقة سوى من عاشوا حدث نزول شريط ‘’الرسالة’’
للمخرج السوري الكبير مصطفى العقاد في قاعات السينما العربية بداية الثمانينات. ولا
ترجع هذه الحرارة الخاصة تجاه الشريط إلى عودة للمشاعر الدينية، فالتعلق بالدين في
الولايات المتحدة، على عكس أوروبا، لم تكن أبداً ظاهرة محدودة أو ضعيفة’’. مضيفاً
بأن قوة الشريط لا تكمن في اعتماد نص سردي معروف كأساس للسيناريو بل في عمله على
إعادة تصوير الوقائع بشكل مؤثر أو تعبيري (ذي صبغة مسرحية أساساً) غير مسبوق وتم
استعمال تقنيتين لتحقيق ذلك: المؤثرات المرئية والسمعية ذات التقنية العالية والذوق
الرفيع. ويلخص الأسود مقاله بأن المشاهد العربي لا يستطيع إلا أن يفطن للهوية
المشرقية للمسيح وتعرضه للعذاب على يد متسلطين مدعومين من قوة كبرى.
من جانب آخر رغم
الفتاوى الدينية التي تمنع تصوير وتجسيد الأنبياء، ألا أن الفيلم مر من دون معارضة
من قبل رجال الدين والحكومات العربية التي تحظر الكتب والأعمال الفنية التي تتعارض
مع الدين الإسلامي. اللهم إلا دول معدودة حظرت عرض الفيلم مثل البحرين والكويت، أما
في مصر، قطر، سوريا، لبنان، الأردن، والإمارات فقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً وقال
موزعوه إنه حقق إيرادات قياسية.
- إشكالية الفيلم الإسلامي :
الموضوع
أعلاه بلا شك يثير لدى الكثيرين هاجس (الفيلم الإسلامي)، ولماذا تأخرنا نحن وتقدم
غيرنا في استغلال الصوت والصورة وصناعة السينما، وهل يخلو تاريخنا الإسلامي من
شخصيات عظيمة يتفق عليها جمهور المسلمين بشتى طوائفهم الدينية والسياسية من أجل
تقديمها للشاشة العربية والعالمية. ألا يثير في النفس قيام بعض العرب بإنتاج
مسلسلات لشخصيات تاريخية مثيرة للجدل مثل (الحجاج، هولاكو، وغيرهم)، ويتجاهلون أعظم
الشخصيات الدينية كالأنبياء وأئمة أهل البيت.
الإمام الحسين
مثلاً، كشخصية إسلامية قيادية لها حضورها في الوجدان الشعبي، امتلكت من مفاتيح
النجاح ما يمكنها من صياغة شخصية الإنسان وتأكيد مبدأ الحرية أمام قوة الباطل
والقهر والظلم. أليس الحسين وهو سبط رسول الله وريحانته، كما قال عنه وعن أخيه
الحسن (هما سيدا شباب أهل الجنة)، و(هما ريحانتاي من الدنيا). والسؤال، هنا هل نقف
أمام تلك العظمة الخالدة كرواية تاريخية نسردها من بطون كتب التراث القديم، أم
نحاول إبراز معانيها الإنسانية ودلالاتها العظيمة بكل صورة ممكنة، وخصوصاً أننا في
مرحلة أحوج ما نحتاج إليه، لأننا أصبحنا في عصر يمجد فيه الطغاة وتروج الفتن، في
عالم متفرق يعيش الضياع ويجهل هويته ومستقبله.
- التاريخ والدم أسئلة دون إجابة :
وإذا نجح العالم
الغربي في إبراز دماء السيد المسيح عبر شاشة السينما ليثير قلوب محبيّه، رغم
الاختلاف الجوهري لقصة النبي عيسى في الديانات الثلاث (الإسلام، المسيحية،
اليهودية). ألا تثار حميّة الدين لدينا اتجاه الدماء البريئة التي تسيل كل يوم في
العراق وفلسطين وفي كل مكان.
وإذا نجح الصهاينة
بتحريض من آلهة الدم والحرب لديهم في صناعة فيلم سينمائي حول أسطورة الهولوكوست،
ألا ينجح أخوتنا العرب في جمع مبلغ مالي، وبعض الكفاءات العلمية والتقنية لصناعة
فيلم سينمائي يمجد استقلال الشعوب وشهداء الحرية والمعتقلين المنسييّن في أقبية
السجون العربية والإسرائيلية.
ولا أستبعد ظهور فئة
تعارض إخراج فيلم سينمائي حول شخصيات أحد الأنبياء أو أئمة أهل البيت لأسباب سياسية
لا تخفى، وقد تكون مسلحة بفتاوى دينية بعدم جواز تجسيد وتصوير الشخصيات الدينية كما
خرج اللوبي الصهيوني لمنع أي فيلم يمس العقيدة اليهودية، ويثير أسئلة حول الحقائق
المسكوت عنها طيلة التاريخ.
- الحسين
شهيداً تجارب ممنوعة :
ولا ننكر بأن هناك
الكثير من الأبحاث والمؤلفات القيمة التي تناولت واقعة عاشوراء والنهضة الحسينية
بجميع أبعادها الفكرية والروحية، شارك فيها المسلمون لعميق انتمائهم العاطفي وحبهم
لأهل بيت النبوة، فقد كتب البعض الكثير من الكتب والقصائد الشعرية التي لا تعد في
واقعة كربلاء والنهضة الحسينية، ونشطت أخيراً حركة المسرح الحسيني بالكويت والبحرين
والسعودية.
ولعل بعض آبائنا
يتذكر تلك الملحمة المسرحية التي ألفها المخرج (عبدالرحمن الشرقاوي) في جزأين
بعنوان ‘’الحسين ثائراً’’ و’’الحسين شهيداً’’ وهي تحكي واقعة كربلاء ومقتل الحسين
بأسلوب أدبي شعري. وما يؤسف له هو الممانعة والتحفظ الذي ما زال سارياً على عرض
المسرحية منذ أكثر من 15 عاماً من قبل مشيخة الأزهر رغم كل النقاش المستفيض حول
النصوص والشخصيات والسيناريو الذي يراعي مشاعر المسلمين. وقد عرضت المسرحية مرة
واحدة فقط وأمرت الرقابة بمنع عرضها حينذاك عندما ضج الناس بالبكاء
والعويل.
وعلى مستوى صناعة
الفيلم الإسلامي تبقى تجربة فيلم (الرسالة) للمخرج المرحوم ‘’مصطفى العقاد’’ تجربة
عربية مميزة نالت استحسان الجميع. وكان العقاد في أواخر سنين حياته يعمل على إخراج
عمل درامي كبير حول الإمام الحسين ولم يتم ذلك للآسف.
وقد قدمت السينما
سابقاً فيلما كارتونيا (محمد خاتم الأنبياء) الذي أنتجته شركة بدر الدولية للإنتاج
السينمائي بالتعاون مع شركة أميركية مختصة، وبعد حصولها على موافقة الأزهر. وتنوي
الشركة إنتاج فيلمين آخرين، الأول بعنوان (سلمان الفارسي) صاحب النبي، والثاني
بعنوان (النساء العظيمات في الإسلام في عهد النبي).
ونشهد اليوم حركة
سريعة في إيران لصناعة أفلام دينية تتناول سيرة أهل البيت، وقد بدأت الجمهورية
نشاطها بتصوير واقعة كربلاء بفيلم ‘’السفير’’ الذي بعثه الإمام الحسين لأهل الكوفة
وكيف قُتل غدراً. وتوالت بعدها أفلام ومسلسلات دينية كثيرة مثل مسلسل الإمام علي،
والإمام الحسن، وغريب طوس، يوم الواقعة، موكب الآباء، كما أبدعت لنا في مسلسلي
(السيدة مريم العذراء، والنبي يوسف) وغيرها.
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=197709