17 أبريل 2009
تجربة «حزب الدّعوة» في
البحرين
فقدان التميّز
الفكري.. والانشغال بالخلافات الحزبية والاجتماعية
بقلم- أحمد
رضي:
* صحيفة الوقت
البحرينية: العدد 1152 الجمعة 21 ربيع الثاني 1430 هـ - 17 أبريل
2009
من الأقوال الشّهيرة للسّيد محمد باقر الصّدر (1980)
قوله ”وأني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي
والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء”.
تبدو الحاجة لفهم منطق الصراع الاجتماعي بين مختلف
المرجعيات الدينية والسياسية في البحرين؛ حاجة مهمة في سياق فهم حركة التاريخ،
ومعرفة أسباب الفشل، وكيفية النهوض عبر مشروع وطني جامع لمختلف أطياف المجتمع
البحريني. وهي مهمة صعبة وعسيرة لمنْ يهتم بتوثيق تاريخ البحرين، وضمن مجتمع مليء
بروح الشقاق والخلاف السياسي والعصبية الحزبية. ومدعاة الصعوبة تكمن في مدى التزام
الباحث والمؤرخ بالأمانة والاستقلال عن ”ميول السلطة أو أهواء الساسة والحزبيين”،
والتمسك بروح النقد الجريء، والموضوعية، والصّدق في نقل حوادث التاريخ دون تحريفها.
وهو ما آليت على نفسي أن أقوله علانية وأكتبه بجرأة قدر
الإمكان.
في هذا السياق، يمكن اعتبار ذكرى شهادة السيد محمد باقر
الصدر المفكر والمرجع الديني؛ بوصفها محطة تاريخية لتذكّر سيرة الصدر الأول،
والاستفاضة من مواقفه المعروفة ومدرسته العلمية ومؤلفاته الخالدة. ولكن كلّ هذا
معروف للقارئ الكريم، ومرتبط بذاكرة أخوتنا في فترة السبعينات والثمانينات. ولذلك
سأعمد إلى طرح مجموعة من النقاط المهمة لإثارة تفكيرنا إزاء واقعنا المأساوي،
مقدمةً لفهم منطق الصراع التاريخي ودراسة أسباب الخلافات الاجتماعية بين مختلف
التيارات السياسية والدينية في البحرين من خلال المرور على تجربة حزب الدعوة في
البحرين.
في مطلع التسعينات، أتذكر عندما كنّا بالمرحلة
الإعدادية والثانوية؛ كنّا نلتحق مع بقية الشباب المراهق للانضمام للدروس الدينية
بمآتم السنابس، ولله الحمد فإن المأتم الحسيني ساهم في تربيتنا وصقل أخلاقنا
وعقولنا وتعليمنا الصلاة وأحكام الدين وأصوله. إلى أن اندلعت أحداث الانتفاضة، مما
اضطر أصحاب مشروع تعليم الصلاة للتوقف الإجباري نتيجة الظروف الأمنية. حينذاك
تعرّفنا على حقائق لم نكن نعلمها أو نعرف تفاصيلها في محيط قريتنا، من قبيل أن
المرحوم أحمد الإسكافي كان عضواً في حزب الدعوة مع بقية رفقائه، وكذلك بالنسبة
للقائمين على حركة أحرار البحرين فأغلبهم من المنتمين لحزب الدعوة (فرع البحرين).
- ضربة قاسية:
ويعلم الجميع بأن حزب الدعوة في البحرين قد تلقى ضربة
قاسية في العام ,1984 حيث جرى اعتقال العشرات من كوادره وإغلاق جمعية التوعية
الإسلامية، وانعزلت الرموز الدعوتية، وتحوّل بعضهم إلى ما يُعرف شعبياً اليوم
بجماعة ”السّفارة”. كما أشيع بأن الشيخ عيسى قاسم قد أُجبر على المغادرة إلى إيران
ضمن تسوية مع الحكومة تقضي باعتزاله العمل السياسي. وفي العام 1985 تأسست حركة
أحرار البحرين الإسلامية الذي كان أغلب أعضائها من بقايا كوادر حزب الدعوة المقيمين
في بريطانيا. الأهم من ذلك أن حزب الدعوة، تاريخياً، انتهى وجوده في البحرين كتنظيم
سري، وأن بقي بعض تلامذته يحملون بعض أفكاره ومبادئه، مثل المرحوم الشيخ عبدالأمير
الجمري والمرحوم الشيخ سليمان المدني، أو ممن مازال يعمل وفق رؤى الحزب بلا تنظيم،
ومنهم الشيخ عيسى أحمد قاسم والسيد عبدالله الغريفي وسعيد الشهابي وآخرين. لذلك من
باب الإنصاف التاريخي لا يمكن القول اليوم بأن حركة أحرار البحرين هي واجهة لحزب
الدعوة، ولكن يمكن القول بأن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية تمثل واجهة لفصيل من
حزب الدعوة الذي يؤمن بولاية الفقيه. فلم يعد حزب الدعوة اليوم كله يتعارض مع مبادئ
وأهداف نظرية ولاية الفقيه، علماً بأن رموز حزب الدعوة كانوا متردّدين أول الأمر
بشأن دعم الثورة الإيرانية الإسلامية وقائدها.
- حزب الدعوة في البحرين لم يتميّز بشكل ملفت للنظر:
ومن الملاحظ بأن تيار حزب الدعوة في البحرين لم يتميّز
بشكل ملفت للنظر، سواء بطرحه لمشاريع ثقافية أو اجتماعية جامعة أو عبر التحرّك
التنظيمي وفق استراتيجية عمل تضمن للحركة الإسلامية تحقيق النجاح، واكتساب نقاط قوة
من خصومها لا من أقرانها وحلفائها. وقد لجأ أفراده الحزبيين إلى سياسة الخصام
والتقاطع مع الآخرين، والرغبة في التفرّد الاجتماعي ومصارعة المنافسين بدعوى
الأكثرية، والأقدمية، والمرجعية الرشيدة، علماً بأنه طوال فترات سابقة لم يكن أفراد
الحزب يتحركون وفق أجندة الفقهاء والمراجع، بل من خلال مبادرات واعية (لرجال دين
وشخصيات اجتماعية وسياسية وقانونية) قامت بتشخيص الواقع وطالبت بإصلاحات معينة، وهو
ما ينكره اليوم أفراد الحزب على الآخرين! مع ملاحظة مهمة بأن حزب الدعوة (الأم) في
العراق وإيران لم يأخذ بمشروع المرجعية الصالحة الذي طرحه الشّهيد الصدر، ولم يخضع
لقيادة مرجعية إلا في الآونة الأخيرة حين قبل بولاية السيد الخامنئي بوساطة قيادات
الدعوة العراقية القديمة، مثل الشيخ محمّد مهدي الآصفي المقيم في مدينة قم المقدسة.
- لا توجد حركة إسلامية بحرينية أصيلة:
ويمكننا اليوم القول؛ لا توجد حركة إسلامية بحرينية
أصيلة تعكس هويّتنا الوطنية، واستقلالنا الثقافي، وحريتنا السياسية، وذلك بسبب غياب
المشروع الإسلامي الواضح الذي يأخذ في الاعتبار عاداتنا وتقاليدنا، وكذلك بسبب
التّهافت والتّسابق غير الشريف بين قادة الحركات الدّينية والسّياسية. كما يمكن
القول بأنه لا يوجد اليوم في البحرين مشروع شعبي وطني يعي مفاهيم بناء دولة حديثة
وحقوق الإنسان والديمقراطية بسبب غلبة الالتقاط الثقافي المضطرب عند الزعامات.
فكانت النتيجة مزرية: أضاع علينا بعض السياسيين ورجال
الدين فرصة المطالبة بالحقوق والحريات بصوت وطني واحد، وأضاعوا علينا حلم الوحدة في
إطار الطائفة الواحدة لمواجهة التحديات المعاصرة. وبقيت الحوزات والمدارس الدينية
بعيدة عن هموم السّاحة المحلية ومشاكلها اليومية. ومنْ آثر دخول الساحة السياسية
فقد دخل مستبدّاً متفرّداً ومتعالياً على رفاق دربه، وكذلك هناك أيضاً من أضاع
بوصلة الطريق، وانشغل وشغل الناس بخلافاته الحزبية والاجتماعية من قادة الجمعيات
الدينية والسياسية. إن الحديث عن تجربة حزب الدعوة (فرع البحرين) بحاجة لبحث تفصيلي
يلقي الضوء على تجربتها التنظيمية، ويكشف لنا أبرز التحديات التي واجهتها طوال
مسيرتها التاريخية، إضافة إلى أهمية قراءة الفكر الحزبي لتيار الدعوة كأحد التيارات
الدينية من أجل التعرف على مجمل نشاط الحركات الإسلامية في تاريخ البحرين السياسي
المعاصر.