بقلم- أحمد رضي (كاتب بحريني):
17 ديسمبر 2008م
مع بداية المشروع الإصلاحي الكارثي الذي وافق عليه بعض قادة المعارضة
البحرانية للآسف، وقادوا حملة جماهيرية لإقناع الشعب بضرورة التصويت لصالح مشروع
الميثاق الوطني دون ضمانات كافية، ودون أخذ الوقت الكافي لدراسة المشروع بجوانبه
القانونية وأبعاده المستقبليةكافة، مع صمت سياسي سلبي لبعض علماء الدين بدعوى عدم
دخول مشروع الانتفاضة في دائرة زعامتهم أو بدعوى اخرى … وصولاً إلى سلسلة من
الأخطاء التي توجب وقفة تأني ولحظة لمراجعة مواقفنا وسلوكنا مع النظام السياسي
والاعتراف بفشل إدارة المعارضة (ما بعد الميثاق) وما نتج عنها من قرارات فردية
متجاهلة لإجماع بقية خطوط المعارضة كافة (الإسلامية واليسارية)، ومن ثم إجراء عملية
محاسبة وتقييم لجميع الأخطاء الفادحة التي وقع فيها رموز المعارضة البحرانية.. وهو
الأمر الوحيد الذي لم يتحقق حتى الآن لمكابرة أصحاب العمائم والمناصب والنفوس التي
تأبى الاعتراف بأخطائها وما نتج عنها من ذمم بشرية ونفوس طاهرة لحقت بربها.. تشكك
في صحة استشهادها أو تهرب من تكليف القصاص الواجب على القاتل والجلاد قبل المصالحة
والمسايرة.. وتسكت عن أخطاء النظام وضرباته المستمرة ضد الشعب الأعزل، وتخشى محاسبة
النظام أو تخطئة الملك أو المطالبة بعزل رئيس الوزراء!!
حينذاك كنت ومجموعة
من الشباب نحمل أوراق لمشروع لم ير النور إلا في عامه الأول، كان الحلم يقضي بتبني
الرموز الدينية والسياسية لمشروع (عيد الشهداء الأول) بعد موافقتهم على مشروع
الميثاق الوطني، وأرسلنا رسائلنا لمعظم أولئك النفر، فمنهم من استجاب مشكوراً ومنهم
من تحفظ وحذر.. قلنا لهم: بأن ملف شهداء البحرين غير قابل للمساومة، وهو ليس ورقة
سياسية تستخدمها الشخصيات المعارضة أو الجمعيات السياسية من أجل الضغط على النظام
السياسي. وصرحت مسبقاً بأننا لا نتفق على رأي بعض رموز المعارضة بـتحزيب القضية،
فلا نريد التضحية بملف الشهداء.. كملف سياسي (تفتحه المعارضة عندما تتلكأ الحكومة
في تنفيذ بعض المطالب)!! بل يجب النظر في الموضوع من جوانبه الإنسانية التاريخية
والوطنية ، قبل دراسة الظروف الموضوعية، والزمان والمكان
المناسب.
وبادر الشباب بحماس
لإحياء مناسبة (يوم الشهيد) لتكريم عوائل الشهداء الذين قدموا حياتهم ودمائهم من
أجل الوطن، وتلبية لواجبهم الشرعي. وكان مشروع الحفل جاهز للتنفيذ بعد أخذ الموافقة
المبدئية من العلماء كالشيخ عبدالأمير الجمري رحمه الله، وعليه تقدمنا بإسم الشباب
وبإسم عوائل الشهداء مخاطبين أحبتنا بخطاب أخوة ومحبة إيمانية للنظر في مسودة
الاحتفال والإطلاع على محتواه وأهدافه. وكان من المقرر أن يقام الاحتفال بمأتم سار
أو جامع الإمام الصادق (عليه السلام) متزامناً مع ذكرى مناسبة وطنية تاريخية أو
حلول ذكرى استشهاد أحد الشهداء وفق الأحداث التالية:
1- ذكرى استشهاد
سعيد الإسكافي: 5/7/2001 (كأول شهيد سقط في السجن).
2- ذكرى الاعتصام:
23/10/2001
3- عيد الشهداء:
16/12/2001
4- سقوط الشهيدين
الهانيين: 17/12/2001
وقد رسمت اللجنة
المنظمة لاحتفال يوم الشهيد (عيد الشهداء) الأهداف العامة للاحتفال كالتالي:
1- إحياء ذكرى شهداء
البحرين بصورة حضارية راقية، وتخليدهم في ذاكرة الأجيال الحاضرة.
2- تكريم عوائل
الشهداء تقديراً لخدماتهم العظيمة وعطائهم الكبير للدين والوطن، وإظهار الجوانب
الإنسانية والحاجات الاجتماعية لهذه الفئة.
3- تركيز مبدأ
الوحدة الإسلامية والوطنية بين جميع التيارات السياسية والدينية (الشيعة والسنة).
4- إقامة الاحتفال
سنوياً على مستوى البلد، من أجل ربط الشارع العام بقضية الشهداء وإحياء ذكراهم في
النفوس، كما يمكن اعتبارها مناسبة تلتف فيها الجماهير مع من يعيش هموم الناس ومصلحة
الوطن.
5- المبادرة بتفعيل
العمل الإسلامي، والتنوع العملي في أساليب الدعوة والمعارضة، كخطاب إسلامي له هويته
المعاصرة.
وقبل إقامة الفعالية
قمت بمعيّة الشباب بنقل مشاعر بعض الآباء والأمهات من (عوائل الشهداء).. الذين
يعتقدون (في لحظة من اللحظات المؤلمة للنفس الإنسانية) أن الناس قد تناستهم في
مرحلة مشروع الميثاق!! كما لفتنا انتباه الرموز الدينية والسياسية إلى حجم المعاناة
الاجتماعية والنفسية لهذه العوائل، الأمر الذي يتطلب تخصيص لجنة أهلية لدراسة
أحوالهم الاقتصادية، ورفع التوصيات للجهات المسؤولة.
ولكن ما يؤسف له هو
أن الاحتفال قد تأجل أكثر من مرة دون إبداء أيّ سبب معقول لنا من قبل أطراف دينية،
وكانت المعطيات السياسية والاجتماعية الجديدة مشجعة للاستمرار في الحفل الذي راعى
خطابه جميع الأطياف السياسية والدينية دون تمييز أو استثناء. وكان من المقرر أن يتم
تشكيل اللجان العاملة بعد الاجتماع العام مع أصحاب الشأن (العلماء والأساتذة
الكرام)، وكذلك إيجاد آلية لتقديم مصادر دعم من قبل الأفراد والمؤسسات لعوائل
الشهداء… ولكن ما حدث من رفض شديد للحوار معنا من قبل أطراف حزبية دفعنا للمغامرة
وإقامة الحفل رغم كل العقبات.
وهكذا بعد إصرار
وإلحاح من طرف الشباب وانسحاب البعض معذورين.. أُقيم الاحتفال المركزي الأول بعنوان
(يوم الشهيد) بجامع الإمام الصادق (ع) بالقفول، مساء يوم الخميس 4/7/2002م، وبعد
ممانعة خفيّة من طرف عمائم دينية واختراق أمني لفعاليات الحفل الذي شارك فيه حينذاك
الأستاذ عبدالوهاب حسين وسلمان كمال الدين ممثلاً عن الجمعية البحرينية لحقوق
الإنسان. وجاء الحفل متزامناً مع ذكرى سقوط الشهيد سعيد الإسكافي كأول شهيد سقط
داخل المعتقل خلال مرحلة (الانتفاضة الشعبية) مما دعا -اللجنة المنظمة- أن تقرر
إقامة الاحتفال بالشكل المستقل عن جميع الضغوط السياسية، وأن يحظى برعاية رجال
الفكر والسياسة، بصورة تشمل جميع الأطياف السياسية والدينية.
وكنّا كشباب فاعل
ومتحرك في مجتمع معاصر لمرحلة الانتفاضة الشعبية وفي إطار المناسبات الإسلامية
والوطنية، كان أملنا أن تكون الاحتفالات الإسلامية والفعاليات الوطنية مستقلة
بذاتها وغير خاضعة لشروط المؤسسات والجمعيات وهيمنة رجل الدين عليها بحكم تعلقنا
بالحسينيات (المأتم الحسيني)، ولكن يبدو أن رياح الحزبية المرجعية قد فرضت أجندة
خاصة على رجال الدين والسياسة وكانت أقوى من طاقتنا كشباب مستقل، ولأن دوافعنا كانت
دينية وطنية بحتة معبرة عن هواجسنا الإنسانية وحبنا للوطن وتعلقنا بمدرسة أهل البيت
(عليهم السلام) دون الرغبة في دخول متاريس الجمعيات السياسية والضياع في دهاليز
الأحزاب السرية ومتاهات الضياع والانحراف وتسقيط كل من يخالفنا في الرأي.. لذلك فضل
معظمنا الابتعاد بهدوء وعدم مزاحمة رجال الدين والسياسية في أماكن يذكر فيها اسم
الله سبحانه وتعالى وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام).
وقد تألمنا كثيراً
بابتعادنا كأصوات وقوى شبابية عن إدارة المناسبات الدينية والوطنية حينذاك بسبب
هيمنة تلك الجمعيات الدينية والسياسية على مواقع الاحتفالات المركزية (كيوم القدس
العالمي بمنطقة البلاد القديم)، أو الضغط على إدارات بعض المآتم الحسينية بشأن قبول
أو رفض أية شخصية تتعارض مصالحها أو مواقفها مع الرموز الدينية والسياسية (كما حدث
في ذكرى تأبين الشهيد محمد الشاخوري) ومواقف أخرى شهدناه بحزن وألم بدأت مع بدايات
التفكير بمشروع يوم الشهيد الأول!!
ختام القول.. كشباب
نؤمن بقناعة تامة أن ما حصل من تطورات سياسية وتاريخية، إنما جاء نتيجة تضحيات
الشهداء وجهود أبناء الوطن المخلصين (في الداخل والخارج). كما نعتقد بأن ملف
(الشهيد والشهادة) هي مسألة تاريخية وأمانة إنسانية، من الواجب إحياؤها بالأساليب
المتحضرة، لتبقى جذوتها باقية ومشتعلة في النفوس. وان يبتعد مشروع احياء هذه
المناسبة عن الاستقطابات السياسية بشتى انواعها حتى نتفوق في جعل هذه المناسبة
مناسبة عامة تضم الحال الديني والوطني بلا دوائر حصر أو فصل
حزبي.
هذا ما عصف بي من
شجون في ذكرى أحبة غادروا الدنيا غدراً ومكراً. وفي لحظة مسكت قلمي وسطرت هذه
الحروف بدموع ساخنة، مصمماً على أن أجعل قلمي سلاحاً أشهره في وجه التخلف السياسي
وأن لا أكتفي بلعن جنود الظلام ومناوشة قادة الجهل والضياع وكل الأصنام
البشرية.
· راجع الوصلات التالية (صوت وصورة) لبعض
فقرات الاحتفال بيوم الشهيد (عيد الشهداء
الأول):
· وراجع
تقرير خبري للوكالة الشيعية
للأنباء: