24 يونيو 2008
بقلم- أحمد رضي
(كاتب صحفي):
من المفاهيم الغائبة عن ذاكرة الشعب البحراني هو غياب الآلية التي تحاسب وتقيّم الممارسة القيادية من جهة، ومن جهة أخرى غياب الضوابط لآهلية القيادة الدينية من عدم أهليتها. وبسبب ذلك يتناسى البعض مع أجواء الحماس الجماهيري وفق عاطفة متأججة تدفع الناس لخوض الطريق المجهول بقصد أو دون قصد، أو يمكنك أن تبحث عن تفسير مقنع يعطيك الإجابة الصريحة على أسباب ضعف وتشتت قوى المعارضة يميناً ويساراً وضياع بوصلة الطريق نحو المستقبل المجهول، أو لعلنا نقنع أنفسنا بأننا كمسلمين (شيعة وسنة) بأننا نسير تبعاً لمخطط مرسوم أو مؤامرة سرية مهدت لنظرية الضياع والشتات التي تعيشه الحركة الوطنية والإسلامية في البحرين؟!.
وعجبي لشعب البحرين
المعروف بتدينه وتسامحه وكرمه وعلو أخلاقه كيف يستسلم أفراده وأحزابه السياسية
لمحرك السلطة الإعلامي وأصواتها الناشزة من حين لآخر بوحي من المنظمات المجهولة أو
التقارير السرية لحكومة خفيّة قيدت عقولنا وشوهت تسامحنا وثقافتنا الدينية..
!!
وعجبي لقومي وما
أكثرهم.. حين تناسوا في لحظات الضعف والهوان كيف قام هؤلاء المرتزقة بإهانة كرامة
الناس والعبث بأمنهم عبر الهجوم المباغت على منازل الأبرياء، والتعديّ فعلاً وقولاً
على تلك المرأة العفيفة بالإهانة والضرب الوحشي.. أو كيف قاموا بضرب الأمهات في
مخدعهم وأمنهم.. أو كيف قاموا بالاعتداء الجنسي على أبناءهم المعتقلين ظلماً وزوراً
وفق اعترافات الضحايا المعتقلين.. وصولاً لمسلسل التطاول على حرمة المقدسات الدينية
ورموزها ومنع إقامة الحسينيات والمساجد.
وسؤالي: كيف تناسى قومي
كل تلك الجرائم وانتفضوا من أجل إهانة مقصودة موجهة لشخصية دينية لها مكانتها
الاجتماعية في قلوب الناس ؟! وهل حرمة دماء الشهداء الذين رحلوا ظلماً وقهراً أغلى
من حياتنا الرخيصة؟! وهل كرامة الناس وحرياتهم الضائعة ودموع الآباء والأمهات على
أبنائهم المعتقلين أو المفقودين بالخارج، أعظم على الله تعالى من إنسان مهان في
الدنيا ومحاسب في الآخرة عن كل ذمم الناس ودماءهم وحياتهم وكرامتهم
؟!
ولا يزول عجبي لقومي حينما تناسوا أن بعض رجال الدين والساسة لهم أخطاء
ميدانية قاتلة على صعيد الحركة الإسلامية، فلم نرَ لهم أي إنجاز علمي أو فكري أو
سياسي، ولدينا للآسف حالات اجتماعية سلبية شاعت فيها ثقافة الإلغاء والتسقيط
والهجوم على التيارات الفكرية والدينية المخالفة لآرائنا أو توجهاتنا العامة،
ولأسباب ذاتية (غير موضوعية) تتعلق بقضايا الصراع الحزبي أو الخلافات الفكرية
العقيمة بين المدارس والحوزات الدينية، أو بغية الحصول على مكسب دنيوي أو منصب هنا
وهناك.. وكل ذلك وغيره أدى إلى تشطير قوى المعارضة وتشتت قواها التنظيمية وضعف
خطابها الداخلي في ظل عدم توحد أجندتها السياسية وضياع أولويات العمل الجامع لكافة
قوى المعارضة الوطنية والإسلامية.
وبالطبع فإن احترام
العلماء وتوقيرهم صفة لأخلاق المسلمين المتعارف عليها، فلا يجوز تسقيط أو إلغاء أو
تجريح أيّ إنسان مهما كانت مرتبته ومكانته الاجتماعية. ولكن ذلك لا يعني عدم توجيه
النقد الموضوعي أو تخطئة ومحاسبة أيّ إنسان مسئول عن مراعاة مصالح الأمة، ولا
يستطيع أيّ عاقل أن يمنع الآخرين من توجيه النقد السياسي أو مخالفة آراء العلماء
بحكم مناصبهم الدينية وموقعهم الاجتماعي.. أنظر للدستور الإيراني القائم على نظرية
ولاية الفقيه فهو يعطي للسيد علي الخامنئي كممثل للمسلمين صلاحيات واسعة، ولكن
سلطاته ومسئولياته تكون تحت عين مجلس الخبراء المكون من فقهاء ومجتهدين كبار يقومون
بمراجعة أعمال الولي الفقيه المعيّن بالانتخاب، ويحاسبوه في حال أخطئ، وقد يعزلوه
في حال فشله في إدارة الدولة الإسلامية.
وبالتالي من حق الأفراد
المؤمنين بولاية الفقيه في البحرين كل الحق بمساءلة رجال الدين والساسة الأجلاء في
حال تكرار فشلهم وكثرة أخطاءهم الفادحة في إدارة اللعبة السياسية، ولهم كل الحق في
تجاوز الخطوط الحمر ومحاسبة القيادة الدينية والسياسية وعزلها من مناصبها في حال
عدم نجاحها في تطبيق برامجها أو أهدافها الممثلة لمصالح الأمة.. كما أن من حق الناس
اختيار النظام السياسي والقيادة الدينية التي تمثل مصالحهم وتعني بحقوقهم وتصون
كرامتهم وحرياتهم الأساسية دون تفرقة أو تمييز.
ختاماً.. كمواطن ما زلت
أبحث عن الحقيقة الضائعة من وحي ذاكرة الإنسان وقراءة تجارب الزمن ومراجعة أسباب
فشله واخفاقه في تحقيق العدالة الإنسانية وإقامة الحكم الإلهي الشامل، حتى أصبحنا
نعيش كغرباء في وطن بات فيه رجال الدين والساسة في موازة أهل السلطة (خطٌ أحمر لا
يجوز المس به أو مخالفته بقول أو عمل فضلاً عن انتقاده ومحاسبته وعزله) في مقابل
كرامة شعب أهدرت دماؤه وكرامته وحريته في سبيل البحث عن وطن يضم جميع
البشر.