20‏/04‏/2008

خطاب الوحدة والشتات لدى المعارضة البحرانية

 للشعب حق النصيحة والتكفير عن خطايا المعارضة لابد منه

بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):
20 أبريل 2008م

يزخر مجتمعنا البحراني بوجود فقهاء وعلماء وشخصيات سياسية وقانونية وأكاديمية لها مكانتها العلمية، والسؤال المطروح هنا: في ظل وجود تعددية فكرية وسياسية داخل الطائفة الشيعية تحديداً، لماذا لم يتبلور حتى الآن (منذ أكثر من نصف قرن) لدى تلك الشخصيات أيّ مشروع وحدة داخلية للنهوض بالطائفة الشيعية ومعالجة قضاياها الوطنية بعيداً عن الأهواء الشخصية أو الحزبية؟! وما هي الموانع الحقيقية وراء تعثر قيام مشروع وحدة داخلي وجلوس المرجعيات الدينية والسياسية كافة على طاولة الحوار والنقاش الجاد حول قضايا الوطن ؟!


• بون شاسع بين النظرية والتطبيق:
خصوصاً ونحن نشهد مظاهر لتجربة وحدة اجتماعية وسياسية كما يحصل في لبنان حيث تعيش المقاومة الإسلامية تجربة وحدة حقيقية بين حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني… ولكننا على مستوى الطائفة الشيعية في البحرين نرى -للآسف- صراع قوى سياسية وشخصيات دينية مع بعضها البعض، فلم ينجح التيار الشيعي في بناء كيان سياسي موحد أو تنظيم يلملم شتات الطائفة الشيعية بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية للمشروع السياسي أو بسبب غلبة الأهواء الشخصية والحزبية، والدليل تلك التجارب الموجودة في واقعنا بدءاً بتجربة جمعية الوفاق الوطني الإسلامي وانشقاق بعض الأخوة (حركة حق) عن الجمعية لاختلاف الرؤى والأساليب في التعاطي مع الملفات الساخنة، وصولاً لتجربة المجلس العلمائي الذي لم ينجح في تنظيم صفوف العلماء الممثلين لمختلف التيارات الدينية في البحرين فضلا عن خلق انسجام تام بين عناصره القيادية الداخلية، وهو الذي يحمل شعار (نحو وحدة وطنية وإسلامية جامعة)!!. (تجدر الإشارة إلى أن معظم العلماء من الوزن الثقيل "حوزوياً" هم خارج دائرة المجلس، كالشيخ عبد الجليل المقداد، سند، نجاتي، وآخرين).

لذلك عندما تنظر لمجتمعنا البحراني تكاد ترى التناقض واضحاً بين النظرية والتطبيق وبين الشعار والواقع، ويتحمل رجال الدين ومن بعدهم الساسة مسئولية تاريخية أمام الأمة لأنهم لم ينجحوا في بناء مشروع وحدة داخلية تعيد للشعب حقوقه الضائعة أمام سلطة أمنية شرسة… ولم ينجحوا في بناء وحدة وطنية تعبر عن طموح الشعب وتضحيات الشهداء الكرام… ولم ينجحوا في تأسيس هوية إسلامية ناهضة في وجه التحديات الفكرية المعاصرة بسبب الانغلاق على الداخل والذات والعداء مع الرأي الآخر، بالرغم من أن مجتمعنا البحراني يزخر بالكثير من الكفاءات الشابة المبدعة على مستوى الأدب والفن والثقافة.. ولم ينجحوا كذلك في توحيد كلمتهم مع رفاق الدرب بخصوص العريضة الشعبية المطالبة بتنحية رئيس الوزراء… ولم ينجحوا أيضاً في بناء أيّ مشروع خيري استثماري أو تأسيس شركة مالية نظيفة لمساعدة الفقراء والمحتاجين… ولم ينجحوا في رفع المستوى العلمي والفقهي للكادر العلمائي الذي يدير المناطق في المدن والقرى… فهل نكون مجحفين عندما نصف الحركة الإسلامية في البحرين بأنها مجرد حركة كشافة وصلاة جمعة وخطب شكلية فقط لا مقصد بعيد لها غير الاصطفاف الحزبي والفئوي!!
 
• ضياع الأولويات سمة للحركة الإسلامية:
أقصى حالات الانفلات في مجتمعنا البحراني ما نشهده من قبل المجلس العلمائي الذي يعيش حال تخبط وانشقاق وضياع بشأن ضبط الاتجاه المرجعي الفقهي والسياسي وتحديد الأولويات الوطنية التي تتعلق بمصير أمة تعيش حال من الاحتقان السياسي الخطير. ففي حين يخرج الناس بمسيرة شعبية تطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكشف قتلة الشهيد علي جاسم والتحقيق في جرائم الانتهاك الجنسي مع السجناء… نرى رئيس المجلس العلمائي الشيخ عيسى أحمد قاسم يدعو للخروج بمسيرة غير مكلفة سياسياً، كمسيرة التنديد والاستنكار للإساءة المتوالية في الصحف الدنماركية للرسول الأكرم (ص)، تحت عنوان ( لبيك يا رسول الله ) !!


وقد طرح أحد الأخوة بملتقى البحرين الإلكتروني سؤال مفاده: "عندما نهتف لبيك يا محمد (ص).. فهل نحن حقيقة نمتثل لما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يقول من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، فأين هو الاهتمام بسجنائنا السياسيين الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والاعتداءات الجنسية.. أو ليسوا مسلمين.. أين اهتمامنا بهم.. لماذا لم يدع المجلس العلمائي لمسيرات مساندة لعوائل المعتقلين.. أين هو عن قضايانا الملحة.. فعندما نهتف لبيك يا محمد.. يجب أن يكون هتافاً مجسداً على أرض الواقع، فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منهُ عضو تداعى لهُ سائر الجسد بالسهر والحمى.. فأين هو التداعي لقضية المعتقلين وهي قضية تحمل بعداً إنسانياً بالدرجة الأولى.. أين هي الهمم للمطالبة بالافراج عنهم..؟". (انتهى كلامه).

وتعليقي أنه لا يوجد أيّ مانع لنا كأفراد أو جمعيات بإصدار بيان أو الخروج بمسيرة شعبية لدعم القضية الفلسطينية أو حتى تأييد استقلال كوسوفو من باب مناصرة القضايا الإنسانية… ولكن علينا أن لا ننسى الملفات الساخنة العالقة التي تنال كل يوم من انسانيتنا ووطنيتنا، وأن لا ننسى حرمة الدماء وكرامة المسلمين في وطننا العزيز.


• الحد الفاصل بين الدين والسياسة :
المسائل الداخلية مثل العلاقة الحساسة بين الحركات الإسلامية في البحرين يختلط فيها البعد الديني والسياسي، وتصبح الرؤية غير واضحة عند البعض.. بالرغم من شعارات الإصلاح والوحدة الوطنية والإسلامية، ألا أننا لم نشهد أي مشروع وحدة يعيد شتات المعارضة ويجمع الطوائف والأجناس حول ملفات ساخنة قد تشكل نقطة إجماع وطني لم تتحقق ألا في بعض المحطات التاريخية النادرة، وكنت قد ذكرت في مناسبة (تأبين المرحوم عبدالأمير العرب قبل شهور مضت) بأن هناك الكثير من الحقائق المتعلقة بتاريخ الحركة الإسلامية ودور الأحزاب فيها والأهداف السرية لها، والتنافس غير الشريف بين زعمائها الأوائل… وهي أمور يجب أن نسلط الضوء عليها بأمانة وموضوعية إنصافاً للتاريخ والجيل القادم الذي سيطالبنا بالحقيقة، وان نعي أيضاً ان هذه التصورات الخاطئة التي تربينا عليها عن الرأي الآخر والفريق الآخر هي ما يمنع وحدتنا الداخلية ويجعل عدونا يلعب بنا مثل الكرة في ملعب السياسة غير النظيف!!

وواقعنا المأساوي يشهد بأننا نتغنى بشعارات الوحدة وروح الجماعة… ولكننا على مستوى الواقع نخادع أنفسنا، لأن قادتنا ما زالوا يستنكفون الحوار واللقاء مع رموز التيارات الأخرى كالتيار الشيرازي أو المدني أو حركة حق مثلاً. فعندما نختلف فكرياً أو ميدانياً مع أيّ تيار ديني أو سياسي، فهذا لا يعني عدم إمكانية لقائنا وحوارنا مع رموزه وأفراده، ما دام الاختلاف لا يتجاوز الثوابت العقائدية والأخلاقية للدين الإسلامي. ولعلنا نستذكر تجربة المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري في مسعاه الكريم لتوحيد الصف الداخلي مع التيارات الأخرى (شيعة وسنة)، وهي تجربة للآسف توقفت بعد رحيله بسبب الميول الحزبية الضيقة والاختلاف المنهجي والمرجعي في تفكير الرموز الدينية والسياسية الحالية، وتقاطعهم الشديد مع أخوتهم قبل نظرائهم في الفكر والعقيدة والسياسة. لذلك علينا كأفراد وجماعات أن ندعو علماءنا ورموزنا السياسية بتوحيد جهودهم والحوار مع الفرقاء (شيعة وسنة)، واللقاء العملي (داخل البيت الشيعي تحديداً) لتحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة التي ضحى من أجلها شهداء الوطن.

• مواجهة الذات قبل محاسبة السلطة:
منذ بداية الانتفاضة الشعبية أواخر عام 1994 وحتى 2008م لم يتم فتح ومراجعة العديد من الملفات الساخنة مثل: قضية البطالة والفساد المستشري في القطاعين العام والخاص.. قضية تعويض الشهداء والمعذبين والمبعدين.. قضية التجنيس السياسي والتمييز الطائفي.. وملف تقرير البندر الخطير.. قضية الفقر وغلاء المعيشة.. قضية المعتقلين السياسيين… وغيرها من القضايا التي لم تنجح الحكومة ولا المعارضة الداخلية في معالجتها بالطرق الرسمية او السلمية الاحتجاجية. وبالتالي ما نريده من رجال الدين والسياسة والقانون.. هو الكشف عن مكامن الخطأ على الصعيدين الذاتي والموضوعي بوضوح، ومصارحة عقول الناس بجرأة حول أسباب الخلاف ومن ثم الفشل، وآلية بناء الوحدة الداخلية المعبرة عن هويتنا الإسلامية الأصيلة.. وقبل كل ذلك الاعتراف بالخطأ ومحاسبة الذات تواضعا لحق الناس في النصيحة، والتوقف عن جلد الاخرين وتحميلهم خطايا الاخفاق هروباً عن الحقيقة المؤلمة، وتحمل المسئولية كاملة أمام عامة الناس بكل أمانة وقبل فوات الآوان.. فما ننشده هو الحقيقة ولا شيء غيرها.