محاكمة الدولة والمعارضة البحرينية.. ماذا وراء التحولات السياسية في البحرين؟!
بقلم- أحمد رضي (كاتب
صحفي):
موقع
منتديات البحرين- 23/9/2004م
للوهلة الأولى يدرك المتأمل في واقع التحولات التي شهدتها البحرين على الصعيد السياسي والاجتماعي بعد طرح مشروع الميثاق الوطني، أن هذه المتغيرات الهامة تخفيّ ورائها الكثير من الأسرار الخفيّة والحقائق المجهولة التي تعمد البعض إخفاء أوراقها عن قواعده الشعبية، سواء من قبل السلطة الحاكمة أو من قبل قوى المعارضة السياسية حينذاك. وقد أرتأيت الحديث حول هذه الأوراق إجمالاً، وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، نظراً لما تتطلبه النزاهة الصحفية من التجرد عن الذات، ونقد الواقع السياسي والاجتماعي في البحرين بكل صدق وأمانة.
وانطلاقاً من مبدأ الأمانة وحفظ الحقوق والواجبات أرى أن كل إنسان منّا مطالب من
منطلق التكليف الشرعي والمسئولية الوطنية بكشف جميع الحقائق للناس، وتدوين الحوادث
والمواقف التي تؤرخ لفترة الانتفاضة الشعبية، وضرورة إطلاع الناس على طبيعة
التحالفات السرية التي حاكها النظام الحاكم مع بعض رموز المعارضة السياسية، وضرورة
كشف التداعيات السلبية للمشروع الإصلاحي وبيان خلفياته المرسومة ضمن اللعبة
السياسية. وهذه المساءلة النقدية لرموز النظام الحاكم وقادة المعارضة البحرينية
تأتي في سياق المعالجة التاريخية لتداعيات التحول السياسي السريع في البحرين، إلى
جانب تفكك الحركة الإسلامية الداخلية واختلاف مرجعياتها الدينية والسياسية وعدم
وضوح أولوياتها ضمن خطابها الإعلامي، بالإضافة إلى ضياع ثقافة المشروع الوطني
المؤسس لحركة معارضة دستورية شعبية.
فما يريده المواطن ببساطة في هذه المرحلة يتمثل بتعديل مسار الحركة السياسية
الدستورية وإعادة الحقوق لأصحابها وصيانة الأعراض ورد الاعتبار لجميع الضحايا
والمعذبين الذين لم تندمل جروحهم وآلامهم بعد، بالإضافة إلى إشعار المواطن بالأمن
والآمان بمحاسبة الرموز الأمنية، وإلغاء سياسة التمييز الطائفي، والقضاء على مظاهر
الفساد الإداري والأخلاقي في مجتمعنا البحريني المسلم.
وكل هذه المطالب
المشروعة وغيرها، لن يتسنى تحقيقها بين جميع المواطنين ومنظومة الجمعيات الحقوقية
والسياسية ألا بتضافر الجهود مع كل محاولة جادّة لإصلاح الأوضاع الداخلية، ومحاولة
نقد التجربة الإصلاحية وتقويمها وفق المعطيات السياسية الجديدة بما لا ينتقص من
حقوق الشعب وتضحيات أبناء الوطن. وهو أمر يتطلب شجاعة وإرادة جماعية لمحاربة كل
أوجه الفساد السياسي والاقتصادي، ومساءلة العائلة الحاكمة على كل تصرفاتها وأعمالها
في إطار مرجعية القانون (الدستور) وقنوات الشرعية الدولية. لذلك فإن أيّ محاولة
لنقد التجربة السياسية في هذه المرحلة، سوف تساهم –بلا شك- في إحداث عملية التوزان
بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية، مما يمكن اعتباره عامل مساعد على خلق قاعدة
شعبية تتقبل عملية الإصلاح بالطرق الشرعية، وتساهم بفعالية في صنع التغيير الإيجابي
المنشود لبناء الوطن دون النظر لفوارق الطائفة أو العرق أو القبيلة.
وقد عبرت العديد من الشخصيات في مناسبات عديدة (قبل وبعد مرحلة الميثاق) عن
مظاهر قلقها إزاء عجلة بعض الرموز الدينية (أصحاب المبادرة) في اتخاذ القرارات
المصيرية، ورضوخ بعض قادة المعارضة السياسية في الخارج إلى منطق التحولات السريعة
وقبول الأمر الواقع دون ضمانات مستقبلية كافية. فجاءت الأحداث المتلاحقة والمبادرات
الحكومية لتصيغ اللعبة السياسية التي أوقعت جميع القوى الدينية والسياسية في حالة
ضياع وإرباك كبير.
الأمر الذى أعطى للنظام الحاكم مشروعية صياغة اللعبة السياسية، مما أضاع الفرصة
على المعارضة الداخلية والخارجية في حرية صنع القرار الشعبي والمساهمة في صياغة عقد
دستوري شرعي يحوز على ثقة أغلبية الشعب البحريني. فكان الأولى لحركة المعارضة
السياسية في بداية تحولها الداخلي أن تسعى أولاً لمناقشة الأوضاع الجديدة وترتيب
أوراق البيت الداخلي مع كافة العناصر السياسية والدينية على ضوء المبادرات الحكومية
حينذاك، ومحاولة نقد التجربة السياسية بعين مفتوحة على ذاكرة الوطن وشهدائه الأبرار
وبقلب يبصر بواقعية مستقبل الجيل القادم.
ولكن وسط
غبار هذه اللعبة السياسية، تبقى هناك ملامح مميزة وجديرة بالتأمل في الخطاب الديني
والسياسي للحركة الإسلامية، وخصوصاً لدى بعض الشخصيات التي عارضت مشروع الميثاق
الوطني بشكل صريح كموقف المعارضة البحرينية ممثلة في (الدكتور سعيد الشهابي)، أو
التحفظ والتشكيك التي أبدته الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ممثلة حينذاك في
(الشيخ محمد علي المحفوظ والأستاذ كريم المحروس)، بالإضافة إلى مظاهر القلق والترقب
في خطاب (الأستاذ عبد الوهاب حسين)، أو (الشيخ عيسى أحمد قاسم) الذي آثر الصمت
بناءاً على توجيهات أصحاب المبادرة حينذاك.
والغريب في الأمر أن يعتقد البعض بأن المشروع الإصلاحي في البحرين أنما جاء وفق
منظور سياسي حكيم لقائد عسكري، أراد بحسن نية فتح صفحة جديدة مع الشعب، فأغدق عليه
من مكارمه ومبادراته الكريمة. وتناسوا تماماً أن تلك العقلية القمعية ذاتها لا
تختلف في تفكيرها وتعاملها مع الشعب عن السلف السابق، حين كان محل سخط وتذمر شعبي
نتيجة القرارات الغير واضحة في التعامل مع الأشقاء العرب، أو من خلال تهديده
الإعلامي بسحق قرى ومدن الشيعة أثناء فترة أحداث الانتفاضة الشعبية الداميّة
!!.
ومن جانب آخر يشير بعض المراقبين السياسيين بأن التحولات التي شهدتها البحرين،
أنما جاءت وفق ظروف المرحلة السياسية التي ترسمها الإدارة الأميركية بناءاً على
المخطط الجديد لإعادة رسم خارطة المنطقة العربية للسيطرة على منابع النفط والأموال
الخليجية، وفرض الهيمنة العسكرية والاقتصادية على دول المنطقة شرق أوسطية، والعمل
على احتواء عناصر المعارضة السياسية التي تثير قلق الأنظمة الحاكمة في الخليج
العربي، والتي تقف في طليعتها (المعارضة البحرينية) الأكثر بروزاً وحضوراً على
الصعيد الميداني والإعلامي، والمعروف عنها تمسكها بالوسائل المشروعة في الإصلاح
والتغيير السياسي وممارسة الاحتجاج السياسي بالشكل الحضاري وفق هويتها العربية
والإسلامية.
ولا يخفى علينا أيضاً تلك العلاقة الحميمة للعائلة الخليفية الحاكمة مع المملكة
المتحدة (بريطانيا العظمى) ودور الجهاز السريّ (المخابرات) في صنع الأحداث الداخلية
بالتعاون مع قيادة الأمن الخاص الذي أنشاه أيان هندرسون سابقاً لحماية مصالح
العائلة الحاكمة وضمان بقاءها على قمة السلطة.
وكمواطنين ما زلنا ننتظر مبادرة المعارضة البحرينية بكشف كافة الملفات الساخنة،
وإزاحة الستار عن الواقع السياسي والتاريخي لشعب البحرين العريق، والعمل على فضح
الأفراد والمنظمات والمؤسسات التي ساعدت أو مهدت لتدهور الأوضاع الداخلية، وسيادة
مظاهر الفساد السياسي وغياب مبادئ حقوق الإنسان في ظل حكم العائلة الخليفية طوال
نصف قرن مضى. لذلك نحن بحاجة ماسة لممارسة عملية النقد الذاتي لكافة مفردات الحركة
الوطنية والإسلامية واستنطاق رموزها الدينية والسياسية، والعمل على بناء القاعدة
الاجتماعية وصياغة خطاب إسلامي معاصر لمواكبة مجمل التغيرات السياسية التي تفرضها
وقائع الأحداث المحلية والعالمية.
أنها مسئولية كبيرة سوف تحاسبنا عليها الأجيال القادمة، ويحاسبنا عليها
الله سبحانه وتعالى. لذا يجب أن لا نغفل عن دورنا الوطني وتكليفنا الشرعي بالسعيّ
الجاد لتحقيق مطلب الحياة الكريمة والعادلة لهذا الشعب المسلم الذي دافع عن هويته
ومبادئه وقيمه الأخلاقية طوال مراحل وجوده عبر التاريخ. وحتى لا يصبح كأيّ يوم من
الأيام السالفة في ذاكرة النسيان والضياع أو كتاريخ مجهول نحكيّ قصصه وحوادثه
للأجيال القادمة بكل خجل وخوف!!
أنها تذكرة لمن شاء ذلك أو
آبى.