بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):
الوكالة الشيعية للأنباء-
20/7/2002م.
مرت علينا الذكرى الأولى ليوم الشهيد وسط تطورات سياسية واجتماعية هامة تشهدها الساحة البحرينية، وقد تسنى لي المشاركة في فعاليات الاحتفال المركزي الأول، والذي أقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بمنطقة القفول، انطلاقاً من اعتبار الخامس من يوليو من كل عام هو محطة تاريخية من حق الشعب البحريني الاحتفاء بها. وتأتي ذكرى يوم الشهيد في إطار الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة التعذيب، وذكرى سقوط أول شهيد داخل المعتقل السياسي خلال سنوات الانتفاضة الشعبية في البحرين، وكتعبير حيّ عن النسيج الاجتماعي والتنوع السياسي الرافض لكل محاولات استغلال الذكرى كورقة سياسية.
· أجواء الذكرى والمحنة الأليمة:
خلال أجواء الاحتفال طافت بنا الذكرى على سنوات الانتفاضة الشعبية، لنتذكر صور النضال السياسي والاجتماعي لجميع شهداء الوطن الذين صنعوا بدمائهم حريتنا واستقلالنا. وبدت أجواء الاحتفال العام كأنها تظاهرة شعبية سلمية توحدت فيها كافة الطوائف الدينية والتيارات السياسية، والتي تتفق على أهمية استغلال المناسبة بالشكل الحضاري الذي يعكس مبدأ الإخلاص والوفاء لشهدائنا الأبرار بعد سنين المعاناة والتضحية، وطوال مسيرة الجهاد السياسي والنضال الاجتماعي. وصدق تعالى القائل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون)
وتأتي الذكرى الأولى ليوم الشهيد في الوقت الذي تعيش فيه البحرين اليوم، مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، وبناء المجتمع المدني بما يعني ذلك تنوع الأدوار وأساليب العمل الإسلامي. وأننا -كشباب- نؤمن بقناعة تامة أن ما حصل من تطورات سياسية وتاريخية، إنما جاء نتيجة تضحيات الشهداء وجهود أبناء الوطن المخلصين (في الداخل والخارج). فكل هذه الإنجازات إنما هي استجابة إلهية لدعاء المظلومين ودماء الشهداء ومعاناة السجناء ودموع الأمهات وصبر الآباء وتضحيات أبناء الوطن المخلصين. وهي نتاج طبيعي لصراع متواصل من أجل الحياة الكريمة العادلة، وهو أمر يستوجب الشكر لدوام التوفيق وبقاء النعم. فالحمد والشكر لله تعالى على ما منحنا من نعمه وإحسانه، وتحية صادقة لكل إنسان مخلص أحب دينه ووطنه ورسالته.
· تجربة شبابية ناجحة:
وقد جاء الاحتفال كخلاصة لجهود شباب مخلص أحب دينه ووطنه، فقد سبق أن تحرك هؤلاء الشباب بحماس لإحياء مناسبة (يوم الشهيد) لتكريم عوائل الشهداء الذين قدموا حياتهم ودمائهم من أجل الوطن، وتلبية لواجبهم الشرعي، ولكن لظروف موضوعية وسياسية تأجل الاحتفال أكثر من مرة. وبعد مرور عام كامل حدثت معطيات سياسية واجتماعية جديدة (مناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، وذكرى سقوط الشهيد سعيد الإسكافي كأول شهيد سقط داخل المعتقل خلال فترة الانتفاضة الشعبية) مما دعا -اللجنة المنظمة- أن تقرر إقامة الاحتفال بالشكل المستقل عن جميع الضغوط السياسية، وأن يحظى برعاية رجال الفكر والسياسة، بصورة تشمل جميع الأطياف السياسية والدينية.
لذلك قد لا نتفق على رأي من يرى بإمكانية "تسييس ملف الشهيد"، فلا نريد التضحية بملف الشهداء.. كملف سياسي (تفتحه المعارضة عندما تتلكأ الحكومة في تنفيذ بعض المطالب)!! بل يجب النظر في الموضوع من جوانبه الإنسانية، ودراسة الظروف الموضوعية، وأن يكون في الزمان والمكان المناسب. فملف (الشهيد والشهادة) هي مسألة تاريخية وأمانة إنسانية وطنية، ومن الواجب إحياؤها بالأساليب المتحضرة، لتبقى جذوتها باقية ومشتعلة في النفوس. فالجميع يتفق على أهمية المناسبة وضرورة استغلاله بالشكل الحضاري الذي يكرس وعي الأمة اتجاه مطالبها الشرعية وحرياتها الأساسية.
· الشهيد الحيّ.. ومحاسبة الجلاد:
لا شك بأن جميع قوى المعارضة السياسية تدرك بأنها بصدد مرحلة جديدة من العمل السياسي بعد سلسلة من الاخفاقات على الصعيد السياسي والاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تعاطي العمل السياسي بأساليب جديدة وتفعيل أدوات المشاركة في صنع القرار الشعبي. ومن متطلبات هذه المرحلة وجوب التخلق بأخلاق الله تعالى، والتمسك بأخلاق وعادات شعبنا المسلم، والعمل على تحقيق العدل الاجتماعي والسياسي.
ومن قبيل الإنصاف أن يكون هناك إصرار على محاسبة المخطئ؛ لأن طيّ صفحات الماضي ونسيان الجروح لن يكون مقبولاً على حساب أية مساومة سياسية. ولن يكون أمراً سهلاً ما دامت عوائل الشهداء -حتى الآن- تبكي أحبابها في كل مناسبة فرح أو حزن، ولن يكون سهلاً ما لم يتم تعويض كل متضرر في بدنه ونفسه وروحه.. فهذه الدماء التي أزهقت من أجل حريتكم وحياتكم.. هذه التضحيات أهون على الله من كل هذه الأمور. فصوتكم وقراركم سيكون بمثابة حياتكم وحريتكم المرهونة بدماء الشهداء وتضحيات أبناء الوطن المخلصين.
ومن جانب آخر.. أود أن أنقل لكم مشاعر بعض الآباء والأمهات من (عوائل الشهداء).. الذين يعتقدون (في لحظة من اللحظات المؤلمة للنفس الإنسانية) أن الناس قد تناستهم في مرحلة مشروع الميثاق!! كما ألفت نظركم إلى حجم المعاناة الاجتماعية والنفسية لهذه العوائل، مما يتطلب تخصيص لجنة أهلية لدراسة أحوالهم الاقتصادية، ورفع التوصيات للجهات المسؤولة. لذلك أتمنى من جميع المواطنين بمختلف أطيافهم السياسية والدينية عدم التضحية بهذا الملف الخطير، لأنه أمانة وطنية بد من الحفاظ عليه، وواجب شرعي لتكريس حقوقنا وحرياتنا.
ولذلك ندعو الجمعيات السياسية والحقوقية لدراسة الآثار النفسية والفكرية في مرحلة (قانون أمن الدولة)، والتي تركت بصماتها واضحة على عقل الطفل والشاب والشيخ. ومحاولة معرفة أسباب الأزمة وطرق علاجها وتفادي ردود الفعل المستقبلية. لذلك فإن المعارضة السياسية والجمعيات الأهلية مطالبة بالحفاظ على أصالتها السياسية والفكرية، وعدم غلق ملف حقوق الإنسان، والسعي لرسم رؤية مستقبلية لمناطق اللقاء والصراع، وتشكيل جبهة مصالحة وطنية للحفاظ على بقاءها في الساحة السياسية وضمان وجودها الشعبي.
· كلمة أخيرة:
سوف يأتي يوم لا بد منه لنتحمل مسئوليتنا الشرعية من منطلق إيماننا بالله تعالى وبواجبنا اتجاه الأمة بكل أفرادها، فنحن اليوم أحوج ما نحتاج لوحدة الموقف ووحدة الكلمة، تعبيراً عن صدق نوايانا اتجاه قضايانا ومبادئنا، وإخلاصاً لطريق مهده الشهداء بدمائهم وتضحيات جسدها أبناء الوطن المخلصين.
فتحية صادقة لكل أبناء الوطن المخلصين، وتحية خالصة لجميع شهدائنا الأبرار، ولكل إنسان ضحى من أجل دينه ووطنه. ونسأله تعالى أن يوحد صفوفنا ويفرق عدونا، وأن ينصرنا -آجلاً أم عاجلاً- على من ظلمنا. وأن يثبتنا في مواقع البلاء، ويصبرنا لما هو خيرٌ لعاقبة الأمور. وأن يجعلنا من أنصار الإمام الحجة (عجل الله فرجه) ومن أخلص أصحابه وخدمه، أنه سميعٌ مجيب، والحمد لله رب العالمين.