02‏/05‏/2018

القراصنة الجدد


القراصنة الجدد
 
بقلم: أحمد رضي (كاتب بحريني)
على هامش زيارتي متحف بحري في أنطاليا بتركيا استوقفني تمثال جميل لقرصان ليس له هوية محددة، تأملت التمثال وأنا أفكر في واقعنا المعاصر وأتساءل: هل انتهى زمن القراصنة؟ أم لا زال القرصان يحكم عالمنا بصور عصرية مبتكرة وأساليب خداع جديدة بهدف السيطرة على الشعوب والهيمنة على حرياتها؟
حاضر في السينما
ولعل غالبية القراء الأعزاء شاهدوا في طفولتهم المسلسل الكارتوني الرائع «جزيرة الكنز»، وتفاعلوا مع شخصية «القبطان سلفر»، وصديقه المغامر الصغير «جيم هوكنز»، والمسلسل مقتبس من رواية مغامرات من تأليف الكاتب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون، وقد نُشِرت الرواية أول مرة عام 1883.
وربما نستذكر مسلسل الكارتون الرائع «عدنان ولينا» الذي أخرجه أشهر مخرجي ورسامي الرسوم المتحركة اليابانية المخرج ميازاكي عام 1977، وعُرِض مدبلجًا بالثمانينيات في العالم العربي، وضم المسلسل شخصية «القبطان نامق» الذي أداها الفنان جاسم النبهان؛ إذ يظهر بمواقفه الظريفة وخفة الدم وحب مساعدة الناس.

كذلك لعل غالبيتنا شاهد مؤخرًا سلسلة أفلام «قراصنة الكاريبي» من بطولة «جاك سبارو» المُستوحَى من شخصية قرصان إنجليزي مشهور اسمه «جاك وارد» الذي عاش خلال نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، ومات في تونس عندما كانت تحت الحكم العثماني (حسب موسوعة ويكبيديا).
هذه الأعمال السينمائية والكارتونية تتداخل وموضوع مقالي حول القرصان والقرصنة؛ فقد توسع مفهوم القرصنة عبر التاريخ القديم والحديث، فالقرصنة بدأت بسرقة القرصان في البحر من قبل لص متمرد أو عميل منشق على القانون، وتوسعت للقرصنة البرية والإلكترونية.
القرصنة نظام عصابات
والقرصنة تتضمن وجود قرصان بمثابة رئيس وقد يعين له مساعدًا، بالإضافة إلى وجود أتباع «مرتزقة» ينفذون أوامره بطاعة عمياء كقطع الطرق، ونصب الكمائن، وسرقة المسافرين، أو نهب أموالهم وممتلكاتهم، وأسر الضحايا، وأحيانًا ممارسة القتل خارج القانون. ونظام القرصنة لا يعترف بالقوانين الشرعية أو الوضعية، ولا مبادئ حقوق الإنسان المُقرَّة، وهو صورة عملية لنظام العصابات المتمردة التي يمكن أن تهجم على مناطق يملكها أقوام وشعوب أخرى بهدف الاستملاك والسرقة وزيادة الثروات. ولا غروَ أن يكون ثمة نظام خاص بالقراصنة وهي قواعد تنظيمية؛ لتثبيت حكمهم ونشر قواعدهم بقوة النار والفتك والظلم، مع امتلاكهم أسلحة، وربما دعمًا من قراصنة أكبر من بلاد وبحار أخرى.
والقرصان يأتي غالبًا من بيئة مختلفة اجتماعيًّا عن الطبقة العاملة وفئات الكادحين والفقراء المعدمين. وهو يجيد لعبة توزيع الوعود وبناء صورة وهمية عن الغد الجميل الذي لم يأتِ بعد. كما يقوم القرصان بتركيز الثروة في يد فئة قليلة ليس لديها هوية أو انتماء لأرض أو وطن، وبالتالي حصر السلطات في نطاق ضيّق غير ديمقراطي، ولا يمانع من إصدار تشريعات وقوانين لتعزيز الهيمنة والسيطرة.
إن نظام القرصنة هذا ما زال مستمرًا في بلاد وبحار عدة عبر العالم، غير أن القراصنة القدماء خرجوا من مساحة البحار إلى البر، وقاموا بجرائم قتل ونهب وسرقة وفساد كبير دون اعتراف بالأديان إلا شِرعة المنفعة المادية الخاصة، وقد اشتهر بعضهم أيام الدولة العثمانية.
كان القراصنة بالزمن السابق لا يكترثون بسلطة خارج حدود سلطتهم على سفينتهم وأتباعهم، ويرفضون تمرد أتباعهم عبر إسكاتهم بالعطايا والمنح والوعود بالثراء. مع احتمال وجود ضحايا ضمن الأتباع سلبهم القرصان سفنهم وأراضيهم، وفي محاولة انعتاقهم للحرية تظهر وحشية القرصان وظلمه الفاحش. فعالمهم الأول هو البحر، ولكن مع تطور عالم القراصنة الجدد تطورت أساليبهم بالسيطرة والغزو برًّا وبحرًا، واستغلال كل منافذ السلطة، والسيطرة على الشعوب ومقدراتها.
يخيفه وعي الجمهور
لذلك يتجاهل القراصنة الجدد مسألة الفقر والتفاوت الطبقي لدى العامة، مع إدراكهم أن الثروات الموجودة تكفي حاجات الجميع مع سيادة العدالة، وبحال ظهور بوادر احتجاج أو ثورة فإنهم يقومون بقمعها مباشرة دون تفاوض أو تسوية، أو يتبعون سياسة الاحتواء والتفرقة ونشر وعود لا تنتهي. لذا فإن أكبر سبب يخاف منه القرصان هو وعي الجمهور الواقع بالظلم بعدم شرعيته ووجوب وقف فساده وطغيانه، بسبب خروجه على القانون ومصادرته لثروات وممتلكات العامة بدون وجه حق.
والغريب أنه بعد مرور أجيال وظهور دول وسقوط أنظمة وبقاء القرصان ذكرى لتاريخ مضى يُذكَر بالمتاحف وكتب التاريخ القديم، طوّر جيل القراصنة الجدد أساليبهم بشكل متواصل وصور جديدة وطرق مبتكرة، بل ما زال القراصنة الجدد يحكمون البر والبحر وحتى الجو، ويستمر الصراع معهم لحين تسود قيم العدل والحرية والسلام.
·        موقع ساسة بوست:

15‏/03‏/2018

معاناة المواطن البحراني… آل سهوان مثالاً

معاناة المواطن البحراني… آل سهوان مثالاً

بقلم: أحمد رضي
كاتب من البحرين
تعود سابق معرفتي بآل سهوان الكرام إلى بداية التحاقي بالدروس الدينية بحسينية بن خميس وبلدة السنابس في مطلع التسعينات تقريباً، حيث كانوا مثالاً للأخوة الناشطين في مجال العمل الإسلامي والمبادرة التطوعية لخدمة الناس، فيما أمتاز ثلاثة منهم بحكم كونهم (رواديد حسينيين) مما جعل شهرتهم الاجتماعية تتجاوز حدود البحرين لتصل إلى بعض دول الخليج والعراق ولبنان والمنطقة الشرقية. وقد ظهرت علامات التدين والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) عليهم واضحة منذ صغرهم، بفضل رعاية والدهم المرحوم والخطيب الحسيني المعروف الملا حسن سهوان السنابسي البحراني رحمه الله.

ولا يخفي علينا ماهية الصعوبات والأزمات الأمنية التي تعترض سبيل الناشطين في العمل الإسلامي، ويمكن ملاحظتها خصوصاً مع بداية الثمانيات بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ووصولاً إلى منتصف التسعينات حيث انفجرت الانتفاضة الشعبية في البحرين، حيث تعرض الأخوة (آل سهوان) كغيرهم من البحرانيين للاعتقال التعسفي والتعذيب البدني والنفسي في أكثر من مرحلة زمنية، ولما ضاقت سبل المعيشة في الوطن السليب هاجر بعضهم، (الحاج جعفر وأحمد وحسين) للخارج بحثاً عن عمل يؤمن لهم لقمة العيش والحياة الكريمة في أرض الله الواسعة. فعاشوا في الغربة سنيناً طويلة، تقاطعت فيها أيام قاموا برحلات قصيرة لزيارة وطنهم وأهلهم وأحبتهم الأعزاء، أو المشاركة حيناً في المناسبات الدينية والاجتماعية ومواكب العزاء الحسيني. ولمن لا يعلم؛ فإن الحاج جعفر سهوان هو أول رادود حسيني أدخل القصيدة السياسية ضمن قصائد الموكب الحسيني قبل ٣٥ عاماً وفي فترة أمنية حساسة جداً في الثمانينات بسبب قانون أمن الدولة، وتبعه أخوه حسين ومهدي بأصواتهم المميزة، وهي تجربة تستحق التأمل والدراسة.

وما يهمني هنا الوقوف لحظات لقراءة معاناة إنسانية ومحنة مؤلمة ما زال يعيشها الأخوة  آل سهوان.. من الحرمان من الخدمات الأساسية التي يستحقها المواطن والحرمان من التوظيف والإسكان ومنع بعضهم من السفر للخارج بسبب القوائم الأمنية، إلى جانب تعرضهم عدة مرات للسجن والتوقيف بسبب دورهم الاجتماعي والديني.. ومع ذلك عاشت عائلة آل سهوان – صغيرهم وكبيرهم، نساؤهم ورجالهم – ظروف صعبة لم يفقدوا صبرهم ولم تضعف عزيمتهم، وفي أقسى الظروف كنت أراهم بوجه بشوش يبادرون بالسلام وطيب الكلام وأحلاه، ويفتحون مجالسهم للجميع بمحبة وكرم، وهذا يذكرنا بأخلاق شيعة الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهم السلام.

وقد تعرض آل سهوان في خضم انشغالهم بالعمل الإسلامي لمواقف وأحداث وأخطاء كأيّ بشر، وهم ولله الحمد واعين لكل الآراء المتباينة في المجتمع البحراني، ويتقبلون النقد بصدر واسع وهو ما نحسبه لهم كعقلاء حباً وتقديراً لعلاقة أخوية صادقة نعتز بها.

من جانب آخر؛ أريد أن أقف بإيجاز على بعض محطات الحياة للشهيد السعيد محمد سهوان رحمه الله. كان المأتم او الحسينية هو المحطة الأولى التي جمعتنا وعرفتنا به كأخ وصديق عزيز إلى جانب كونه ناشطا اجتماعيا وفنانا ملتزما برسالته الهادفة. وقد تعرض رحمه الله للسجن مراراً منذ فترة الانتفاضة الشعبية بالتسعينات وحتى مرحلة ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١. كنا نراه مع الشباب في أحلامهم.. وفي ملعب الكرة، وقائداً بالكشافة، وحاضراً بالمسجد ومواكب العزاء ورحلات وفعاليات القرية. وكان رحمه الله يستقبل الجميع كضيوف وأحبة في مجلسه الأسبوعي بإسكان السنابس، وكان في دوار اللؤلؤة يعيش أحلام الوطن بالحرية والكرامة ويطالب بحقوق شعبه. وكان محباً للقضية الفلسطينية ومتابعا لها، وسمّى ابنه (قسام) نسبة للشهيد عز الدين القسام القائد بحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين.

الشهيد محمد سهوان ضحية من ضحايا النظام في البحرين، ومثال صارخ لإهمال علاج المعتقلين المرضى وسوء أحوال السجون في البحرين، فقد شاء القدر أن يُطارد من قبل النظام الحاكم ويصاب بـ ٨٠ شظية من رصاص الشوزن بمنطقة الرأس والرقبة، ويعتقل لاحقاً في دولة قطر ويحكم عليه بالسجن ١٠ سنوات، تعرض خلالها لتعذيب بدني ونفسي شديد. وكان رحمه الله يعاني من آلام الإصابة وإهمال علاجه في سجون سيئة. وطوال سنوات تجاهل النظام نداءات إنسانية وبيانات حقوقية تدعو لعلاج محمد سهوان كحق طبيعي، إلا أن النظام أصر على إهماله وعدم علاجه. وكانت آخر أيام لقائي به في سجن الحوض الجاف عام ٢٠١٢ قبل أن يحاكم وينقل لسجن جو. كان أبا قسام بمثابة الأب الذي يلجأ إليه الجميع لحل مشاكلهم الخاصة أو إيصال رسائلهم لإدارة السجن أو خلق الابتسامة في أوضاع حزينة ومؤلمة. كانت رسالته نشر الابتسامة والأمل حتى في أقسى لحظات الألم والظلم.

أخونا الصديق العزيز الشهيد محمد سهوان.. ستبقى حياً ونحن الأموات.. ستبقى ابتسامتك علامة حب للجميع.. وسيبقى ألمك شهادة ألم الوطن السليب.. السلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً. لقد رحلت عند ربك ومحبوبك وسنشتاق لك يا آبا قسام، وستبقى ابتسامتك خالدة في قلوبنا رغم جراح الألم.. وصبراً صبراً يا آل سهوان.. وهنيئاً لكم شهادة أخيكم أبي قسام رحمه الله.

* صحيفة البحرين اليوم الإلكترونية:
https://www.bahrainalyoum.co.uk/?p=100888

01‏/07‏/2017

الحقيقة.. ما هي الحقيقة ؟!

الحقيقة.. ما هي الحقيقة ؟!

بقلم- أحمد رضي (كاتب بحريني)

سؤال طالما حير البشرية وأتعب عقول الفلاسفة والمفكرين والباحثين عن إشارة تدلهم على الطريق الصحيح. فهناك من بدأ رحلة البحث عن الحقيقة بالنظر لذاته ونفسه، أو بالنظر في محيطه الاجتماعي والإنساني، وآخرين تاهوا في فك أسرار النجوم وطلاسم الفلك والأكوان الواسعة. وبعيداً عن هؤلاء.. تساءلت في نفسي ما هي الحقيقة ؟! ولماذا أسعى إليها بكل شوق وشغف ؟!
أهي ذاك النداء الفطري الذي يخاطب القلب بلغة غير مفهومة، ويسيطر على مشاعري وأحاسيسي؟! أم هو ذاك الصوت المتناغم مع روحي، ويدفعني للمغامرة في طريق الخطر، وهو طريق صعب يتجنبه معظم الناس الراغبين في الراحة والحياة البسيطة. 
لن أتكلم هنا بلغة صعبة كلغة المفكرين والفلاسفة حتى لا نضيع وراء أسئلة لا جواب لها، ولكني سأدفع عقلي وروحي لطرح أسئلتي بحثاً عن الجواب.. وعن الحكمة في منطق الأشياء، والغاية من حياة نعيشها وندعيّ جهلاً أو زوراً أننا نعرف أولها وآخرها، ونخدع أنفسنا بتصوير وجودنا في محيط الجنة والنار بمجرد جرة قلم أو هوى قلب، ونحن نجهل موقعنا الحالي في عالم الوجود بحرارته وناره المستعرة هنا وهناك في فضاء واسع جداً.
سأتواضع وأقول بأني لم أجد الحقيقة وهو كذلك فعلاً، ومن يدعيّ الوصول لها قد يكون كاذباً!! لأن الوصول للحقيقة يعني انتفاء لحظة وجود الإنسان في هذه الحياة القصيرة، وان أقصى ما نصل إليه هو القناعة بضعف عقولنا عن إدراك الحقيقة الكاملة والمجردة من أهواءنا وذواتنا. 
وللحقيقة وجهان (نورٌ ونار).. نورٌ يقذفه الخالق المعبود في قلب مخلوقه وعبده، إذا أحبه بصدق وأخلص له في السر والعلن. وقد يكون نار تحرق صاحبها إذا تجاوز عمداً حدود مملكة الإرادة البشرية، وخاض بجهله في التصرف بإرادة البشر، وتاه ضياعاً بدون غاية في الحياة.
والحقيقة مثل الذهب ينشدها كل باحث عن الجوهر الأصيل، الذي لا يخالطه زور أو بهتان.. لأنها تعبر عن مكنون الإنسان الحقيقي وفطرته الصافية المحبة للوجود الأسمى وللخالق سبحانه وتعالى. 
والحقيقة كالنجم المضيء في فضاء واسع يسافر لها الحالم ليكتشف في النهاية أنه لم يخطو ألا الخطوة الأولى ليعرف نفسه.. وحينها ينفطر القلب حزناً.. ويتوجع كمداً وألماً على تقصيره وتفريطه في حق ربه.. وتعجز الدموع عن التعبير ورسم أسطورة الحب الأسمى (كما فعل جلجامش في رحلة الخلود).
وللحقيقة معلمها الأول الذي لا يغيب، وهو حاضرٌ حين نطلبه أو ندعوه بصدق. فقد نعجز عن رؤية الشمس خلف السحاب الممطرة، ولكنها موجودة غير غائبة، ويصلنا شعاع نورها المضيء. وقد تكون الحقيقة صعبة للبعض، ولكنها دليل الباحث عن الغاية (العدل، السلام، الحرية).. وهي هدف شرعي وثوري لقلب موازين الأمة وجعلها ترجع لروحها وعقلها.
ولطالما أتعبني البحث عن الحقيقة، وأسهرتني ليلاً، وأدمعت عيني حزناً.. وبقدر ما تكون رحلة البحث عن الحقيقة متعبة وصعبة، ألا أنها تستحق المحاولة تلو المحاولة، ومن هنا تكتسب الحياة صفاءها ومعناها السامي، وتستحق أن نعيشها بحضورنا ووعينا وروحنا المدركة لها حتى اللحظة الأخيرة.
ألا يعتقد القارئ الكريم معي بأن الحقيقة هي طريق الخلاص للبشرية عندما نعرف الإجابة على (الأيانات الثلاث) إذا صح التعبير.. وهي (من أين؟، وإلي أين، وفي أين)، كما صرح بها مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حين قال: (رحم الله من عَرفَ من أين، وفي أين، وإلى أين؟).
ختاماً.. لن أسرف في الحديث حول الحقيقة.. فالحديث ذو شجون. 
وسأكتفي بمقولة الإمام الصادق (عليه السلام): (وجدت علم الناس كلهم في أربع: أن تعرف ربّك، أن تعرف ما صنع بك، أن تعرف ما أراد منك، أن تعرف ما يخرجك من دينك). 
وعليه توكلت على خالقي ومعبودي فهو وكيلي ومعتمدي ورجائي في الدنيا والآخرة، فقد وجدت في حديث الصادق المصدق خير معين للبحث عن الحقيقة، وأروع بداية لكل حائر أو تائه أو باحث عن الطريق السليم.. وقد تكون هناك بقية لحديثي طالما حييّت كباحث عن الحقيقة.
http://www.c-karbala.com/arabic/news/706

 

 

15‏/06‏/2017

خواطر من وحي الألم الإنساني

يا غاية آمال العارفين
خواطر من وحي الألم الإنساني
بقلم: أحمد رضي (كاتب بحريني)
@ahmeddi99

كلمات بسيطة أهديها إلى كل القلوب المتألمة المظلومة والصابرة على البلاء.. وإلى ذوي الشهداء والمعتقلين والمفقودين والمحاصرين والمهجرين قسرا.. وإلى كل متألم وحزين وفاقد لحبيب يجد بكلماتي العزاء والصبر الجميل وباب للدعاء بالفرج.
أتساءل.. لماذا يتألم الإنسان؟!
هل الألم قرين الإنسان منذ لحظة ولادته؟! هل هو قدر يرسم حياة البعض منا؟ ما هو ألمك.. لماذا تخفيه في قلبك.. لماذا تهرب منه؟!
هناك شي مشترك بين أناس كثيرين، أنهم يتألمون بصمت ولا يفهمون لماذا ولأجل ماذا؟!
ألم إنساني عميق يتجاوز فهمنا العقلي ويمس أرواحنا، لهذا تعذبنا مشاعر الفقد والغياب والانتظار والتوق الروحي للعدالة والكمال.
تأخذنا مشاعر الألم لننظر بصورة عميقة في صفحات أنفسنا لنفهم معنى الحياة وفلسفة الوجود، ونكتشف معنى الحب الحقيقي.. مفهوم الحرية.. التوق لعالم أفضل.
كل إنسان تمر عليه لحظات ألم، يكشف عن صراع في نفسه أو عمله أو حياته.. يجلب له الهم والأرق والحزن الشديد. ولكل ألم حكاية وقصة لم تروى بعد لأنها تظل حبيسة قلب صاحبها.. ذكرياتها تجلب العذاب والشقاء ودواؤها النسيان ومتابعة الحياة بأمل وإيمان وصبر والتعلم من تجارب الحياة.
أن تعيش الألم يعني أن تموت في كل حين.. عند اقترابك لذاتك تفزع وتخاف من الحقيقة.. جوهرك غامض وعزلتك تزيد وحدتك. الألم يجعلك تعيش صراع أفكار ومشاعر متناقضة.. لا تفهم نفسك ولا أحد يفهمك كما أنت.. لا يفهمون صمتك ولا يفقهون وحدتك ولا يدركون سبب غربتك.
الألم يفتح بصيرة قلبك للمستقبل.. يجعلك أقوى وأكثر عزماً وصبراً وقوة. الألم قد يكون وهماً عليك تجاوزه وعدم التفكير به.. كثيرة هي الآلام التي يخلقها الوهم ويجعلها واقع.
الألم حكاية من الحكايات في كتاب الحياة، تقرأها بروحك وقلبك وعقلك.. الألم قد يكون أحياناً نقطة البداية للتغيير ومسك الختام لكل إنسان نجح بالتعامل معه بحكمة وتخلص منه، وتخلص من أفكاره السلبية وأوهامه.
الألم مثل المعلم الذي يقسو عليك أحيانا، يعلمك فلسفة الحياة.. قد ترفض الألم في البداية ولكنك تتقبله لاحقاً وتتعايش معه وتتفهم ضرورته وحسناته وسيئاته.. لتكتشف أسرار ذاتك وقوة صبرك وإيمانك.
لماذا نتألم.. لماذا أرواحنا تتعذب حباً وعشقاً.. لماذا تتجرع قلوبنا الغصة والشوق والحنين.. لماذا ترسم دموعنا خواطر أفكارنا.. هل سيطول ألم الفقد والفراق والانتظار.. ومتى يبزغ نور الفجر ويفصح القدر عن أسراره؟!
يحيرني مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من بين كل عظماء البشرية.. حياته قصة ألم وعذاب من أجل الحبيب الأوحد.. كان الدعاء لسان حاله.. عجز أصحابه المقربين عن فهم معدن حكمته وكشف أسراره.. كان يعيش وحدة الغرباء في هذه الأرض، يحمل شعور السجين بين الأحياء.. يبث حزنه وهمه لأحبابه بعد أن فارقه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. وحزن أكثر بعد وفاة زوجته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وهو القائل: فَقْدُ الاْحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
كان عليه السلام يخرج وحده ليلاً.. يناجي ربه ويدعوه متضرعاً.. ماذا يقول روحي فداه.. هل سجلت السماء حديثه.. وهل تفقه النجوم كنه صمته وتأمله وهو يدرك سر العالم الأكبر.. وهل أنصت ورق الشجر لأنينه.. وهل يفقه الحجر والتراب والماء أنين فؤداه الحزين؟ وبماذا أبلغ القرآن الناطق ليوصل رسالته لأوصيائه وآخر سلالته الشريفة.. كيف لقلب يحمل علم الأولين والآخرين أن يعيش هذه الغربة والوحدة القاتلة؟ كيف لقلب موحد أن لا يتألم وهو يطلب رضا ربه والفوز برضوانه ولقائه بدار السلام.
أتساءل كيف يتحمل القلب والعقل ما يستبصره من علوم ومعارف وأنباء المستقبل؟! كان يعلم بمقتل أولاده واستشهادهم بين مسموم وقتيل وسجين.. كان يعلم أن آخرهم سيغيب طويلاً، وما أدراك ألم الغياب وفقد الحبيب ووحشة الطريق.. ألمُ عظيم بحجم اتساع الكون وامتداد التاريخ البشري وسعة القلب الإنساني.
كان قلب الإمام علي روحي فداه منبع للحنان والرحمة والعاطفة الإنسانية.. كان يتألم لجوع الأيتام ويخرج ليلا يتفقد أحوال الفقراء.. يلاعب الصغار الذين فقدوا آبائهم في الحروب.. يساعد إحداهن على تجهيز الطعام.. يتذكر نار الآخرة وهو بالدنيا تقيا ورعا نقيا.. يتكلم بلسان الغرباء وخطبة المتقين وفصاحة نهج البلاغة.
ينظر للسماء ويتأمل النجوم.. لعله يستقرأ المستقبل ويستبصر أحوال الأمم القادمة.. ولعله يعرف بأنه سيستشهد في بيت الله كما ولد في بيت الله.. لعله يعلم بأن ولده الإمام الحسن عليه السلام سوف يستشهد مسموماً.. وأبنه سيد الشهداء الإمام الحسين يستشهد قتيلا عطشانا جائعا مظلوماً في ساحة كربلاء، ويبكيه أبنه علي السجاد بكاء الفاقدين.. ولعله يعلم أن ابنته السيدة زينب سوف تسبى كأسيرة من بلد إلى بلد مع أهل بيتها.. لعله يعلم بأن جميع الأئمة الاثنا عشر من صلبه قضوا شهداء لله بكرامة وعزة، وسيخلد شيعتهم ذكرهم بحسينيات ومآتم خالدة حتى يومنا هذا.. وستتم مطاردة شيعته ومحاربة محبيه بالقتل والتعذيب والتصفية بشتى الوسائل طوال سنوات وقرون.. ولعله يعلم أن آخر أبناءه غائب وينتظر الظهور حسب وصايا الأولين والآخرين.
أو لعله يحزن ويتألم في محيط وجوده المفتقر بذاته لكمال خالقه وغاية وجوده.. هل هو حيّ أم ميت حين يفوته جمال معرفة ربه ونفسه بعمره القصير، أم يحزن حزن النبي يعقوب ويفقد بصره حين غاب ولده النبي يوسف عليهما السلام.. وهو مولى الموحدين الحزين العاشق لبعده عن سيده وفراق حبيبه حين يناجيه يا ربي.. يا غاية آمال العارفين. ويبث بعض أحزانه بلسان الدعاء لمريديه كميل بن زياد وأبي حمزة الثمالي. وحتى لحظة ضربه بالسيف على رأسه وهو ساجد لله يصلي، أنفصل عن ذاته بلحظات الألم وقال كلماته المشهورة: فزت ورب الكعبة.. فكيف لا يتألم المحب الموالي لصاحب هذا القلب الإنساني العظيم ويبكيّه حباً ودماً.. يحتار الفكر لعظمة أمير المؤمنين عليه السلام ..السلام عليك يا سيدي ومولاي.
الألم درس عظيم يدفعك لمقاومة الفشل.. كن أنت أقوى منه.. توقف عن الرثاء لنفسك ومعاتبة الآخرين. قد تكون وحيداً وغريباً بين البشر، ولكنك لست وحدك.. هناك كثيرون يتألمون ويصارعون لفهم ألمهم.. هناك من يخسر نفسه وتضيع حياته بحثاً عن الهدف، وهناك من ينجح بالتعامل مع الألم وفهم نفسه والتعايش مع مشاعر الوحدة والغربة.. ويصبح أقوى لأنه انتصر على ألمه ولا يخاف منه.. الألم ربما يكون أكبر معلم لك لتواصل طريقك وترافق الغرباء أمثالك وتعيش لله بحثاً عن الحكمة والحقيقة.. الألم مثل الشمعة اجعلها نور يضيء طريقك ولا تجعلها نار تحرق روحك وحياتك القصيرة.
لا تعش وحيدا بعد اليوم.. أطوِ صفحة الألم بروح التحدي والأمل بالله، ولولا الأمل لمات الإنسان. أزرع الحب والخير في نفسك ليثمر زهراً طيباً. الحب والدعاء والصلاة أقوى علاج للألم.. لا تهرب منه. أفتح قلبك وأطرد الحزن وأحلم بالغد السعيد.. فالألم يصنع العظماء والحلم يصنع الغد الجميل الذي لم نعشه بعد. ثق بالله وبنفسك وآمن بحكمة القدر وأحسن الظن بجميل فعل الخالق، وسترى العجائب تلون صفحة حياتك وقلبك.. هنيئاً للغرباء وحدتهم وألمهم.. لا تنسوني من دعواتكم الطيبة.

* منشور بموقع مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للعتبة الحسينية المقدسة:

 http://c-karbala.com/arabic/news/701

05‏/12‏/2016

آخر تغريداتي بخصوص قرار منع السفر ضد النشطاء في البحرين

أحمد رضي (إعلامي) آخر تغريداتي بخصوص قرار منع السفر ضد النشطاء في البحرين
ahmeddi99@

أسوا ما يعانيه النشطاء الحقوقيين والإعلاميين في البحرين هو استمرار الرقابة والاقصاء والترهيب بالاعتقال والمحاكمات و#سحب_الجنسية و#منع_السفر

إجراء #منع_السفر في #البحرين عقاب يستهدف النشطاء يتم بدون دعوى قانونية ومخالف لتشريعات #حقوق_الإنسان

أوجه سؤال مباشر إلى وزير الداخلية والأمن والنيابة العامة.. ما هو مبرر منع سفري للخارج ووضع إسمي ضمن القائمة السوداء ومنع دخولي لدول الخليج؟!

كمعتقل سابق ومتضرر من تصرفات موظفي الداخلية.. هل سيتم التحقيق معي بشأن شكوى سابقة قدمتها للنيابة بسبب سجني وتعذيبي ومصادرة ممتلكات شخصية؟

وهل سيتم التحقيق مع من تسبب بأذيتي واصابتي بأمراض وعاهات خطيرة؟ أو أن قرار منع سفري واتهامي بالتجمهر مؤخرا هو عقاب لكل ناشط أو مواطن مظلوم

النظام تسبب لي بضرر بدني ومعنوي،فأنا مصاب بأزمة قلبية وفقدت السمع بإحدى اذناي وضعف نظر وضيق تنفس بسبب السجن والتعذيب،فهل سيعاقب من أجرم بحقي

قلت لرجل الأمن: قل لمسئولك بأني لا أخاف سواء سجنت أو عذبت أو تم منع سفري.. سأواصل نشاطي لأني مؤمن بقضية وطني وحقوقه ولا يهمني ما يحدث لي

ذهبت قبل أيام للنيابة العامة وبعد انتظار ٣ ساعات سمح لي بمقابلة وكيل النيابة، وتم إتهامي ظلما وزورا بقضية تجمهر ونفيت التهمة جملة وتفصيلا

أخبرني وكيل النيابة برفع منع السفر قريباً ولكن من دون تأكيد (قد تكون هناك ممانعة من جهة عليا) والتحقيق كان سريعاً،لم يستغرق ألا ١٠ دقائق فقط

تم اتهامي بالتجمهر بدون فتح ملف للقضية أو ذكر تفاصيل أو حتى التوقيع على محضر التحقيق!! مما أثار استغرابي وأكد شكي أنه للتغطية على منع سفري

التحقيق معي غرضه تبرير قرار منع السفر بإلصاق تهمة جنائية باطلة ضدي بدون أدلة ووقائع حقيقية،وختاما طلبت من وكيل النيابة رفع المنع ونفيت التهم

هذا التصرف المريب ضد النشطاء لا يعكس وجود نظام يستند لقانون عادل أو وجود قضية متماسكة الأدلة والمصادر بل مجرد إتهامات باطلة يسهل نفيها

والاحتمال الأكبر أن توجيه تهمة جنائية لي يراد منه التغطية على سبب منعي من السفر، ويبدو أن الاستهداف الأمني المباشر ضد النشطاء سيتواصل

تواصل الاستهداف يؤكد نية النظام على أخذ خطوات عقابية ضد النشطاء قبل الجلسات القادمة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وقبل انعقاد قمة مجلس التعاون

قرار منع السفر والاستدعاء للتحقيق شمل عشرات النشطاء والحقوقيين في البحرين، بالإضافة لتعميم القائمة السوداء بدول الخليج العربي لمنع دخولهم

يقوم النظام بتعميم أن كافة النشطاء ممنوعين من السفر لاتهامهم بإذاعة أخبار كاذبة والتحريض على كراهية النظام وإهانة هيئة حكومية والتجمهر!!

وهي ذات التهم التي استخدمها منذ حوالي 6 أعوام بدون دليل قانوني للزج بالنشطاء في السجن ومنعهم من السفر بسبب نشاطهم الحقوقي والإعلامي

الأحرى بالنظام وقف الانتهاكات الحقوقية والمخالفات القانونية والقيود التي تفرضها على حرية التعبير والتجمع السلمي والحراك السياسي للجمعيات

ووقف الانتهاكات بشأن حرية الصحافة والنشر وحرية التنقل وحرية إقامة الشعائر الدينية وحرية العمل والدراسة والسكن ضد كافة أفراد الشعب البحريني

قرار منع السفر مخالف للدستور والقانون البحريني الذي يفترض أن المنع من السفر بناء على دعوى قائمة من قبل جهات قضائية مستقلة

مناشدات المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية تكررت كثيرا بأن تحترم سلطات البحرين الدستور والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والقانون المحلي

ما يؤسف له أن البرلمان يشارك الحكومة في تقييد الحريات والحقوق وتمرير كافة القوانين التي أفضت إلى دخول الكثير إلى السجن وفقد جنسياتهم

النظام يتعسف بإستخدام سلطة القانون ومنع نشطاء المجتمع المدني من السفر دون توضيح أسباب المنع، والأحرى به التحقيق بشكاوى التعذيب وسجن الأبرياء

والأحرى بالنظام البحريني استيعاب التطورات العالمية وفهم طبيعة الحراك الشعبي والسعي لتأسيس دولة القانون ووقف الانتهاكات الحقوقية
#كفاية_ظلم

15‏/10‏/2015

شيعني الحسين في كربلاء

مقال قديم أعيد نشره للفائدة والذكرى..

شيعني الحسين في كربلاء
أحمد رضي (كاتب بحريني):
1/1/2014
هي رحلة مختلفة عن سابقتها، زرتها منذ أكثر من 15 عاماً قبل سقوط النظام البعثي الظالم، وأزورها اليوم في أوج تألقها ومجدها القديم.. هي مدينة كربلاء بالعراق الشقيق.

وصلت لمطار النجف وسارت الأمور بخير رغم تواضع المطار وسوء نظام توزيع الحقائب، وتجاذبني السواق خارج المطار لتوصيلي بأسعارهم المرتفعة. أردت زيارة مدينة كربلاء محطتي الأولى، وكم أشتاق لزيارة سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليه السلام وشم عبق البطولة والإباء والعزة والكرامة.. روحٌ تشربت بحب البيت الهاشمي العلوي الطاهر، كيف لا تكره الظلم وتحارب أهله وتمقت أنصاف الحلول.

وطوال مسيرة الطريق تقاطعت بنا السبل من سيارة إلى أخرى بسبب نقاط التفتيش الأمنية، وأثناء المسير رأيت المشاية (كباراً وصغاراً ونساءً) يمشون لمسافة طويلة في رحلة قد تستغرق أيام بطريق طويل يمر بمضايف واستراحات تعكس الكرم العراقي وحبهم لخدمة زوار العتبات المقدسة بمدينة كربلاء.

وقبل وصولي لكربلاء اضطرت أن أمشي مع المشاية حاملاً حقيبتي الكبيرة، وكانت تجربة جميلة وممتعة رغم التعب ومشقة السفر. أحسست بروح تدب في أوصالي تدفعني شوقاً للمسير نحو الحبيب، وإرادة قوية نفضت عني تعب الرحلة.. ورغم برودة الجو وقسوته إلا أن زوار العتبات وعموم الشعب العراقي بمختلف طوائفه وعشائره يتشرف بالمشاركة بهذه المسيرة الطويلة، هي رحلة دينية طويلة تذكرني بمقام المسير بالحج الأكبر أو بتلبية النداء لصاحب العصر والزمان الإمام المهدي المنتظر روحي فداه. ملايين تزحف نحو كربلاء مهد الثورة الحسينية ونقطة التحول الكبرى في الإسلام والعلامة التاريخية الفارقة التي رسمت ملامح الإسلام حيث انتصر الدم على السيف في كربلاء، وخلقت في قلوب محبي الإمام الحسين عليه السلام حرارة لم تنطفئ أبدا.. هو الحب في أجلى صوره، حب خالي من الأنا وأبعد من الذات وأكبر من المصلحة، يجعلك تذوب بحبٍ خالصٍ صافٍ فتسمو بروحك للسماء، فتعانق جوهر ذاتك الحقيقية، لتكتشف نفسك والغاية من وجودك ودورك في الحياة.

لمحت من بعيد القبة الذهبية للمقامين الحسيني والعباسي، انتفض جسدي برعشة غريبة وزادت ضربات قلبي وأخذني الحماس والفرح العارم.. استغرب المحيطون بي، وكأنهم يقولون هل هذا مجنون؟! ماذا أصابه؟! نعم إنه جنون الحب والمعرفة والمثال الذي يتجاوز المادة والواقع ليكون في مقام التصديق والإيمان والتسليم المطلق. ذلك هو جوهر العاطفة الواعية للهدف والمبدأ والرسالة.. فعندما يقرر المقاوم دخول المعركة أو الميدان وهو مدرك بأن موته حياة وشهادته لوجه الله تعالى، وكذلك زيارتك لسيد الشهداء فهي تزرع في نفسك معنى الحب السامي والعشق الحقيقي والفداء والتسليم المطلق.. حرارة كقبس نور يشع في قلبك فلا تعرف سره أو كنهه!!

في كربلاء سيدرك البعض معنى الحزن الحقيقي والغربة وفقدان الأحبة، وكيف عاصر أهل بيت الهاشمي مصيبة مقتل الإمام الحسين (ع) الذي بكاها جده الرسول (ص) من قبل، وما هو الدور الثوري لأخته السيدة زينب عليهم السلام في كشف زيف الإعلام الأموي، وكيف عاشوا بعدها في محنة الأسر والحزن والشقاء الطويل، وقضى أئمة أهل البيت (ع) نحبهم بين المطاردة الأمنية والسجن أو الشهادة في سبيل الله تعالى.

في كربلاء تتأمل موقف آخر أئمة أهل البيت (ع) الإمام المهدي (ع) الغائب الذي ينتظر العالم ظهوره لنشر العدل وحكم الأنبياء والانتصار لثأر الإمام الحسين (ع) وسيادة دولة الرسول (ص).. أليس هو القائل روحي فداه بدعاء الندبة نادباً الإمام الحسين (ع): " لأبكين عليك بدل الدموع دماً.." حرقة قلب تجعلك تتألم بشدة ويعتصرك الألم واللوعة لطول الانتظار وغربة سيدك وقائدك وإمامك.. إنها لحظة الفرج القريب وهو آت حتماً.

في كربلاء رأيت مشاعر فياضة بصور الحب والعشق غارقة في التاريخ القديم المليء بالحزن والألم، وشعائر الحزن لدى شيعة العراق تختلط بها المظاهر الدينية والتقاليد الاجتماعية، وقد تألمت من منظر غريب وغير مألوف لدى أي مجتمع عربي مسلم آخر غير مجتمع العراق، وهو ظاهرة الزحف بين العتبة الحسينية والعباسية بالجسد واليدين للوصول نحو الجهة الثانية.. والمنظر الأكثر ألماً وإيلاماً هو مشهد لطفل معاق يزحف وهو لا يدرك معنى تلك الظاهرة وأثرها عليه، فهل يهدف والده لطلب الشفاعة لشفاء ابنه أو تعزيز قيمة الإيمان الروحية.. لا أعرف ولكنها تستدعي التأمل والتفكير، وليس من الصواب الحكم عليها دون قراءة تاريخ المجتمع العراقي طوال حقب ومراحل تاريخية دامية.

وخارج الحرم العباسي والحسيني.. رأيت حشوداً بشرية هائلة من شتى الدول، رجال ترفع أيديها للدعاء، ونساء بصحبة أولادهن يقرأن الزيارة، وآخرون يبيعون كتب الأدعية أو يقومون بتصوير الزوار مقابل مبلغ بسيط.. استوقفني بمهابة منظر لشاب جالس على الأرض يبكي بحرارة وهو ينظر لضريح أبي الفضل العباس عليه السلام، شدني مهابة الموقف وجلالة المشهد.. اقتربت منه لأمسح على رأسه بحنان أخوي وأطبع قبلة الحب على رأسه بدموع المحبة.

ومن جانب آخر مواكب اللطم والحزن تتواصل على طريق العتبات المقدسة.. أشكال وتشابيه وصور ودموع ورمال كربلاء مطبوعة على الوجوه والرؤوس، كأنك تواكب موكب حزن وعزاء على روح فقيد فقدته للتو. جماهير من شتى المناطق والدول تجتمع في كربلاء في أكبر مسيرة مليونية في العالم، تجعلك تتساءل كيف هو أثر مقتل الإمام الحسين عليه السلام ونخبة من أهل بيته الأطهار في بناء مجتمع شيعي ثوري، ولم تتوقف قوافل الزوار منذ مقتله وحتى الآن رغم مرور أنظمة حكم متتالية وبعضها تعسف بالقوة والسلاح والتعذيب ليمنع الزوار للوصول لحبيبهم ولسان حالهم (لو قطعوا أرجلنا واليدين، نأتيك زحفا سيدي يا حسين).

وفي لحظة من اللحظات سُمعت أصوات انفجارات قريبة من الحرمين، اتضح بأنها محاولة لإرهاب الزوار وإحداث ضرر بالعتبات المقدسة من قبل مجموعات تكفيرية وهابية ولكنها محاولة باءت بالفشل، واندفع الناس يهتفون لبيك يا حسين ولبيك يا عباس بشكل هستيري كردة فعل عكسية لمحاولة إرهابهم إخافتهم وقتلهم.. هؤلاء قوم لا يزيدهم الموت إلا إصراراً وعزيمة وإيمان بعقيدتهم الدينية.

أخذت أتجول في أنحاء مدينة كربلاء وكأني أدخل مدينة من عبق التاريخ القديم، أهلها شعث مغبرين، وهواءها باردٌ جداً، وبيوتها قديمة هالكة، وناسها متمسكة بعادات العشائر القبلية، تحكمهم العادات والتقاليد القديمة.
البحرين كانت حاضرة
في كربلاء بمواكب العزاء ومآتم الحزن ومظاهر المعارضة ملفتة للنظر، فقد خرجت مسيرة نسائية لمناصرة المرأة البحرينية المظلومة، ومسيرة شعبية أخرى لمناصرة الشعب البحراني بعنوان (قواسم البحرين والقطيف) لتحيي ذكرى الشهداء وخصوصاً الأطفال، ورفعت شعارات تنادي بإسقاط النظام وأقيم معرض الثورة البحرينية المظلومة في عامه الثالث وسط تفاعل كبير من الجمهور العراقي وزوار العتبات المقدسة الذي اطّلع على جرائم النظام البحريني والسعودي المحتل وانتهاكاته الحقوقية. وأبدى بعض الزوار خصوصاً من الأهوار والبصرة وجنوب العراق استعدادهم للتدخل العسكري لمقاومة الاحتلال السعودي ومناصرة الشعب البحراني في محنته الطويلة. وفي المهجر ستلاحظ بألم العديد من الزوار المطاردين الذين خرجوا قسراً من وطنهم هرباً من بطش وقمع النظام الحاكم وحماية لأنفسهم ودينهم.

أتساءل.. كيف لزائر الإمام الحسين عليه السلام أن لا يصبح ثائراً وهو يعيش أجواء كربلاء المليئة بروح التحدي والإباء ومفعمة بمشاعر الحب والولاء لسيد الشهداء، وكيف لمحب صادق الإيمان والعقيدة أن لا يتشبع بتلك الروح لتدفعه لإعادة رسم أولوياته في الحياة والفكر والمقاومة.. هي كربلاء منبع الثورة تجعلك تقر بأنها تعيش تحت بركان سينفجر في وقت معلوم ولا تدرك سره ومنتهاه. ولا يمكنك فصل واجبات الزيارة الدينية من مضامينها السياسية والمحرضة على النضال والمقاومة المشروعة، فالحسين عليه السلام ثورة ضد الظلم والاستبداد، وهو ليس مجرد جسد قتل أو شهيد رحل لعالمه الآخر، بل هو مدرسة تستحضر ذكراه لتلهمك الإصرار والثبات وتحدي الأنظمة المستبدة.

ولن تفهم معنى التشيع ومبادئه وقيمه الأخلاقية إلا بعد زيارتك للعراق ولمدينة كربلاء والنجف الأشرف، وستدرك سبب حب ملايين الشيعة لأهل البيت عليهم السلام وإصرارهم العجيب الغريب على عقيدتهم ومبادئهم وشعائرهم رغم مرور آلاف السنين، دفعوا خلالها تكلفة بشرية باهظة من الدماء وأرواح الشهداء، وملايين تم تعذيبهم وزجهم في السجون من قبل الأنظمة الحاكمة المستبدة. هي عقيدة البيت الهاشمي العلوي الذي حاربته قبيلة قريش زمن الجاهلية، وبعدها السلطة الأموية والعباسية وغيرها من أنظمة الحكم التي رسمت ملامح الإسلام المشوه والمحرف الذي يتبناه جمهور من المسلمين دون وعي بالتاريخ الإسلامي أو بالعقيدة الصحيحة.

وفي داخل الحرم العباسي والحسيني تأخذك مهابة المكان وخشوع المصلين ودعوات ولطميات الحشود.. الصلاة والدعاء والزيارة واجبات الزائر بعد عناء السفر، الدعاء بلغة الدموع تسطر به ذكرى المحبة والعشق وشعور المحب الغريب، ولم أنسَ الأحبة والأهل والأصدقاء من الدعاء، ولم أنسَ والدي العزيز رحمه الله، ولم أنسَ أخواني المعتقلين وشعبي المظلوم من الذكر والدعاء بالفرج والنصر القريب.

وفي زيارتي لمدينة النجف الأشرف وفقني العلي القدير أن أزور المرقد الطاهر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).. وتلك رحلة أخرى لعالم آخر يجعلك تكتبه بالدموع وتحارب من أجله بدمك وروحك وكل وجودك المنطوي بعالمك الأكبر. والحمد لله الذي وفقني لهذه الرحلة الروحية الدينية الجميلة للعتبات المقدسة الطاهرة، وأسال الله تعالى أن لا يجعله آخر العهد مني لزيارتهم.