3 نوفمبر 2011
أحمد رضي (*)
من منظور علم الاجتماع المعاصر يعتبر
الاتجاه نحو قياس الرأي العام ودراسة المتغيرات الاجتماعية عامل مساعد على تحليل
المعطيات والنتائج المستقبلية وفق النظرة الاستشراقية للعالم العربي والإسلامي
خصوصاً، ولذلك فإن دور الباحثين والمفكرين الذين يتعاطون الرؤية الغربية بهذا
المفهوم لا يقل خطورة عن دور أجهزة المخابرات أو شركات الحماية الأمنية!! فالأنظمة
الغربية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن المتغيرات العالمية أصبحت ضرورة
حتمية تفرضها موازين القوى الكبرى، فهي مثلاً ترى أن تناميّ النهضة الإسلامية
بمختلف أشكالها السياسية والاجتماعية أبرز سمات المرحلة الحالية، لذلك فمن المهم
للقوى العظمى أن تستوعب تلك المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط، وتتمكن من تحليل
أبعادها ونتائجها أو التنبؤ بها مستقبلاً من أجل تغيير مسارها وفق المصلحة الغربية
(بوسائل غير تقليدية أو عسكرية) عبر توظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة في مراكز
البحوث والدراسات المعاصرة.
وعلى مستوى الوعي الوطني يفترض لتلك المراكز العلمية
والمؤسسات الوطنية أن تكون مستقلة بذاتها وغير ممولة بأيّ شكل من الأشكال من قبل
جهات خارجية، وهي ميزة طالما يتنصل منها المعنيين بالشأن السياسي والاجتماعي في
الجهات الأهلية أو المؤسسات البحثية التي تشكو من غياب حالة الشفافية، وتتحفظ في
نشر نتائج الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الهامة. ومنذ فترة ليست ببعيدة كان البعض
ينظر لتلك المؤسسات بعين الريبة والشك بحكم كونها أداة بيد السلطة أو وسيلة للسيطرة
على الشعوب المستضعفة من قبل الأنظمة الغربية.
وبلا شك فإن وجود مراكز الأبحاث والدراسات في منطقة
الخليج تحديداً يعتبر حاجة استراتيجية ملحة نظراً للموقع الجغراسي الاستراتيجي لدول
المنطقة، وليس بالضرورة أن تكون تلك المراكز معنية بخدمة مصالح الدول الكبرى أكثر
مما هي معنية وطنياً بتحقيق أهدافها العلمية والثقافية، وهي بالطبع تحتاج لدعم مادي
ومعنوي لتحقيق أهدافها المعلنة، ولذلك تقوم بتوثيق علاقتها بالأنظمة الحاكمة التي
غالباً ما تستفيد من نتائج الدراسات وخلاصة الأبحاث لقياس الرأي العام بهدف التحكم
في مصيره وإمكانية تغيير مساره في الوقت المناسب.
وليس هذا بالأمر المستغرب لنا كعرب ومسلمين، ففي تصريح
لنائب الرئيس الأمريكي السابق (آل جور) في القمة الاجتماعية التي عقدت في كوبنهاجن
قبل سنوات ذكر بأن 40% من قيمة المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة تقدم إلى
الجمعيات الأهلية، ليكشف بذلك عن اتجاه جديد في السياسة الخارجية الأمريكية يقوم
على اختراق المجتمعات والتعامل المباشر مع نخب ثقافية بديلة يتم إنشاؤها وتمويلها
وبرمجتها لتقود عملية التغيير في الاتجاه الذي يخدم مصالح الولايات المتحدة أو
يضعها في مسار توافقي مع سياسة القوى العظمى!!.
ولعل ظاهرة العمل التطوعي أو الخيري التي تقوم بها
نوادي الليونز والروتاري في منطقة الخليج هي خير مثال لتلك القائمة الطويلة من
المؤسسات الداعمة لمثل هذه المنظمات المشبوهة، والتي تقدم الدعم المادي والمعنوي
لمن يتبنى قيم الحضارة الغربية ويروج لها خاصةٍ في مجال الحريات والحقوق ودور
المرأة وغيرها. وبلا شك فإن قبول مثل هذه المؤسسات الخيرية أو الأهلية للتمويل
الأجنبي يعتبر (حسب بعض التشريعات الأمنية) خيانة وطنية وجريمة يعاقب عليها
القانون، فيما يعتبره البعض (عرفاً) بداية لفتح الباب لجهات معادية بإختراق حضارتنا
وثقافتنا، وعامل مساعد على تذويب هويتنا العربية والإسلامية الأصيلة، بحيث يؤدي
الوضع إلى خلق حالة جديدة من العلاقات التي تصبح فيها (الهوية الثقافية أو الخصوصية
الاجتماعية) عملة نادرة الوجود ويصبح أصحابها جزء من التاريخ القديم كما حصل
بالنسبة لمصير الهنود الحمر في أمريكا العظمى!!
وكمثال على خطورة تحريف الحالة الثقافية أضرب مثلاً
على قيام بعض السفارات الأجنبية في البلدان العربية بتمويل بعض البعثات الجامعية أو
تمويل الدراسات والبحوث الاستشراقية أو القيام بتمويل عملية طبع الكتب للكتّاب
والمفكرين العرب، وهي غالباً ما تتناول مسائل وقضايا بالغة الحساسية للمجتمع العربي
الإسلامي. وبالنسبة لنا كمسلمين لا يمكن فصل مسائل الثقافة عن واقع المجتمع الذي
تتداخل فيه مسائل الدين والسياسة والاقتصاد مع بعضها البعض، علماً بأن معظم
المفكرين والباحثين على قناعة بأن دراسات الاستشراق في الجامعات الأجنبية لا تنطلق
بالضرورة من دوافع استعمارية، وتلك جزئية تعالج على حدة.
وعلى مستوى الواقع البحريني يسوق البعض نظرية الاختراق
من خلال (لحظة زمنية نادرة) وفي مرحلة من مراحل الفوضى الاجتماعية التي عاشتها
البحرين في ظل حالة الإصلاحات السياسية مطلع عام 2002م (1)، استطاعت إحدى المؤسسات
الغربية أن تتغلل ببساطة في الوسط الشعبي، وتتعاون مع بعض الجهات الرسمية والخاصة
لعقد بعض الفعاليات السياسية ورصد حركة الشارع العام في البحرين، ومن دون أن نتعرف
إلى حقيقة أهدافها المعلنة كما بدأت السلطة الحاكمة تستشعر خطورتها عبر بث الوعي
الحقوقي والسياسي في أوساط المجتمع، وقد نجحت تلك المؤسسة في اختراق الوسط الشعبي،
وهي تحظى بدعم من قبل السفارة الأمريكية وجهات أخرى ممولة لأنشطتها وبرامجها.
وهذه المؤسسة المشبوهة التي أعنيها بوضوح هي (المعهد
الأمريكي الوطني الديمقراطي- NDI) الذي باشرت نشاطها في البحرين قبل سنوات مضت وسط
مرحلة تميزت بحالة الفوضى والإرباك السياسي التي عاشها المجتمع البحراني حينذاك
(2). ومن خلال متابعتي عبر الصحافة والإعلام والإنترنت لمجمل أنشطتها وأخبارها في
فترات متلاحقة لاحظت بأنها نجحت نوعاً ما وخلال فترة قصيرة من بدء عملها في تكوين
علاقات كبيرة مع شخصيات سياسية واجتماعية، وكمحاولة لتقصيّ حقيقة هذه المؤسسة
الأجنبية ومعرفة خفاياها ومن يقف وراءها.. تبين الخلاصة بأن (المعهد الأمريكي
الوطني الديمقراطي للشئون الخارجية) هو جهة أهلية مدعومة من قبل الحزب الديمقراطي
الأمريكي التي تقوم بدعم المنظمات الأهلية في مختلف دول العالم، والقيام بربطها
بـ(معهد واشنطن لشئون الشرق الأدنى)، والأخيرة هي مؤسسة تابعة للوبي الصهيوني تبلغ
ميزانيتها السنوية 1.2 مليار دولار !!.
وحسب تعريف موسوعة ويكيبيديا، "إنّ المعهدَ
الديمقراطيَ الوطنيَ للشؤون الدولية منظمة غير حكومية أنشأتها الحكومة الأمريكية عن
طريق الهبةِ الوطنيةِ للديمقراطيةِ (نيد) لتَحويل المنحِ لتَعجيل الديمقراطيةِ في
الدول الناميةِ. تمول عن طريق دافعيِ الضرائب في الحكومة الإتّحاديةِ وبَعْض
الأموالِ خلال التبرّعاتِ الطوعيةِ مِنْ وكالاتِ تنمية البلدانِ الدوليةِ
المتنوّعةِ والمؤسساتِ الخاصّةِ".
ويقوم المعهد الوطني للديمقراطية الأمريكي بتقديم
الدعم السنوي للعديد من الجمعيات في العالم؛ خاصة بإفريقيا وأسيا وأوروبا الوسطى
والشرقية وأمريكا اللاتينية وروسيا والشرق الأوسط، ومن بينها البحرين، ففي تقرير
نشرته صحيفة الوطن البحرينية (3) كشفت عن تلقي جمعية البحرين النسائية (4) لأموال
من قبل المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية. وأشار التقرير إلى أن "مؤسسة
الوقف الوطني الأمريكي لدعم الديمقراطية (إن إي دي) كشفت في تقاريرها المالية أنها
قدمت مساعدات ومنحاً مالية لمؤسسات المجتمع المدني البحريني بلغت ما يقارب الـ 210
آلاف دولار. وأشارت إلى أنها منحت جمعية البحرين النسائية نحو 30 ألف دولار سابقاً
من أجل دعم برامج المرأة السياسية ونيل حقوقها ووجودها لمكافحة التمييز وخلق عناصر
فاعلة من القيادات النسائية. كما ساعدت المؤسسة الأمريكية المذكورة جمعية البحرين
النسائية بمبلغ 28 ألف دولار لتطوير البرامج المتعلقة بتطوير البيئة القانونية
وتعريف النساء في البحرين والخليج بحقوقهن السياسية، إذ نظمت 12 ورشة عمل حضرتها
120 امرأة من البحرين ودول مجلس التعاون للخليج".
وكما أوضحت للآسف فقد غامرت العديد من الجمعيات
السياسية والأهلية والنسائية ومجلسي الشورى والنواب في البحرين بالتعاون مع هذه
المؤسسات المشبوهة من دون إجراء تقييم لنشاطها وأهدافها وقبول الدعم المادي
والتسهيلات المتعلقة بأنشطة الجمعيات وتمويل أنشطتها العامة، وهذا لا يعني بالضرورة
عدم موافقتنا على الاستفادة من برامجها التدريبية ومحاضراتها التي تخلق مجالاً
للحوار والنقاش الهادف. ولعل الدافع لمبادرة الأفراد والجمعيات والمؤسسات الوطنية
بتبني مشاريع تلك المؤسسات الأجنبية هو قناعة الناشطين فيها بضرورة ضمان
الاستقلالية التامة عن هيمنة الجهاز الحكومي أو نفوذه الغير مباشر، مع قلة اتجهت
لمقاطعة تلك المؤسسات الأجنبية المدعومة من قبل الإدارة الأمريكية أو المرتبطة
بالكيان الصهيوني، وذلك بهدف الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية، وضمان عدم
اختراق النسيج الاجتماعي أو السياسي بهدف تغيير خارطة العمل السياسي أو تشكيل العقل
الوطني وفق المصالح الغربية.
—————————————
• الهوامش:
1. تحدثت في وقت سابق بمقال (الاختراق الأمريكي للمحتمع البحراني) حول وقائع تجربة ذاتية وقعت لي شخصياً منذ سنوات مع بداية مرحلة الاصلاحات السياسية عام 2000م ومع نشاط المؤسسة الأجنبية (NDI) في البحرين، وكان المجتمع البحراني حينذاك في مخاض مرحلة سياسية حرجة اتسمت بحالة الغموض والضياع السياسي على مستوى القرارات والأولويات الاستراتيجية. ويمكن للقارئ الكريم الرجوع للمقال لمزيد من المعلومات. راجع مقال (الاختراق الأمريكي للمجتمع البحراني) بمدونة سلاحي قلمي: http://bahrain.maktoobblog.com
2. لمعرفة المزيد حول الدعم المقدم لمملكة البحرين من قبل المعهد الأمريكي الوطني الديمقراطي- NDI) راجع الوصلة التالية:http://www.ndi.org/bahrain
3. راجع صحيفة الوطن البحرينية (العدد (00192) الثلاثاء، 20 يونيو 2006).
4. جمعية البحرين النسائية وهي جمعية أهلية مرخصة من قبل النظام البحريني، وهي تعتبر إحدى الجمعيات التابعة لتنظيم السفارة الديني المحظور نشاطه اجتماعياً وشرعياً من قبل مراجع الدين الكبار.
1. تحدثت في وقت سابق بمقال (الاختراق الأمريكي للمحتمع البحراني) حول وقائع تجربة ذاتية وقعت لي شخصياً منذ سنوات مع بداية مرحلة الاصلاحات السياسية عام 2000م ومع نشاط المؤسسة الأجنبية (NDI) في البحرين، وكان المجتمع البحراني حينذاك في مخاض مرحلة سياسية حرجة اتسمت بحالة الغموض والضياع السياسي على مستوى القرارات والأولويات الاستراتيجية. ويمكن للقارئ الكريم الرجوع للمقال لمزيد من المعلومات. راجع مقال (الاختراق الأمريكي للمجتمع البحراني) بمدونة سلاحي قلمي: http://bahrain.maktoobblog.com
2. لمعرفة المزيد حول الدعم المقدم لمملكة البحرين من قبل المعهد الأمريكي الوطني الديمقراطي- NDI) راجع الوصلة التالية:http://www.ndi.org/bahrain
3. راجع صحيفة الوطن البحرينية (العدد (00192) الثلاثاء، 20 يونيو 2006).
4. جمعية البحرين النسائية وهي جمعية أهلية مرخصة من قبل النظام البحريني، وهي تعتبر إحدى الجمعيات التابعة لتنظيم السفارة الديني المحظور نشاطه اجتماعياً وشرعياً من قبل مراجع الدين الكبار.
(*) كاتب بحريني
*
صحيفة الانتقاد اللبنانية:http://alintiqad.com/essaydetails.php?eid=48680&cid=76
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق