08‏/11‏/2001

دور المجتمع المدني في تنمية ثقافة حقوق الإنسان

انطباعات عامة حول ورشة العمل التي نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان


نوفمبر 2001




تسنى لي مؤخراً حضور ورشة العمل التي أقامتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة العفو الدولية، تحت عنوان (دور المجتمع المدني في تنمية ثقافة حقوق الإنسان) في الفترة ما بين 3 إلى 8 نوفمبر 2001م بنادي العروبة. وقد مثل وفد منظمة العفو الدولية، كلاٌ من جون راي رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأمانة الدولية، والدكتور سعيد بومدوحة والدكتور عبد المتعال قرشاب.

وقد كانت الورشة ناجحة في تنظيمها والإعداد لمحاورها الهامة، حيث ظهر نشاط أعضاء الجمعية بارزاً وملفتاً لأنظار الجميع. وقد ضمت الورشة العديد من العناصر الشابة والكفاءات المخلصة من مختلف المؤسسات والمنظمات الأهلية. وكان الحوار الموضوعي والنقاش الهادف حول مختلف القضايا الرئيسية يسود أجواء الورشة، حيث تم التطرق لقضايا هامة بدءًا من التعريف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأهمية تطبيقه كممارسة عملية من خلال دور الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني. ووصولاً لتطبيق المعايير الدولية والمعاهدات المنصوصة في تشريع حقوق الإنسان، لتكون بداية لخلق وعي حقوقي بأهمية تعليم حقوق الإنسان، ولتأسيس استراتيجية شاملة لحل الأزمات السياسية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية.

وكانت أهداف الورشة تنصب على تطوير وسائل بناء القواعد النشطة المزودة بمعايير حقوق الإنسان، والتعرف على آليات عمل الأمم المتحدة بمختلف لجانها وفروعها. ومحاولة بناء قاعدة تنظيمية مناسبة لاستمرار وديمومة العمل الحقوقي الإنساني، وتعزيز القدرة للقيام بأنشطة إعلامية عبر التخطيط الاستراتيجي والأساليب الفعالة. كما تمت مناقشة التحديات والعقبات التي تواجه العمل المتعلق بتعليم حقوق الإنسان، والآفاق المتاحة لخلق الوعي الشعبي لثقافة حقوق الإنسان، وبحث الموارد المطلوبة كـ(الموارد البشرية، المهارات، المعلومات، وغيرها) من أجل تعزيز مسيرة حقوق الإنسان لدى المنظمات الأهلية. بالإضافة إلى مناقشة عوامل ديمومة المنظمات الغير حكومية، ومبادئ التخطيط الاستراتيجي للمنظمات الأهلية، والاستفادة من آليات الأمم المتحدة على المستوى الدولي، ووضع خطة لبرنامج وطني لتعليم حقوق الإنسان.

ومن خلال مجموعات العمل تسنى لجميع المشاركين طرح آرائهم في العديد من القضايا الهامة بحرية وشفافية، وزادها غنى وثراء تنوع تجاربهم الميدانية واختلافاتهم الفكرية والسياسية، مما انعكس على نجاح ورشة العمل. وهي بداية موفقة تسجل لصالح الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان الساعية لفتح الملفات الساخنة والعمل على إيصال صوت الأغلبية الصامتة للمؤسسات الحقوقية والجهات المعنية، والانتصار لمعاناة ضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. والأهم من ذلك فهم الآليات العملية للمطالبة بتحسين أوضاع المواطنين السياسية والاقتصادية، والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم الأساسية عبر الالتزام بتطبيق المواثيق الدولية، وحماية حقوق الأفراد والجماعات بالوسائل المشروعة.

وعلى هامش الورشة تحدث جوزيف شكلا (المنسق الإقليمي للتحالف الدولي للموئل) حول شبكة حقوق السكن والأرض كحركة عالمية مستقلة، وهي تضم حوالي 400 منظمة وفرداً يعملون في مجال التوطن البشري. ويضم التحالف في عضويته منظمات غير حكومية ومؤسسات بحثية وأكاديمية إلى جانب منظمات مدنية واجتماعية وأفراد ممن يؤمنون برسالته من 80 دولة مختلفة في الشمال والجنوب يربط بينها مجموعة مشتركة من الأهداف والتي تمثل التزامات التحالف الدولي للموئل نحو المجتمعات التي تعمل على توفير وتحسين شروط السكن. ومن جانب آخر أثار اهتمامي أكثر الورقة التي قدمها الأستاذ عبد الهادي الخواجة (الأمين العام للمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان) والتي استعرض فيها مسيرة حقوق الإنسان في البحرين طوال العهد السابق، وحجم التضحيات التي قدمها الشعب، والنضال الوطني لكافة قوى المعارضة السياسية.

ومن خلال لجان العمل انضممت لإحدى المجموعات التي ناقشت التحديات والمخاطر التي تواجه مسيرة حقوق الإنسان، ومدى انطباق الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية حسب المواثيق الدولية على الأوضاع العامة في البحرين، وإمكانية حصول المواطن على العدالة من خلال القوانين التي تنص عليها المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقد تم الاتفاق على توزيع المخاطر التي تعرقل مسيرة حقوق الإنسان لدى الأفراد والجماعات إلى ثلاثة جوانب وهي: (الجانب القانوني/ الحقوقي، والجانب السياسي/ الأمني، والجانب الديني/ الاجتماعي).

ومن بين الحقوق الهامة التي طالب بها أعضاء المجموعة، ما يلي:
1.حق الإضراب السلمي، حيث لم يتم تشريعه حسب قانون العمل لعام 1976 في البحرين.
2.تعديل قانون العقوبات بما يتوافق مع المعايير الدولية.
3.إمكانية أن يشمل قانون الضمان الاجتماعي جميع المؤسسات الحكومية.
4.أهمية التأمين ضد البطالة، والمطالبة بتفعيل البند حسب قانون التأمين الاجتماعي لعام 1976.
5.إجراء تعديل لقانون أصول المحاكم وقانون الإجراءات الأمنية والمحاكم الجزائية حسب المعيار القانوني الدولي.
6.حرية تشكيل النقابات العمالية والأحزاب السياسية كما تنص عليه المواثيق الدولية.
7.ضمان حرية التعبير عن الرأي من خلال الصحافة ووسائل الإعلام، والمطالبة بمراجعة قانون المطبوعات وإلغاء وزارة الإعلام.
8.الحق بتعويض ضحايا التعذيب البدني والنفسي، كما يشمل التعويض حالات الإيقاف والقتل خارج القانون.

وبالنسبة لمجموعة تحديد الموارد البشرية الناهضة بتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، فقد أكدت على أهمية خلق الوعي الشعبي لدى قطاعات المجتمع البحريني عبر الوسائل المشروعة، وأهمية نشر الفهم الصحيح لحقوق الإنسان، وفهم الجوانب الحقوقية للمعارضة السياسية. كما تم التأكيد على أهمية بث ثقافة حقوق الإنسان من خلال المناهج التربوية، ومراجعة التشريعات القانونية المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي. كما تم التطرق للممارسات الخاطئة الناتجة عن القوانين المفروضة في المرحلة الأمنية السابقة، ومدى الخطر الكامن في بقاء الحرس القديم في مراكز السلطة والقرار، وعد تجاوب بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية مع التطورات السياسية في المرحلة الأخيرة.

ومن جانب آخر كان ملف قضايا الشرق الأوسط مفتوحاً، حيث تم التطرق إلى تأثير الدول المجاورة على عملية صنع القرار المحلي، وتدخل الإدارة الأميركية في فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية ووجودها العسكري. وتمت الإشارة إلى إزدواجية معايير حقوق الإنسان التي تطبقها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وعدم وضوح الأهداف الاستراتيجية وراء دعوة محاربة الإرهاب العالمي، أو عدم تحديدها لنطاق القصف العسكري المستمر لأفغانستان في مرحلة سابقة، وتأثير ذلك على البنية الاجتماعية والاقتصادية للشعب الأفغاني. وهو أمر يثير القلق لدى الأوساط الحقوقية خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة التي تمهد لاستمرار القصف الأمريكي ليطال دول أخرى، والسعي لتقنين الحريات ومراقبة أنظمة الاتصالات وشبكة الإنترنت، كما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية في تقاريرها الأخيرة.

وقد أكد الحضور على أهمية تعزيز دور الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان للقيام بدورها الرائد في منطقة الخليج العربي، والحفاظ على وضوح أهدافها وحمايتها من الاختراق الحكومي، وضمان استقلاليتها التامة وتمثيلها لمختلف الفئات الشعبية. فلا ينبغي التقليل من الدور المهم للجمعية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، وفتح الملفات الساخنة حسب أولويات المرحلة. ومن واجبنا كأفراد وجماعات أن نعمل على رصد الانتهاكات وفق الوسائل المشروعة، والعمل على بث الوعي السياسي والحقوقي، ونبذ العنف الغير مشروع خلال مرحلة الإصلاح السياسي، والتأكيد على وحدتنا الوطنية والحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية، ومساندة المنظمات الأهلية والمؤسسات الدينية للقيام بمهامها الإنسانية، والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية وبناء القدرات البشرية. ومن المؤكد أن الورشة قد توصلت لنتائج إيجابية لترسيخ قيم مبادئ حقوق الإنسان في البحرين، والإطلاع عن قرب على آليات العمل القانوني المنظم في الأمم المتحدة، وأهمية تأكيد الحريات العامة والديمقراطية والحوار الوطني الذي يستند وفق ثقافة الشعب وهويته الأصيلة.

وكمواطن ينتمي لهذا الوطن العزيز (البحرين) أدرك بأن الطريق ما زال طويلاً لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء وطن الحرية والسلام. وسوف تواجهنا تحديات وعقبات كبرى، ولكنها لن تقلل من إيماننا بعدالة قضيتنا ومشروعية النضال الوطني وتقدير تضحيات أبناء الشعب. وبالطبع فإن التطورات السياسية تدفعنا لفهم آليات العمل للمطالبة بحقوق ضحايا التعذيب، وغلق ملف المبعدين والعاطلين والبدون. وأهمية تعزيز دور المعارضة السياسية بالأساليب المشروعة لضمان استمرار تطور مسيرة حقوق الإنسان، والحفاظ على الإنجازات التي سطرتها دماء الشهداء وتضحيات أبناء الوطن المخلصين.

فتحية خالصة لشهدائنا الأبرار الذين لن ننسى تضحياتهم الكبيرة، ولجهود علمائناالمخلصين ورجالنا الأحرار، ولكافة رموز المعارضة السياسية والقيادات الدينية التي ساندت قضايانا طوال المرحلة السابقة، وقدمت التضحيات الكبيرة للوصول إلى ثمرة المعاناة الحقيقية. فلنتقدم خطوة نحو الأمام، ونشعل شمعة الأمل في قلوبنا وعقولنا، فلن يضيع حق وراءه مطالب.

ليست هناك تعليقات: