30 أكتوبر 2009
بقلم- أحمد رضي:
* صحيفة الوقت البحرينية، العدد 1348 الجمعة 11 ذي القعدة 1430 هـ - 30 اكتوبر 2009
المعارضة في الإسلام تكتسب شرعيتها من خلال المبادئ التي تقوم عليها سياستها التنظيمية العامة، وهي معارضة أخلاقية بالدرجة الأولى، تعتمد أساليب حضارية وموازين شرعية ممكنة لتحقيق النتائج المرجوة على ساحة المجتمع الإنساني تحقيقاً لقيم العدل والحرية والسلام. ويعتبر (الإنسان) هو جوهر حركة الإصلاح والتغيير، ولذلك فمن حقّ كلّ إنسان أن يعلن رأيه وفق القانون ويمارس شعائره بكل حرية، وفق ما تقتضيه العدالة الإنسانية من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية.
والمعارضة قد تكون موجهة لمقاومة عدو خارجي محتل للأرض وغاصب للحقوق الشرعية، وقد تكون معارضة حقيقية داخل الوطن أو خارجه، تطالب بتوسيع إطار الحرية السياسية وممارسة الحقوق الشرعية. وقد تقتضي الظروف أحياناً أن تكون المعارضة شاملة وكاسحة، إذا كانت هناك حركة مضادة للقيم الدينية ومصادرة الحقوق الإنسانية أو تعمل على إضعاف حركة الإنسان في الحياة أو التمرد على ثوابت الدين وأسسه العقائدية والأخلاقية العامة، أو تهديد أمن واستقرار الوطن. فالمعارضة في الإسلام تستهدف رفع الظلم وإزالة الجور من الواقع الاجتماعي والسياسي، وجعل الحاكم والمحكوم يلتزمان بصيغة عقد قانوني معترف به. وقد تقع المعارضة في كثير من الأحيان في أخطاء استراتيجية، وتتبدل مواقفها السياسية من حين لآخر، مما يدفع الناس إلى الاعتقاد بعدم مصداقية المعارضة على ساحة الواقع الاجتماعي والسياسي.
ولا ينحصر نشاط المعارضة في إطار الصراع على الحكم والسلطة فقط، بل أن تكون حاملة لآمال الأمة وغاياتها، وأن تقدم مصالح الأمة على مصالحها، وتجاهد بمختلف الوسائل الأخلاقية لتحقيق مطالبها العادلة. وأن تعمل على رسم برنامج عمل واستراتيجية طويلة المدى، تراعي فيه مجمل المتغيرات العالمية وتستفيد من التطور التكنولوجي والإعلامي. فشرعية المعارضة قائمة على مشروعية مطالبها، وهي تكتسب مشروعيتها من خلال تبنيّها لمطالب الأمة، وسعيها المتواصل لتحقيق أهدافه وغاياته النبيلة، وتبنيّ القيم السامية كالحرية والعدالة والسلام.
أول المعارضين في الإسلام
ومن خلال قراءتنا للتاريخ الإسلامي نكتشف بأن الإمام علي ابن أبي طالب معلم القرآن والأخلاق، والتي كانت له آراءه وتطلعاته الفريدة، كان يقف في طليعة المعارضة السلمية وأول المعارضين لنظام الحكومة الإسلامية الجديدة، حيث بقى معارضاً لنظام الدولة الإسلامية لمدة 25 عاماً، ولم تخرجه حالة المعارضة عن الحق أو تدخله في الباطل. فكان معلماً للخلفاء أجمعهم، وقائداً روحياً للناس والحركات الشعبية والقوى المعارضة. كما كان يشارك الدولة في معاركها الحربية، ويحكم بالعدل في القضاء، ويبث علمه وخلقه الكريم بين أقطاب الناس التي وفدت إليه.
وكان بناء على ذلك يرى نفسه مظلوماً، قد ظلم في حقه، ويروي في ذلك أنه سمع صارخاً ينادي: (أنا مظلوم) فقال له (عليه السلام): ”هلمّ فلنصرخ معاً، فإني ما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله، وما لقي أحد من الناس ما لقيت” (شرح نهج البلاغة: ج,4 ص103). وهو الذي قال ”اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون، من عبادك وتقام المعطلة من حدودك”. (تذكرة الخواص: ص120).
لذلك فمن الإنصاف أن نقول إن حرية الأُمة السياسية حينذاك، كانت بالمستوى الديمقراطي الذي يدفع الناس إلى الثورة على الظالمين والمستبدين، والقيام بانقلاب شرعي فيما لو خرجوا عن أصول الحُكم الشرعي. فالأُمة كانت بمثابة الرقيب والمُحاسب، أيّ بمفهومنا المعاصر كانت تُباشر عملية (السلطة التشريعية) التي تؤهلها إلى محاسبة الحاكم وخلعه من منصبه. وعندما تولى الخليفة أبو بكر الخلافة قال ”أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة ليّ عليكم”. وقال الخليفة عمر بن الخطاب كذلك ”إن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموه”.. فقام إليه أحد الأعراب قائلاً، وبكل حرية وأمان: ”لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بحدّ سيوفنا”! أو كما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) مخاطباً الناس ”فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تظنوا بي استثقالاً لحق يُقال لي أو لعدل يُعرض عليّ فإن مَن استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطئ”.
رابط المقال : http://www.alwaqt.com/art.php?aid=184954
* صحيفة الوقت البحرينية، العدد 1348 الجمعة 11 ذي القعدة 1430 هـ - 30 اكتوبر 2009
المعارضة في الإسلام تكتسب شرعيتها من خلال المبادئ التي تقوم عليها سياستها التنظيمية العامة، وهي معارضة أخلاقية بالدرجة الأولى، تعتمد أساليب حضارية وموازين شرعية ممكنة لتحقيق النتائج المرجوة على ساحة المجتمع الإنساني تحقيقاً لقيم العدل والحرية والسلام. ويعتبر (الإنسان) هو جوهر حركة الإصلاح والتغيير، ولذلك فمن حقّ كلّ إنسان أن يعلن رأيه وفق القانون ويمارس شعائره بكل حرية، وفق ما تقتضيه العدالة الإنسانية من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية.
والمعارضة قد تكون موجهة لمقاومة عدو خارجي محتل للأرض وغاصب للحقوق الشرعية، وقد تكون معارضة حقيقية داخل الوطن أو خارجه، تطالب بتوسيع إطار الحرية السياسية وممارسة الحقوق الشرعية. وقد تقتضي الظروف أحياناً أن تكون المعارضة شاملة وكاسحة، إذا كانت هناك حركة مضادة للقيم الدينية ومصادرة الحقوق الإنسانية أو تعمل على إضعاف حركة الإنسان في الحياة أو التمرد على ثوابت الدين وأسسه العقائدية والأخلاقية العامة، أو تهديد أمن واستقرار الوطن. فالمعارضة في الإسلام تستهدف رفع الظلم وإزالة الجور من الواقع الاجتماعي والسياسي، وجعل الحاكم والمحكوم يلتزمان بصيغة عقد قانوني معترف به. وقد تقع المعارضة في كثير من الأحيان في أخطاء استراتيجية، وتتبدل مواقفها السياسية من حين لآخر، مما يدفع الناس إلى الاعتقاد بعدم مصداقية المعارضة على ساحة الواقع الاجتماعي والسياسي.
ولا ينحصر نشاط المعارضة في إطار الصراع على الحكم والسلطة فقط، بل أن تكون حاملة لآمال الأمة وغاياتها، وأن تقدم مصالح الأمة على مصالحها، وتجاهد بمختلف الوسائل الأخلاقية لتحقيق مطالبها العادلة. وأن تعمل على رسم برنامج عمل واستراتيجية طويلة المدى، تراعي فيه مجمل المتغيرات العالمية وتستفيد من التطور التكنولوجي والإعلامي. فشرعية المعارضة قائمة على مشروعية مطالبها، وهي تكتسب مشروعيتها من خلال تبنيّها لمطالب الأمة، وسعيها المتواصل لتحقيق أهدافه وغاياته النبيلة، وتبنيّ القيم السامية كالحرية والعدالة والسلام.
أول المعارضين في الإسلام
ومن خلال قراءتنا للتاريخ الإسلامي نكتشف بأن الإمام علي ابن أبي طالب معلم القرآن والأخلاق، والتي كانت له آراءه وتطلعاته الفريدة، كان يقف في طليعة المعارضة السلمية وأول المعارضين لنظام الحكومة الإسلامية الجديدة، حيث بقى معارضاً لنظام الدولة الإسلامية لمدة 25 عاماً، ولم تخرجه حالة المعارضة عن الحق أو تدخله في الباطل. فكان معلماً للخلفاء أجمعهم، وقائداً روحياً للناس والحركات الشعبية والقوى المعارضة. كما كان يشارك الدولة في معاركها الحربية، ويحكم بالعدل في القضاء، ويبث علمه وخلقه الكريم بين أقطاب الناس التي وفدت إليه.
وكان بناء على ذلك يرى نفسه مظلوماً، قد ظلم في حقه، ويروي في ذلك أنه سمع صارخاً ينادي: (أنا مظلوم) فقال له (عليه السلام): ”هلمّ فلنصرخ معاً، فإني ما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله، وما لقي أحد من الناس ما لقيت” (شرح نهج البلاغة: ج,4 ص103). وهو الذي قال ”اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون، من عبادك وتقام المعطلة من حدودك”. (تذكرة الخواص: ص120).
لذلك فمن الإنصاف أن نقول إن حرية الأُمة السياسية حينذاك، كانت بالمستوى الديمقراطي الذي يدفع الناس إلى الثورة على الظالمين والمستبدين، والقيام بانقلاب شرعي فيما لو خرجوا عن أصول الحُكم الشرعي. فالأُمة كانت بمثابة الرقيب والمُحاسب، أيّ بمفهومنا المعاصر كانت تُباشر عملية (السلطة التشريعية) التي تؤهلها إلى محاسبة الحاكم وخلعه من منصبه. وعندما تولى الخليفة أبو بكر الخلافة قال ”أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة ليّ عليكم”. وقال الخليفة عمر بن الخطاب كذلك ”إن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموه”.. فقام إليه أحد الأعراب قائلاً، وبكل حرية وأمان: ”لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بحدّ سيوفنا”! أو كما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) مخاطباً الناس ”فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تظنوا بي استثقالاً لحق يُقال لي أو لعدل يُعرض عليّ فإن مَن استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطئ”.
رابط المقال : http://www.alwaqt.com/art.php?aid=184954