20‏/07‏/2001

نحو وحدة عربية إسلامية

20 يوليو 2001م

جريدة أخبار الخليج

منذ بداية القرن الميلادي الجديد (21) والشعب العربي يمر بتحولات كبيرة على مختلف المستويات، وسط عالم متعدد الأقطاب والأفكار، ومليء بالصراعات السياسية والأيدلوجية. وما يقترن بهذه التحولات من معطيات اقتصادية وتحولات سياسية، واحترام للحريات والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.. سعياً نحو بناء نموذجي للدولة المدنية. وبالطبع لم تنبع هذه التحولات الكبيرة من فراغ، بل كانت لها جذور سياسية وتاريخية، جاءت كاستحقاق طبيعي لتضحيات أبناء الوطن. ونقطة حديثي تتمحور حول فكرة الوحدة كواقع تشريعي وضرورة تاريخية، بالرغم من تعدد عوامل الفرقة والخلاف. فهناك عوامل كثيرة تلعب دورها في توحيد الخطوط العربية والإسلامية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويمكن القول بكل ثقة أن أكبر عامل على توحيد العرب والمسلمين هو الوقوف في جبهة واحدة ضد الكيان الصهيوني، ومقاومته بمختلف الوسائل المشروعة والطرق الممكنة. فيما تقف طلائع المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين على نقاط التماس ضد العدو الصهيوني، والتي تتطلب الدعم والمساندة كموقف شعبي يرفض منطق الاحتلال ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية. كما يظل الرفض القاطع لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني هو العامل الأكبر لوحدة العرب والمسلمين، ولضمان عدم حدوث أيّ اختراق أو تفكيك للموقف العربي الداخلي. وأن الخروج على هذا الموقف يعتبر خيانة عظمى للأمة العربية والإسلامية بأكملها.
ومن الصعب للمسلمين - الانطلاق من مفهوم الدولة إلى قاعدة الأمة بمفهومها العالمي- في ظل ظروف إقليمية ودولية دون السعي لتأسيس قاعدة مركزية موحدة، ذات اقتصاد ورأس مال وتقنية مستقلة. فقد كان الموقف الوحدوي قديماً متمثلاً في الوقوف بقوة ضد هجمات التتار والحملات الصليبية، واتسعت لتشمل نطاقات قومية وعرقية أكبر، لتشمل الفرس والروم والأقليات الشرقية والغربية. ولكنها تحولت اليوم اتجاه المطالبة بوحدة سياسية واقتصادية، قائمة على مراعاة خصوصيتنا الاجتماعية والتاريخية كعرب ومسلمين. ولعل من أكثر عوامل التفرقة التي تسبب تفكيك الوحدة، هي التعصب والحزبية الضيقة وعدم وضوح الرؤية وضياع الهدف، والانغلاق في محيط قومي ضيق. مما دفع بالعديد من الحركات الإسلامية أن تعيش الصراع مع السلطة السياسية، وتستنفذ قواها وإمكانياتها الناهضة، أو أن تلجأ للعزلة والسرية في أحضان الظلام والكهوف السوداء!!
أتساءل: هل يقبل العرب صورة الوحدة المقترحة على هيئة الاتحاد الأوربي، الذي ضم جميع الدولة والقوميات المتعددة، ووحد بين اقتصادها وحددوها الإقليمية، وسمح لجميع المواطنين بالسفر والتنقل دون هوية أو جواز سفر مع حق العمل في جميع دول الاتحاد التي تجمعها قوانين ذات أنظمة دستورية متشابهة ؟!
طوال نصف قرن فشل فيها المفكرين العرب في الدعوة لوحدة عربية ذات انتماء عرقي أو جغرافي، دون أيّ اعتبار للخصوصية التاريخية أو الاجتماعية داخل المحيط القطري ذاته. فالطريق للوحدة يسير بطريقة مرحلية، وصولاً لوحدة شاملة تسقط فيها الحدود والقوانين التعسفية. ومحاولة إيجاد صيغة توافقية تشمل التعاون الاقتصادي بين دول الخليج العربي، وبناء أرضية مفتوحة للتعامل التجاري، ومحاولة دمج الأسواق عبر قوانين موحدة، لتخفيف الأعباء والديون المتراكمة. وكذلك محاولة تسوية النزاعات التاريخية والإقليمية، والسعي لبناء قاعدة دستورية (قانونية) ثابتة تضمن حقوق جميع مواطني دول مجلس التعاون بالمساواة والعدالة الاجتماعية.
ويمكننا دراسة تجارب الوحدة العربية السابقة وأسباب فشلها، كالتجربة الناصرية والبعثية أو التطلع بحذر للتجربة الإماراتية والليبية. لنقرر أن إيماننا بالوحدة كشعوب حرة مستقلة هو البداية نحو تحقيق الحلم العربي!! ولا يمكننا أن نفهم الوحدة على أنها عملية اندماج بين دولتين أو إلغاء للخصوصيات القطرية أو تغييب لحقوق الأقلية. فالمطلوب هو وحدة كونفدرالية شبيهة بالاتحاد السويسري أو الأمريكي، تضمن حق التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأديان، ويتمتع من خلالها المواطن بجميع الحقوق والحريات الأساسية مهما كان انتماؤه السياسي أو الديني أو القطري، مع توفير الرقابة الشعبية والمحاسبة الدقيقة. فهناك تطلع شعبي لقيام وحدة كونفدرالية بين البحرين وقطر مثلاً كخطوة تمهد لقيام وحدة خليجية أكبر، ولكن هذه الفكرة تبدو غير واقعية بالنظر للظروف السياسية وطبيعة الحكم في دول الخليج.
فالبلاد الأوربية مثلاً مهدت الطريق لوحدته عبر برامج سياسية ومشاريع اقتصادية، عملت من خلالها على محو الأمية وتوفير العمل للمواطنين، وتنويع مصادر الدخل القومي عبر الاقتصاد الحر والسياحة، وتوفير الديمقراطية ودعم الحريات السياسية والأحزاب ومؤسسات المدنية والمنظمات الأهلية والحقوقية، وحتى دعم الجماعات البيئية وجمعيات الرفق بالحيوان !! وبالتالي لا يمكن للدولة المدنية أن تنهض بمهماتها الوطنية، دون السعي للتخلص من صور المرحلة السابقة، وإعادة رسم القرارات وفق رأي الأغلبية الصامتة، وتحديث الخطط التربوية والتعليمية والصحية، واعتماد سياسة استراتيجية قوية للنهوض اقتصادياً.. وكل ذلك كمقدمة أساسية لبناء قاعدة سياسية وعسكرية تقف في خط المواجهة أمام العدو الرئيسي.
فالوحدة هي بداية الطريق لجيش عربي يواجه الآلة الصهيونية المدعومة من قبل الإدارة الأميركية، ومحاولة لتخفيف أزمة الصراعات الداخلية في ظل وجود القوات الأميركية المرابطة على حدودنا الإقليمية، وهي كذلك بداية طموحة لواقع اقتصادي، وتحسين الأوضاع المعيشية لجميع المواطنين.. تبقى نقطة أخيرة أننا قد نختلف في شكل الوحدة وقيادتها المركزية وآلية تفعيلها، ولكننا لا نرفضها مطلقاً كواقع له خصوصياته التاريخية للعرب والمسلمين جميعاً. فالدعوة للوحدة تبقى مسؤولية وطنية قومية ومصير مشترك لكل الشعوب العربية المستقلة، ومن خلال وحدة الموقف العربي نستطيع دفع المواطن العربي المسلم للقيام بحمل السلاح في وجه العدو الصهيوني، والدفاع عن أراضيه ومقدساته وحرياته بكل الوسائل المشروعة.
لذا ستظل الوحدة كفكرة مثالية متجددة هي حلم كل مواطن عربي، سعياً نحو وحدة عربية إسلامية ذو منطلقات وطنية، مع توفر مقوماتها الأساسية (كالجنس، اللغة، الدين، التاريخ والمصير المشترك). فما يجمع العرب والمسلمين ويوحدهما هو أكثر مما يجمع بين الشعوب الأوربية والأميركية. وكشعوب عربية مسلمة لدينا عوامل تجمعنا أكثر مما تفرقنا، فالوطن واحد.. والألم واحد.. والعدو واحد.