20‏/12‏/2001

في ذكرى يوم القدس العالمي

20 ديسمبر 2001

12‏/12‏/2001

البحرين.. اجتياز المرحلة الحرجة!

بقلم- أحمد رضي (كاتب صحفي):

10‏/12‏/2001

السقوط الأخلاقي للمجتمع البحراني

 10 ديسمبر 2001 
يمر المجتمع البحراني في ظل زوبعة الميثاق الوطني بظروف سياسية واجتماعية استثنائية، تركت آثارها العميقة بوضوح على الجيل الحاضر وبالخصوص فئة الشباب. وهو ما ينبغي الالتفات إليه على صعيد الحركة الإسلامية وخطابها المستند لهوية الشعب وثقافته الأصيلة، وصولاً إلى معرفة أسباب تفاقم الظواهر الأخلاقية، وتشخيص نتائجها المتوقعة على مسيرة المجتمع البحريني مستقبلاً.

فقد عُرف عن شعب البحرين تدينه العميق وإلتزام أغلبية سكانه البحارنة بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ولطالما وقف مدافعاً وقت الأزمات الصعبة عن هويته الإسلامية وروحه الأخلاقية السامية فوق نوازع التعصب السياسي أو التطرف الديني. فكانت المآتم الحسينية والمساجد بمثابة المدارس الإسلامية التي ساهمت في يقظة الشعور الإسلامي، وتأصيل الثقافة الإسلامية، وزرع المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية العالية.

وها نحن نشهد مؤخراً ردة أخلاقية عنيفة في أوساط المجتمع، بحيث عادت تهدد المشروع الإسلامي وتضعف مراكز بقاءه في ساحة الصراع الميداني. ولن نستغرب إذا تحولت مناطق الصراع الاجتماعي والسياسي (كالسنابس، الديه، الدراز، بني جمرة وغيرها) إلى ساحات تجول فيها عصابات المافيا المخدرات والجنس والحرام!! ولعل بعض آبائنا يتذكرون تلك الحادثة التاريخية القديمة حينما انتفض أهالي قرية السنابس الغيورين في ثورة اجتماعية عارمة، قلعت وجود العصابات المنحرفة وتجار الجنس والمخدرات، وكانت وقفة مشهودة في مجتمعنا المحافظ حينذاك.

فلو أجرينا استقصاء عام أو مسح بياني لمعرفة مشاكل المجتمع البحريني، وعوامل الفساد والانحراف الأخلاقي على مدى السنين القادمة، لأمكن أن نقول -دون مبالغة- أن البحرين مقبلة على مرحلة جديدة وخطيرة إذا لم يلتفت لها العلماء والمفكرين والأطباء.. فسوف تشهد ردة أخلاقية عنيفة تصيب مجتمعنا وديننا بهزة عنيفة، عبر سياسة الإفساد والسياحة والانفتاح على مظاهر الحضارة المادية، ومن الصعب علاجها بعد ذلك إذا تفاقمت كظاهرة اجتماعية لها أسبابها السياسية والاقتصادية. ولطالما بينت في مناسبات عامة مؤخراً بأن صور الانحراف في مجتمعنا تتركز حول ثلاثة محاور رئيسية وهي: (الانحراف الأخلاقي التربوي، والانحراف السياسي، والانحراف الديني العقائدي)، ولكل منها صوره ونتائجه.

وما نراه أن شبابنا ما زال محاصر بمشاكله الاجتماعية والنفسية والفكرية، وتتافقم الأزمات السياسية لديه في ظل حالة القلق والتوجس. إلى جانب العلاقات الاجتماعية التي تتأرجح في ظل صراع المرجعيات الدينية، ووجود الاختلاف القطعي بين رموز الحركة الإسلامية. وقد تصاعدت في الفترة الأخيرة موجات القلق والشك لدى بعض الأقطاب الدينية نحو صيغة المشروع السياسي التي يتعارض مع مبادئ الدستور وأسس الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يهدد بنكسات سياسية واجتماعية، ورد فعل شعبي عنيف اتجاه التيارات الأخرى.


ومما يؤسف له أن تكون أولويات الخطاب السياسي للرموز الإسلامية -في وقتنا الحاضر- هي أولويات سياسية، فغفلوا -جهلاً أم عمداً- القضايا الاجتماعية والروحية والتربوية الهامة، والتي تسهم في بناء القواعد الاجتماعية الرصينة، وتحصين النفس الإنسانية بالأخلاق والمثل العليا أمام مغريات الدنيا وشهواتها العابرة. ويبرز هذا الخطاب بوضوح في أدبيات الخطاب السياسي للحركة الإسلامية في البحرين. فالحركة الإسلامية اليوم بحاجة لمراجعة أولوياتها على صعيد الواقع المعاصر، وممارسة عملية النقد الذاتي لمواقفها وأساليبها في تعاطي قضايا الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وعدم المجازفة بقبول اللعبة السياسية دون ضمانات مؤكدة، والأهم من ذلك هو محاولة الوصول لرؤية واضحة لمنطق الصراع والمعارضة القانونية في إطار المرحلة السياسية الجديدة.

ولذلك أقول أن مجتمعنا بحاجة لردة فعل عنيفة على مستوى وعيه السياسي وهويته الإسلامية، حتى يدرك قبل فوات الآوان مكانه المطلوب على ساحة الصراع التاريخي، وينتفض بوعي لحماية هويته وأخلاقه. ولذلك كان من واجبنا -بعد مشاورة أهل الخبرة والعلم- أن نطرح أسئلتنا بقوة.. ونثير الوعي الإنساني.. بحثاً عن جواب عن معنى ما حدث وما سيحدث مستقبلاً، ومن يتحمل نتائجه الخطيرة على صعيد الواقع السياسي والاجتماعي.

أذن.. لماذا لا نبدأ من هذه اللحظة بوضع برنامج تربوي وأخلاقي شامل بالتعاون مع المؤسسات الدينية والأهلية لمعالجة المشاكل الاجتماعية والظواهر الأخلاقية السلبية، والعمل على توعية الشباب بتاريخهم وحضارتهم ومستقبلهم، ومحاولة تأصيل الهوية الإسلامية وفق برامج عمل وطرق مستحدثة. وهذا الواجب الإنساني هو مهمة كل إنسان مسؤول، ولا بد أيضاً من إشراك العلماء الواعين والمفكرين وأصحاب الشأن التربوي. ونحن نبارك الجهود المخلصة لكل الشباب العامل بصمت من أجل الحفاظ على هوية المجتمع وأخلاقه الإسلامية، ونمد أيدينا لكل إنسان يود التعاون معنا لتكون الجهود جماعية ومنسقة.

هذه مجرد خطوط أولية عامة قد تتضح رؤيتنا لها في المستقبل القريب بعد تكامل المشروع الإسلامي، ونهوض الحركة الإسلامية في البحرين بمهامها ومسؤولياتها. وكليّ ثقة وأمل بالشباب المؤمن، وصدق تعالى حين قال: (أن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

25‏/11‏/2001

إعادة قراءة.. لـالإسلام وأصول الحكم

25 نوفمبر 2001

08‏/11‏/2001

دور المجتمع المدني في تنمية ثقافة حقوق الإنسان

انطباعات عامة حول ورشة العمل التي نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان


نوفمبر 2001




تسنى لي مؤخراً حضور ورشة العمل التي أقامتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة العفو الدولية، تحت عنوان (دور المجتمع المدني في تنمية ثقافة حقوق الإنسان) في الفترة ما بين 3 إلى 8 نوفمبر 2001م بنادي العروبة. وقد مثل وفد منظمة العفو الدولية، كلاٌ من جون راي رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأمانة الدولية، والدكتور سعيد بومدوحة والدكتور عبد المتعال قرشاب.

وقد كانت الورشة ناجحة في تنظيمها والإعداد لمحاورها الهامة، حيث ظهر نشاط أعضاء الجمعية بارزاً وملفتاً لأنظار الجميع. وقد ضمت الورشة العديد من العناصر الشابة والكفاءات المخلصة من مختلف المؤسسات والمنظمات الأهلية. وكان الحوار الموضوعي والنقاش الهادف حول مختلف القضايا الرئيسية يسود أجواء الورشة، حيث تم التطرق لقضايا هامة بدءًا من التعريف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأهمية تطبيقه كممارسة عملية من خلال دور الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني. ووصولاً لتطبيق المعايير الدولية والمعاهدات المنصوصة في تشريع حقوق الإنسان، لتكون بداية لخلق وعي حقوقي بأهمية تعليم حقوق الإنسان، ولتأسيس استراتيجية شاملة لحل الأزمات السياسية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية.

وكانت أهداف الورشة تنصب على تطوير وسائل بناء القواعد النشطة المزودة بمعايير حقوق الإنسان، والتعرف على آليات عمل الأمم المتحدة بمختلف لجانها وفروعها. ومحاولة بناء قاعدة تنظيمية مناسبة لاستمرار وديمومة العمل الحقوقي الإنساني، وتعزيز القدرة للقيام بأنشطة إعلامية عبر التخطيط الاستراتيجي والأساليب الفعالة. كما تمت مناقشة التحديات والعقبات التي تواجه العمل المتعلق بتعليم حقوق الإنسان، والآفاق المتاحة لخلق الوعي الشعبي لثقافة حقوق الإنسان، وبحث الموارد المطلوبة كـ(الموارد البشرية، المهارات، المعلومات، وغيرها) من أجل تعزيز مسيرة حقوق الإنسان لدى المنظمات الأهلية. بالإضافة إلى مناقشة عوامل ديمومة المنظمات الغير حكومية، ومبادئ التخطيط الاستراتيجي للمنظمات الأهلية، والاستفادة من آليات الأمم المتحدة على المستوى الدولي، ووضع خطة لبرنامج وطني لتعليم حقوق الإنسان.

ومن خلال مجموعات العمل تسنى لجميع المشاركين طرح آرائهم في العديد من القضايا الهامة بحرية وشفافية، وزادها غنى وثراء تنوع تجاربهم الميدانية واختلافاتهم الفكرية والسياسية، مما انعكس على نجاح ورشة العمل. وهي بداية موفقة تسجل لصالح الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان الساعية لفتح الملفات الساخنة والعمل على إيصال صوت الأغلبية الصامتة للمؤسسات الحقوقية والجهات المعنية، والانتصار لمعاناة ضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. والأهم من ذلك فهم الآليات العملية للمطالبة بتحسين أوضاع المواطنين السياسية والاقتصادية، والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم الأساسية عبر الالتزام بتطبيق المواثيق الدولية، وحماية حقوق الأفراد والجماعات بالوسائل المشروعة.

وعلى هامش الورشة تحدث جوزيف شكلا (المنسق الإقليمي للتحالف الدولي للموئل) حول شبكة حقوق السكن والأرض كحركة عالمية مستقلة، وهي تضم حوالي 400 منظمة وفرداً يعملون في مجال التوطن البشري. ويضم التحالف في عضويته منظمات غير حكومية ومؤسسات بحثية وأكاديمية إلى جانب منظمات مدنية واجتماعية وأفراد ممن يؤمنون برسالته من 80 دولة مختلفة في الشمال والجنوب يربط بينها مجموعة مشتركة من الأهداف والتي تمثل التزامات التحالف الدولي للموئل نحو المجتمعات التي تعمل على توفير وتحسين شروط السكن. ومن جانب آخر أثار اهتمامي أكثر الورقة التي قدمها الأستاذ عبد الهادي الخواجة (الأمين العام للمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان) والتي استعرض فيها مسيرة حقوق الإنسان في البحرين طوال العهد السابق، وحجم التضحيات التي قدمها الشعب، والنضال الوطني لكافة قوى المعارضة السياسية.

ومن خلال لجان العمل انضممت لإحدى المجموعات التي ناقشت التحديات والمخاطر التي تواجه مسيرة حقوق الإنسان، ومدى انطباق الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية حسب المواثيق الدولية على الأوضاع العامة في البحرين، وإمكانية حصول المواطن على العدالة من خلال القوانين التي تنص عليها المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقد تم الاتفاق على توزيع المخاطر التي تعرقل مسيرة حقوق الإنسان لدى الأفراد والجماعات إلى ثلاثة جوانب وهي: (الجانب القانوني/ الحقوقي، والجانب السياسي/ الأمني، والجانب الديني/ الاجتماعي).

ومن بين الحقوق الهامة التي طالب بها أعضاء المجموعة، ما يلي:
1.حق الإضراب السلمي، حيث لم يتم تشريعه حسب قانون العمل لعام 1976 في البحرين.
2.تعديل قانون العقوبات بما يتوافق مع المعايير الدولية.
3.إمكانية أن يشمل قانون الضمان الاجتماعي جميع المؤسسات الحكومية.
4.أهمية التأمين ضد البطالة، والمطالبة بتفعيل البند حسب قانون التأمين الاجتماعي لعام 1976.
5.إجراء تعديل لقانون أصول المحاكم وقانون الإجراءات الأمنية والمحاكم الجزائية حسب المعيار القانوني الدولي.
6.حرية تشكيل النقابات العمالية والأحزاب السياسية كما تنص عليه المواثيق الدولية.
7.ضمان حرية التعبير عن الرأي من خلال الصحافة ووسائل الإعلام، والمطالبة بمراجعة قانون المطبوعات وإلغاء وزارة الإعلام.
8.الحق بتعويض ضحايا التعذيب البدني والنفسي، كما يشمل التعويض حالات الإيقاف والقتل خارج القانون.

وبالنسبة لمجموعة تحديد الموارد البشرية الناهضة بتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، فقد أكدت على أهمية خلق الوعي الشعبي لدى قطاعات المجتمع البحريني عبر الوسائل المشروعة، وأهمية نشر الفهم الصحيح لحقوق الإنسان، وفهم الجوانب الحقوقية للمعارضة السياسية. كما تم التأكيد على أهمية بث ثقافة حقوق الإنسان من خلال المناهج التربوية، ومراجعة التشريعات القانونية المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي. كما تم التطرق للممارسات الخاطئة الناتجة عن القوانين المفروضة في المرحلة الأمنية السابقة، ومدى الخطر الكامن في بقاء الحرس القديم في مراكز السلطة والقرار، وعد تجاوب بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية مع التطورات السياسية في المرحلة الأخيرة.

ومن جانب آخر كان ملف قضايا الشرق الأوسط مفتوحاً، حيث تم التطرق إلى تأثير الدول المجاورة على عملية صنع القرار المحلي، وتدخل الإدارة الأميركية في فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية ووجودها العسكري. وتمت الإشارة إلى إزدواجية معايير حقوق الإنسان التي تطبقها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وعدم وضوح الأهداف الاستراتيجية وراء دعوة محاربة الإرهاب العالمي، أو عدم تحديدها لنطاق القصف العسكري المستمر لأفغانستان في مرحلة سابقة، وتأثير ذلك على البنية الاجتماعية والاقتصادية للشعب الأفغاني. وهو أمر يثير القلق لدى الأوساط الحقوقية خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة التي تمهد لاستمرار القصف الأمريكي ليطال دول أخرى، والسعي لتقنين الحريات ومراقبة أنظمة الاتصالات وشبكة الإنترنت، كما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية في تقاريرها الأخيرة.

وقد أكد الحضور على أهمية تعزيز دور الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان للقيام بدورها الرائد في منطقة الخليج العربي، والحفاظ على وضوح أهدافها وحمايتها من الاختراق الحكومي، وضمان استقلاليتها التامة وتمثيلها لمختلف الفئات الشعبية. فلا ينبغي التقليل من الدور المهم للجمعية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، وفتح الملفات الساخنة حسب أولويات المرحلة. ومن واجبنا كأفراد وجماعات أن نعمل على رصد الانتهاكات وفق الوسائل المشروعة، والعمل على بث الوعي السياسي والحقوقي، ونبذ العنف الغير مشروع خلال مرحلة الإصلاح السياسي، والتأكيد على وحدتنا الوطنية والحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية، ومساندة المنظمات الأهلية والمؤسسات الدينية للقيام بمهامها الإنسانية، والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية وبناء القدرات البشرية. ومن المؤكد أن الورشة قد توصلت لنتائج إيجابية لترسيخ قيم مبادئ حقوق الإنسان في البحرين، والإطلاع عن قرب على آليات العمل القانوني المنظم في الأمم المتحدة، وأهمية تأكيد الحريات العامة والديمقراطية والحوار الوطني الذي يستند وفق ثقافة الشعب وهويته الأصيلة.

وكمواطن ينتمي لهذا الوطن العزيز (البحرين) أدرك بأن الطريق ما زال طويلاً لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء وطن الحرية والسلام. وسوف تواجهنا تحديات وعقبات كبرى، ولكنها لن تقلل من إيماننا بعدالة قضيتنا ومشروعية النضال الوطني وتقدير تضحيات أبناء الشعب. وبالطبع فإن التطورات السياسية تدفعنا لفهم آليات العمل للمطالبة بحقوق ضحايا التعذيب، وغلق ملف المبعدين والعاطلين والبدون. وأهمية تعزيز دور المعارضة السياسية بالأساليب المشروعة لضمان استمرار تطور مسيرة حقوق الإنسان، والحفاظ على الإنجازات التي سطرتها دماء الشهداء وتضحيات أبناء الوطن المخلصين.

فتحية خالصة لشهدائنا الأبرار الذين لن ننسى تضحياتهم الكبيرة، ولجهود علمائناالمخلصين ورجالنا الأحرار، ولكافة رموز المعارضة السياسية والقيادات الدينية التي ساندت قضايانا طوال المرحلة السابقة، وقدمت التضحيات الكبيرة للوصول إلى ثمرة المعاناة الحقيقية. فلنتقدم خطوة نحو الأمام، ونشعل شمعة الأمل في قلوبنا وعقولنا، فلن يضيع حق وراءه مطالب.

20‏/07‏/2001

نحو وحدة عربية إسلامية

20 يوليو 2001م

جريدة أخبار الخليج

منذ بداية القرن الميلادي الجديد (21) والشعب العربي يمر بتحولات كبيرة على مختلف المستويات، وسط عالم متعدد الأقطاب والأفكار، ومليء بالصراعات السياسية والأيدلوجية. وما يقترن بهذه التحولات من معطيات اقتصادية وتحولات سياسية، واحترام للحريات والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.. سعياً نحو بناء نموذجي للدولة المدنية. وبالطبع لم تنبع هذه التحولات الكبيرة من فراغ، بل كانت لها جذور سياسية وتاريخية، جاءت كاستحقاق طبيعي لتضحيات أبناء الوطن. ونقطة حديثي تتمحور حول فكرة الوحدة كواقع تشريعي وضرورة تاريخية، بالرغم من تعدد عوامل الفرقة والخلاف. فهناك عوامل كثيرة تلعب دورها في توحيد الخطوط العربية والإسلامية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويمكن القول بكل ثقة أن أكبر عامل على توحيد العرب والمسلمين هو الوقوف في جبهة واحدة ضد الكيان الصهيوني، ومقاومته بمختلف الوسائل المشروعة والطرق الممكنة. فيما تقف طلائع المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين على نقاط التماس ضد العدو الصهيوني، والتي تتطلب الدعم والمساندة كموقف شعبي يرفض منطق الاحتلال ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية. كما يظل الرفض القاطع لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني هو العامل الأكبر لوحدة العرب والمسلمين، ولضمان عدم حدوث أيّ اختراق أو تفكيك للموقف العربي الداخلي. وأن الخروج على هذا الموقف يعتبر خيانة عظمى للأمة العربية والإسلامية بأكملها.
ومن الصعب للمسلمين - الانطلاق من مفهوم الدولة إلى قاعدة الأمة بمفهومها العالمي- في ظل ظروف إقليمية ودولية دون السعي لتأسيس قاعدة مركزية موحدة، ذات اقتصاد ورأس مال وتقنية مستقلة. فقد كان الموقف الوحدوي قديماً متمثلاً في الوقوف بقوة ضد هجمات التتار والحملات الصليبية، واتسعت لتشمل نطاقات قومية وعرقية أكبر، لتشمل الفرس والروم والأقليات الشرقية والغربية. ولكنها تحولت اليوم اتجاه المطالبة بوحدة سياسية واقتصادية، قائمة على مراعاة خصوصيتنا الاجتماعية والتاريخية كعرب ومسلمين. ولعل من أكثر عوامل التفرقة التي تسبب تفكيك الوحدة، هي التعصب والحزبية الضيقة وعدم وضوح الرؤية وضياع الهدف، والانغلاق في محيط قومي ضيق. مما دفع بالعديد من الحركات الإسلامية أن تعيش الصراع مع السلطة السياسية، وتستنفذ قواها وإمكانياتها الناهضة، أو أن تلجأ للعزلة والسرية في أحضان الظلام والكهوف السوداء!!
أتساءل: هل يقبل العرب صورة الوحدة المقترحة على هيئة الاتحاد الأوربي، الذي ضم جميع الدولة والقوميات المتعددة، ووحد بين اقتصادها وحددوها الإقليمية، وسمح لجميع المواطنين بالسفر والتنقل دون هوية أو جواز سفر مع حق العمل في جميع دول الاتحاد التي تجمعها قوانين ذات أنظمة دستورية متشابهة ؟!
طوال نصف قرن فشل فيها المفكرين العرب في الدعوة لوحدة عربية ذات انتماء عرقي أو جغرافي، دون أيّ اعتبار للخصوصية التاريخية أو الاجتماعية داخل المحيط القطري ذاته. فالطريق للوحدة يسير بطريقة مرحلية، وصولاً لوحدة شاملة تسقط فيها الحدود والقوانين التعسفية. ومحاولة إيجاد صيغة توافقية تشمل التعاون الاقتصادي بين دول الخليج العربي، وبناء أرضية مفتوحة للتعامل التجاري، ومحاولة دمج الأسواق عبر قوانين موحدة، لتخفيف الأعباء والديون المتراكمة. وكذلك محاولة تسوية النزاعات التاريخية والإقليمية، والسعي لبناء قاعدة دستورية (قانونية) ثابتة تضمن حقوق جميع مواطني دول مجلس التعاون بالمساواة والعدالة الاجتماعية.
ويمكننا دراسة تجارب الوحدة العربية السابقة وأسباب فشلها، كالتجربة الناصرية والبعثية أو التطلع بحذر للتجربة الإماراتية والليبية. لنقرر أن إيماننا بالوحدة كشعوب حرة مستقلة هو البداية نحو تحقيق الحلم العربي!! ولا يمكننا أن نفهم الوحدة على أنها عملية اندماج بين دولتين أو إلغاء للخصوصيات القطرية أو تغييب لحقوق الأقلية. فالمطلوب هو وحدة كونفدرالية شبيهة بالاتحاد السويسري أو الأمريكي، تضمن حق التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأديان، ويتمتع من خلالها المواطن بجميع الحقوق والحريات الأساسية مهما كان انتماؤه السياسي أو الديني أو القطري، مع توفير الرقابة الشعبية والمحاسبة الدقيقة. فهناك تطلع شعبي لقيام وحدة كونفدرالية بين البحرين وقطر مثلاً كخطوة تمهد لقيام وحدة خليجية أكبر، ولكن هذه الفكرة تبدو غير واقعية بالنظر للظروف السياسية وطبيعة الحكم في دول الخليج.
فالبلاد الأوربية مثلاً مهدت الطريق لوحدته عبر برامج سياسية ومشاريع اقتصادية، عملت من خلالها على محو الأمية وتوفير العمل للمواطنين، وتنويع مصادر الدخل القومي عبر الاقتصاد الحر والسياحة، وتوفير الديمقراطية ودعم الحريات السياسية والأحزاب ومؤسسات المدنية والمنظمات الأهلية والحقوقية، وحتى دعم الجماعات البيئية وجمعيات الرفق بالحيوان !! وبالتالي لا يمكن للدولة المدنية أن تنهض بمهماتها الوطنية، دون السعي للتخلص من صور المرحلة السابقة، وإعادة رسم القرارات وفق رأي الأغلبية الصامتة، وتحديث الخطط التربوية والتعليمية والصحية، واعتماد سياسة استراتيجية قوية للنهوض اقتصادياً.. وكل ذلك كمقدمة أساسية لبناء قاعدة سياسية وعسكرية تقف في خط المواجهة أمام العدو الرئيسي.
فالوحدة هي بداية الطريق لجيش عربي يواجه الآلة الصهيونية المدعومة من قبل الإدارة الأميركية، ومحاولة لتخفيف أزمة الصراعات الداخلية في ظل وجود القوات الأميركية المرابطة على حدودنا الإقليمية، وهي كذلك بداية طموحة لواقع اقتصادي، وتحسين الأوضاع المعيشية لجميع المواطنين.. تبقى نقطة أخيرة أننا قد نختلف في شكل الوحدة وقيادتها المركزية وآلية تفعيلها، ولكننا لا نرفضها مطلقاً كواقع له خصوصياته التاريخية للعرب والمسلمين جميعاً. فالدعوة للوحدة تبقى مسؤولية وطنية قومية ومصير مشترك لكل الشعوب العربية المستقلة، ومن خلال وحدة الموقف العربي نستطيع دفع المواطن العربي المسلم للقيام بحمل السلاح في وجه العدو الصهيوني، والدفاع عن أراضيه ومقدساته وحرياته بكل الوسائل المشروعة.
لذا ستظل الوحدة كفكرة مثالية متجددة هي حلم كل مواطن عربي، سعياً نحو وحدة عربية إسلامية ذو منطلقات وطنية، مع توفر مقوماتها الأساسية (كالجنس، اللغة، الدين، التاريخ والمصير المشترك). فما يجمع العرب والمسلمين ويوحدهما هو أكثر مما يجمع بين الشعوب الأوربية والأميركية. وكشعوب عربية مسلمة لدينا عوامل تجمعنا أكثر مما تفرقنا، فالوطن واحد.. والألم واحد.. والعدو واحد.

04‏/06‏/2001

الشباب.. والأسئلة الحائرة !!

* صحيفة أخبار الخليج- العدد (8473) الاثنين 12 ربيع الأول 1422هـ، 4 يونيو 2001م.

الشباب.. أهم قضية وطنية واجتماعية، وأكبر طاقة إنسانية مُهدرة وإمكانيات إبداعية ضائعة..!! هذه الكتلة الشابة من يحمل قضيتها بأمانة، ويتبنى أحلامها وآرائها ؟ هؤلاء الشباب.. الجيل القادم.. جيل المحنة والغضب.. يريدون أن نفكر في مشاكلهم وقضاياهم الحيوية قبل أي شيء. فماذا قدمنا إلى الشباب؟ ولماذا تأخرنا عن التطور والتقدم في أهم المجالات الحيوية؟ ولماذا لا نعترف بشجاعة بأخطائنا، لنتبصر طريقنا للإمام؟ فأمامنا مئات القضايا والمشاكل العالقة، ومن الصعب تجاهلها أو نسيانها بدءاً من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لأننا نواجه مرحلة صعبة، تتطلب منّا جميعاً كأفراد وحكومة أن نفكر بعين العقل والحكمة حول مصيرنا المشترك.
وشبابنا بعاطفته الجيّاشة شديد التعاطف مع الهم الإنساني الذي يجمعنا معاً كأبناء لوطن واحد، لأن كل مشكلة يمر بها الشاب تعبر عن معاناة إنسانية صادقة وتجربة مريرة. ومعظم الشباب يؤمن بحتمية التغيير السياسي والاجتماعي، وضرورة العمل على كشف الأقنعة المزيفة.. يدفعهم الإيمان بإخلاص وصدق فيما يعتقده البعض مغامرة غير محسوبة!! أذن فما هي الحركة المنظمة لطاقات الشباب؟ وما هي حدود معرفتنا بآليات العمل وأدواته؟ وما هي حدود طاقتنا وقدرتنا على الصمود أمام التحديات؟ هذه أسئلة هامة يطرحها كثير من الشباب، وتحتاج لإجابة واضحة وصريحة من العلماء والمفكرين. فرجل الشارع البسيط.. والعامل في مصنعه.. والطالب في مدرسته وجامعته.. والمرأة الفاضلة مربية الأجيال.. كل أولئك معنيون بإجابة لمختلف تساؤلاتهم وحاجاتهم. وكما قال الشاعر:
نحن نمشي، وحولنا هذه الأكوان تمشي، لكن لأية غـاية ؟
نحن نتلو روايـة الموت للكـون ولكن ماذا ختام الرواية ؟
فالعديد من شبابنا يعيش الأمل الموعود والقلق المعرفي، ويبحث عن الحقيقة الضائعة منذ لحظة وجوده، فيقدمون أحياناً على خطوات يحسبها المجتمع تهور وجرأة على المقدس الديني والعادات الاجتماعية التقليدية. ومعظمهم قد وقع في معاناة نفسية نتيجة عدم ثباته على قناعة فكرية محددة أو نتيجة مقبولة لعقله وعاطفته. فشبابنا معنيٌ بالبحث عن جوهر الحقائق وباطن الأشياء.. يهتم بالعقائد الدينية والأفكار المثالية عن الوجود الإنساني والكوني !! فهو يهتم بالبحث عن إجابة لتساؤلاته المعرفية العميقة.. ويطالب بحقوقه وحرياته الأساسية، لذلك من المهم أن نسلط الضوء على ما يعانيه شبابنا من مشاكل تربوية وأخلاقية، وقضايا اجتماعية ونفسية.
 
أتساءل: عن مدى حصانة شبابنا من الانجرار للأفكار المنحرفة والتيارات السياسية والدينية المتطرفة ؟ وهل استطاعت المؤسسات الدينية والرياضية والأهلية تعزيز الحصانة النفسية والمناعة الأخلاقية في نفوس الناشئة من شبابنا من خلال البرامج الثقافية والمنتديات الاجتماعية ؟ وما هو مستوى الوعي لدى رواد المساجد والمنابر الحسينية أو زوار المقاهي الليلية والنوادي الرياضية ؟!
فقد ينطلق كثيرٌ من الشباب في تفسير الحوادث والوقائع بناءاً على دوافع ذاتية منطلقة من صميم تجاربهم ومعاناتهم الإنسانية ومن خلال الدروس المستقاة من التاريخ. فجميع الشباب يحمل عقلاً ليفكر وروحاً ينبض بالمشاعر والمعاني الإنسانية، من أجل رؤية مشتركة للوجود والذات والحياة. فالتواصل مع شبابنا من خلال المنابر العامة والصحافة الحرة، وإعطاءهم الفرصة لطرح آرائهم ومناقشتها علناً، والاهتمام أكثر بقضاياهم الجوهرية ومشاكلهم التربوية والأخلاقية والنفسية، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية وتعميق مجالات الحوار المفتوح وإبداء الرأي بحرية، والعمل على وضع الخطط والبرامج الثقافية والرياضية التي تسهم في بنائهم الجسدي والنفسي يعتبر أولوية مهمة لدى الدول المتقدمة. وبالشكل الذي يحقق تقدم الوطن في مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية.
لذلك أصبح من الصعب لشبابنا في ظل هذه الظروف الصعبة أن يتعلق بقدوة مثالية، لأننا وسط عالم يعيش الصراع والمتناقضات. فبعد سقوط كل الرموز الدينية والسياسية، ما زال شبابنا يبحث عن نظرية يطمئن لها قلبه وعقله، بعيداً عن متاريس الأحزاب الدينية والسياسية أو الأنظمة السرية، وحفاظاً على قدر من تحرره المعرفي واستقلاليته الفكرية. فشبابنا مرهف الإحساس بوطنه ومجتمعه، وهو مدرك لأبعاد الهم الإنساني، ولطبيعة التغيرات الطفيفة التي يمر بها مجتمعنا خلال الفترة الحالية. وقد أصبح اليوم يتعاطى الشأن السياسي باهتمام بالغ، ومن الصعب استبعاده من مسرح الأحداث والقوى المحركة في صنع القرار المحلي.
إن شبابنا اليوم يتطلع إلى صحف وصفحات يكتب فيها بحرية، ويعلن آرائه في الحياة.. ولا يستغرب الوالدين من أفعال أبنائهم، لأنهم يتكلمون بلغة يعجز العلماء والمفكرين عن فهمها، ولأنهم يفكرون بقلوبهم قبل عقولهم، ومن الجهل أن نتعامل معهم بالقوة أو العنف. فهؤلاء الشباب ليسوا بحاجة لوصفة سحرية تعالج مشاكلهم الاجتماعية والنفسية، أو لواسطة نحو السماء.. بل هم أحوج لواسطة نحو الأرض تلبي مطالبهم. فإلي أي مدى نجحت المؤسسات الاجتماعية والرياضية والدينية في احتواء طاقات الشباب من خلال البرامج والفعاليات الرياضية والثقافية الهادفة. فهم بحاجة لحلول سريعة لمشاكلهم، فلم تعد المناهج المدرسية أو الخطب الدينية أو الوعود السياسية تلبي رغباتهم أو تحقق آمالهم. وليست المشكلة عند الشباب هي الفراغ أو البحث عن عمل أو لقمة العيش.. بل المشكلة في أنهم يفتقدون اتساع نطاق العدالة الاجتماعية، عدالة توفر لهم الأمن والحرية والخبز!! وعندما نصل لحل لقضايانا العالقة فإن كل المشاكل الصغيرة سوف تختفي!! فشبابنا يعيش محنة العصر بكل همومه، فهو قد عاصر وما زال أهم مرحلة تاريخية سياسية مرت بها البلاد.
لذلك أصبح لزاماً على كل شاب وشابة أن يقرروا كيف تكون حياتهم لأنهم من يملكون إرادتهم وحريتهم الشخصية. وليس أمامهم من خيار إلا أن يصمدوا أمام الأحداث الصعبة، وأن يوزنوا الأمور بعقل وصبر، وأن يواجهوا كل محنة بالصبر والعمل والإرادة، فلدى كل إنسان قوة داخلية وإرادة للتغلب على الصعاب والمحن الأليمة. فهؤلاء الشباب على استعداد تام لأن يقولوا الكلمة التي عجز آبائهم عن قولها، وأن يفعلوا ما لم يفعله أجدادهم.. فلا تحطموا آمالهم وأحلامهم.

05‏/05‏/2001

نحو عدالة اجتماعية وديمقراطية إسلامية

جريدة أخبار الخليج، 5 مايو 2001م

سارت حركات التحرر الوطني والشعوب المتطلعة لنيل استقلالها وحريتها القانونية.الديمقراطية كما عرفها الرئيس الأميركي الراحل (إبراهام لينكولن)  بإيجاز هي "حكم الشعب بالشعب للشعب"، وعليه
 

والدول المستقلة لا شك بأنها تسعى لنيل رضا شعوبها، على أساس الثقة المتبادلة والعقد القانوني بين الطرفين، فيما بين الحكومات وشعوبها علاقة تتجاوز حدود الطاعة والانقياد، بل هي جامعة من الروابط والحقوق المشتركة، يتمتع فيها المواطن بحقوقه وحرياته الأساسية كما بينّها فقهاء القانون.
 
فالحكومات الديمقراطية كسلطة سياسية مُنتخبة، تقوم وفق إرادة الأمة من أجل إدارة شئونها المشتركة. ويتحدد دورها بناءاً على صيغة القانون الذي يحدد اختصاصات السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وعليه تتحدد المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالقانون هنا -بالنسبة للحكومات الديمقراطية- هو الأساس الشرعي الذي يستمد منه النظام الحاكم شرعية بقاءه واستمراره، وهو كذلك المناخ الطبيعي -للأفراد والأحزاب- لممارسة العمل السياسي عبر قنوات المشاركة السياسية والتعددية الفكرية. فالديمقراطية تعبيرٌ عن إرادة الشعوب المستقلة، ورغبتها في التحرر والاستقلال، والعيش بأمن وسلام في ظل الحقوق المتبادلة والحريات الأساسية.
أن دور المواطن اتجاه وطنه يتحدد بناءاً على صيغة العقد القانوني والاجتماعي، وهي الكفالة الطبيعية لممارسة الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها القانون. ولعل -من وجهة نظري- أن دعائم الديمقراطية وركائزها القانونية لدى الدول الغربية كبريطانيا وأميركا هي أثبت أساساً عن غيرهما من الدول العربية، بحكم طبيعة الأنظمة السياسية والقبلية في المجتمع الشرقي. فالديمقراطية منهج واقعي وشعبي، له إيجابياته وسلبياته، وله خصائصه المميزة لتوزيع السلطات الثلاث.
ولعل مفهوم (الاستبداد) هو المفهوم المقابل للديمقراطية، وهي دلالة على فقدان الرابطة القانونية بين الحكومة والأمة، أو العقد النافذ والملزم للطرفين. والمستبد برأيه.. قد يستبد بأهله ومجتمعه ووطنه، بحكم أبوته أو مكانته أو سلطته. ولا شك بأن شخصية (المستبَّد) انطلاقاً من خصائصها النفسية والمنظور الاجتماعي لها، هي ذات خائفة ومستسلمة للظروف وأبعد عن مفهوم الحوار والتعايش السلمي. وعند الرجوع للقاموس السياسي لتوضيح حالة الاستبداد وسلطته المطلقة، فأنه يعرف "الحاكم المستبد" despote بأنه حاكم مطلق، له سلطة تعسفيّة، أو كيفية، بلا حدود، ولا مراقبة. والاستبدادية تصف حكومة متسلّطة (أو سلطوية)، يمكن أن تكون حكم جماعة، لا يحدّ منها شيء، ولا يوقفها في ممارسة حكمها "الكلياني!" وإذا حافظت على بقائها بالقوة، تصبح طغياناً. ويستخدم تعبير "الاستبدادية" في كثير من الأحيان بمعنى واسع لكي يصف، بصورة تحقيرية، كل سلطة يعترض على شرعيتها، أو على نمط ممارستها للحكم".
 
فالاستبداد يعني حضور لغة العنف والقوة وغياب لغة الحوار وسلطة القانون، بينما تعني الديمقراطية المساواة والحرية الفكرية والتعددية السياسية، وضمان العدالة الاجتماعية، والحوار السلمي. فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم تظل علاقة متوازية في إطار القانون الذي يحفظ لكلاهما واجباتهم، ويظل القانون هو السلطة الحاكمة والنافذة على الحاكم والمحكوم معاً. والمواطن هو صورة الوطن.. فبقدر تمتع المواطن بحقوقه وحرياته الأساسية، تتحقق عملية التوازن بين القوى والتفاعل البناء، والتي تبنى عليه العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
 
أين يقف العرب؟
أن تكون عربياً أيّ أن تكون مواطناً تعيش حلم العدالة والحرية والسلام.. تحلم بما لا تستطيع، وترغب فيما لا تريد!! ومن منطلق إدراكنا للحظة التاريخية الفريدة كعرب ومسلمين، نتساءل: ما طبيعة مواقفنا الجماعية من قضايانا ومشاكلنا؟

هل أدركنا حقيقة قوتنا وموقفنا من أنفسنا؟! وما هي نظرة الصديق والعدو إلينا؟ وما طبيعة التحالفات الإقليمية والاقتصادية المبلورة لعالم يعيش الصراعات الدامية والخلافات الغير متناهية.. اتجاهاً نحو عولمة اقتصادية وتقنية مركزية؟.




يتساءل أحد المواطنين: ماذا يعني أن تكون مواطن عربي بلا هوية؟! وما مقدار اعتزازنا بهويتنا الإسلامية وقيمنا الإنسانية ومبادئنا التي حلم بها المفكرون وناضل من أجلها الثوار؟ وهل نستمر في تعاطي الحياة بروح سلبية خانعة؟ وهل يحق للمواطن العربي أن يتعاطى السياسة كما يأكل الخبز، أم يظل متفرجاً في مقهى السياسة أمام صناع القرار؟
فهناك الكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية التي تحتاج لجهود الأفراد والمؤسسات لعلاجها.. وما يهمني هنا، هو النظر للقاعدة الشبابية لأنها أساس كل حركة تطور أو تغيير ننشدها.. ونحن الآن في مرحلة صعبة لا ينبغي الهروب من مشاكلنا أو مخاوفنا، فلا بد من علاج حاسم لكل القضايا العالقة وضرورة فتح الملفات السياسية والاجتماعية. وهذه مسئولية الدولة والمواطن.. لأننا ما لم نضمد جراح الوطن ونقاوم من أجل تحسين المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومعالجة القضايا الاجتماعية والأخلاقية، والعمل على وحدة المجتمع. والتغيير الاجتماعي هو الأساس العملي لأيّ محاولة نهوض أو تغيير سياسي منشود. فيكفينا نزاعات استنزفت كل قوانا وأموالنا وجهودنا، لذا يتعين أن يتوجه عملنا من أجل البقاء وبناء أحلامنا في الواقع الأفضل والأجمل والأكثر عدالة، فلا بد من تضحية والصبر والنضال لتحقيق الحياة الكريمة.
ونحن مقبلين على مرحلة جديدة.. علينا أن نثير كل الأسئلة الممنوعة ونكشف كل الأوراق المجهولة، بدءاً من أنفسنا ومؤسساتنا الدينية والاجتماعية والرسمية. وما دمنا ملتزمين بمبدأ الحوار الجاد وبقيم إنسانية ثابتة، دون خوف أو تراجع. فليقدم كل عالم نظريته؟ وليبدع العلماء والمفكرين في آرائهم وأطروحاتهم، ولينهض الشباب والأجيال الفتيّة بمسئولياتهم الوطنية.
 
شئنا أم أبينا.. فلا بد من الانفتاح على كل التيارات الفكرية والسياسية، وأن نتعاطى العمل الوطني من منطلق المشاركة والحوار والإيمان بالرأي الآخر، ونعمل على جمع الخبرات والطاقات وإنهاض المؤسسة الدينية المرجعية من أجل مواكبة تطورات العصر الحديث. وهي دعوة إلى كل المفكرين ورجال الدين أن يعيشوا روح العصر في حركتهم ومشاريعهم الخاصة بكافة مرجعياتهم الدينية والسياسية، وأن يتعاطعوا شؤون الساحة المحلية بروح علمية ونزيهة بعيدة عن الجدل والتنظير التقليديين.. لأن الساحة المحلية الآن أصبحت مهيئة لقبول مشروع وطني يتجاوز حدود المذهبية والعصبية السياسية. وهي دعوة للتعايش السلمي بين المواطن والدولة في إطار القانون، ودعوة لكل المؤسسات الدينية والرسمية أن تنفتح على كافة الطبقات الاجتماعية وتعمل على الارتقاء بها.
 
نحو ديمقراطية إسلامية:
ويستحضرني هنا سؤال هام.. هل لدينا ديمقراطية إسلامية ؟!
ألا يعتقد البعض منّا بأن النظام الإسلامي في أحكامه وتشريعاته، هو نظام للحياة وأساس للحكم وإدارة شئون المجتمع ؟
كعرب ومسلمين نحن اليوم بأمس الحاجة لممارسة التجربة الديمقراطية، ووضعها في الإطار الإسلامي بما يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا. لقد جربنا مختلف النظم كالخلافة ونظام الشورى والديكتاتورية.. ولم تنجح لأسباب عديدة. فلماذا لا نجرب الديمقراطية التي أثبتت فعاليتها في الحدّ من سلطة الحاكم الفرد، وفي إعطاء الأمم والشعوب قدراً أكبر من الحرية السياسية والدينية والاقتصادية، ولا نستطيع الحكّم على التجربة إلا بعد تطبيقها؟. والدول العربية والخليجية، تتمتع بقدر من الحرية النسبية في ظل أجواء التعددية، واحترام الدستور وصيانة حرية الإنسان وكرامته. لذلك فأن الشعوب مطالبة اليوم بتقرير مصيرها وفق أحكام القانون، وعلى ضوء امتلاكها لحريتها واستقلالها.. وقد نختلف في بعض النقاط الجوهرية المثارة حول النظرية الإسلامية (الشورى) ومدى فعاليتها، ولكننا لا نختلف بلا شك أننا نقبل ما فيه مصلحتنا العامة من الشرق والغرب، ونرفض كل ما يعرض الإنسان والأمة لانتقاص حريتها وكرامتها. فنحن نرفض الأساس الفكري لنظرية الديمقراطية الغربية، لتكون لنا نحن المسلمون ديمقراطيتنا الإسلامية التي تلائم طبيعة معتقداتنا وأوضاعنا السياسية والاجتماعية و الدينية.. أنها دعوة إلى التفكر والتأمل في أحوالنا كشعوب عربية إسلامية.. ودعوة إلى تقرير المصير.